ملف فساد المحليات في أسيوط: رخص البناء بين الرشاوى والإجراءات التعسفية
تعيش مدينة أسيوط حالة من الغضب الشعبي نتيجة الفساد المتمرس في محليات المدينة، وتحديدًا في ما يتعلق بإصدار رخص البناء.
فما بين الرشاوى الباهظة والإجراءات التعسفية، يجد المواطنون أنفسهم أسرى لفساد يتغلغل في كل جانب من جوانب حياتهم اليومية.
وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد“، يستعرض دور المحليات، ونكشف النقاب عن آراء المواطنين والمختصين التي تُعبر عن رفضهم لهذا الواقع المرير.
واقع مرير للعمارة والبناء
في البداية، دعونا نستعرض معاناة المواطنين الذين يتطلعون لبناء منازل أو مشروعات صغيرة. فبمجرد دخولهم للمصالح الحكومية، يواجههم جدار من التعقيدات والإجراءات البيروقراطية التي تحبط أي أمل في الحصول على رخصة بناء.
علي حمد، مزارع في الخمسين من عمره، أعرب عن استيائه قائلًا: “لقد قدمت على رخصة بناء منذ أكثر من ستة أشهر، ورغم تقديم كافة المستندات المطلوبة، لم أستطع الحصول على الرخصة. هناك دائمًا عذر وليس هناك من يفسر لي أسباب التأخير”.
الفساد متجذر في المحليات
تتحدث الأرقام عن واقع صارخ؛ فقد أظهرت دراسة محلية أن حوالي 70% من طلبات إصدار رخص البناء تتعرض للتأخير بسبب الفساد الإداري وطلبات الرشوة.
الدكتور مروان هشام، خبير إداري وأستاذ جامعي، يقول: “الفساد في المحليات بات مشكلة مؤسسية.
ونظم الرشوة وعمليات المحسوبية أصبحت جزءًا من ثقافة العمل عند بعض الموظفين، حيث يتم التعامل مع رخص البناء كأداة للابتزاز”.
آراء المواطنين تنفر من الفساد
عندما تساءلنا عن كيفية تأثير الفساد على حياة الناس، وجدنا إجماعًا على تلك الآراء. تقول فاطمة إبراهيم، ربة منزل، “افترضت أن أستطيع بناء منزل لأبنائي بعد سنوات من الإدخار، ولكن التكاليف تضاعفت بسبب الرشاوى المطلوبة.
الآن، حلمي بالكاد أستطيع رؤيته”. وتضيف: “هل يُعقل أن يصبح حلمي في بناء منزل يؤمن لي الحياة أمرًا مُعطلًا بسبب الفساد؟”.
محور الرشوة والعراقيل
قامت حملات للتحقيق في تجاوزات المحليات، حيث كشف أحد المطلعين على الأمور أن العديد من الموظفين يستغلون النفوذ لفرض “إكراميات” تحت مسمى تسريع الإجراءات.
ويقول الشاب حسن يوسف، أحد المقاولين: “عندما أعمل على مشروع، يُطلب مني دائمًا دفع مبالغ كبيرة لموظفين في المحليات. وإذا لم أدفع، ستتعطل الإجراءات لعدة شهور”.
شهادات من الداخل
قدم لنا عدد من الموظفين السابقين في المحليات شهاداتهم حول هذا الوباء المتمثل في الفساد.
حيث يشير عامر عزيز، موظف سابق، إلى أن الفساد أصبح آلية عمل: “إذا كنت تسعى للحصول على الحقوق المجتمعية،
فإنك يجب أن تبدأ بدفع الرشوة. الحقيقة المؤلمة أن هناك مافيات تتحكم في العملية، ولا يبدو أن هناك مفر”.
الإجراءات التعسفية كوسيلة للابتزاز
من المؤلم أن نسجل أن الإجراءات التعسفية تُستخدم أحيانًا كوسيلة للابتزاز بدلاً من كونها وسائل لضمان الشفافية.
وتقول سارة جمال، محامية: “هناك حالات تم فيها فرض شروط تعسفية على المتقدمين لرخص البناء،
حتى يشعر المواطنون بأنهم مجبرون على الدفع. تلك السياسات تهدف لخلق جو من الخوف والقلق” .
التواطؤ الحكومي وضعف الرقابة
من الصعب فحص المشكلة بشكل منطقي دون تسليط الضوء على تواطؤ الجهات الحكومية.
ووفقًا للدكتور حمدي جمال، خبير الاقتصاد السياسي، فإن حماية الفساد ضرورية لمشاريع التوسع في المحافظات.
ويصف الوضع بقوله: “هناك جماعات قادرة على التأثير على القرارات الحكومية، مما يجعل من العملي عدم إقامة أي إجراءات جدية لمواجهة الفساد. الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية قوية للبدء في تغييرات جذرية”.
صوت الشعب ومطالب الإصلاح
بدأت ضغوط شعبية تنمو. وكتبت العديد من المنظمات غير الحكومية تفصيلًا عن حالات الفساد لتقديمها للسلطات المعنية.
ويقول الدكتور رأفت سليم، ناشط حقوقي، “نحن بحاجة لحملة جادة لإعادة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. ولذا يجب الحرص على إشراك المجتمع المدني للقضاء على هذه المشكلة الخطيرة”.
الأثر السلبي على الاستثمار والتنمية
لا يقتصر تأثير الفساد على المواطنين فقط، بل يمتد إلى المشهد الاستثماري بشكل عام.
يقول علي زكريا، رجل أعمال، “إذا استمر هذا الوضع، فلن يجرؤ أي مستثمر على دخول هذا السوق. الاستثمار يحتاج ليستقرار واستراتيجية واضحة، لكن الفساد يهدم كل الفرص”.
دور الإعلام في كشف الفساد
أعرب العديد من الخبراء عن أهمية دور الإعلام في توعية المجتمع. ويؤكد الصحفي أحمد سمير: “الإعلام يمكن أن يكون سلاحًا قويًا في مواجهة الفساد.
لدينا مجموعة من الإعلاميين الذين يعملون بجد في تبليغ تلك المشكلات، لكن الأمر يحتاج إلى دعم أكبر ليكون ذلك الصوت مستدامًا”
مقترحات للمعالجة
يتطلب الأمر استراتيجيات طموحة لمقاومة الفساد. توصي بعض الشخصيات الرسمية بإنشاء آلية مراقبة مستقلة لمتابعة عمليات إصدار رخص البناء، وكذلك تفعيل القوانين الموجودة لمعاقبة المخالفين.
بينما أشار الدكتور نبيل شوقي، خبير قانوني، إلى ضرورة معالجة البطء التشريعي في هذا السياق. “يجب إدخال إصلاحات قانونية لضمان الشفافية في كافة الإجراءات”.
الطريق نحو الإصلاح
ويمكن أن نرى بوضوح أن الفساد في المحليات بمحافظة أسيوط لا يقتصر على رخص البناء وحدها، بل هو تجسيد لخلل مستمر في العلاقة بين المواطن والدولة. إن المواطنون يستحقون فرص العيش الكريم، وأفكار إصلاحية يجب أن تتحول إلى فعل.
نجاح أي خطة لمكافحة الفساد يتطلب تفعيل القوانين، زيادة الوعي المجتمعي، وتقوية العلاقات بين الدولة والمجتمع.
والأمل في التغيير يتزايد، ولا بد من خلق بيئة تؤكد على العدالة والشفافية للبناء على أراضٍ مستقبلية آمنة وصحيحة.