تقارير

الصحة في أسيوط: المستشفيات الحكومية بين الإهمال والفساد المالي

تشكل الصحة أحد أهم مؤشرات تقدم الأمم، لكن في أسيوط، تبدو المستشفيات الحكومية وكأنها مزيج من الإهمال والفساد المالي، مما يُشكل خطرًا حقيقيًا على حياة المواطنين.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يقترب من واقع المستشفيات، مستعرضين آراء المواطنين وكذلك المختصين، ليسلط الضوء على جوانب الفساد المتفشي وكيف يؤثر على الخدمة الصحية.

أزمات صحية متراكمة

على مدار الشهور الأخيرة، تلقينا العديد من الشكاوى من مواطنين حول تدهور الخدمات الصحية في أسيوط.

الأشياء التي سمعناها من المواطنين بدت وكأنها تكشف عن مأساة مستمرة. فكلما استمعنا إليهم، كان الصوت يتكرر: الإهمال، الفوضى، قلة الأدوية.

تقول مريم نبيل، 37 عامًا، وهي أم لطفلين: “ذهبت إلى مستشفى أسيوط العام بعد إصابة ابني. اكتشفت أن القسم الذي كنت أبحث عنه كان مغلقًا، وأن الأطباء مشغولون بمسائل لا تتعلق بعلاج المرضى”.

وتُضيف: “يجب أن نبذل جهدًا أفضل من هذا، إذ كيف سنؤمن مستقبل أبنائنا إذا كانت صحتهم في خطر؟”.

الفساد المالي في القطاع الصحي

ولكن، ما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا الإهمال الذي يبدو متفشيًا في المستشفيات الحكومية؟ للدخول في عمق القضية، قابلنا الدكتور علي رمضان، استشاري صحة عامة،

الذي قال: “الوضع الحالي في أسيوط يُظهِر بوضوح الفساد المالي. الأرقام التي تُخصص للصحة لا تصل إلى السكان.

جزء كبير منها يتحول إلى جيوب المسؤولين، مما يُحرم المرضى من خدمات أساسية”.

كما شهدنا أيضًا حديث دكتور سامي زين، خبير مالي، الذي أشار إلى تقارير توضح تلاعبًا في الميزانيات المُخصصة للشؤون الصحية.

وأكد على أنه “عندما تنتقل أموال مستحقات الصحة إلى أماكن غير مخصصة، فإن ذلك يعني مباشرة حياة الناس تتعرض للخطر”.

آراء الكوادر الطبية

الأطباء هم في صميم هذا النظام، ومن المهم سماع آرائهم. الدكتور فهد أحمد، طبيب مقيم في مستشفى أسيوط، يعبر عن إحباطه من الوضع قائلاً: “لا أستطيع أن أؤدي واجبي بشكل يتوافق مع روح الأمانة

إذا كانت الموارد المحدودة تُشكل عائقًا. نحن نواجه نقصًا حادًا في الأدوية والأدوات الطبية، وهذا يجعل تنفيذ واجباتنا صعبًا للغاية”.

وضعف الرواتب وانعدام الحوافز المالية يساهم أيضًا في تفشي الفساد. دكتور غادة محمود، طبيبة، تُلخِص المشكلة بوضوح: “الضغط المالي يجعل الطبيب يفكر في خيارات أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى ضعف الأداء المهني”.

العواقب الوخيمة للإهمال والفساد

مخاطر الفساد والإهمال في الصحة في أسيوط تُهدد حياة المواطنين بطرق متعددة. حيث يُظهر أن الإهمال في تقديم الرعاية الصحية يساهم في وفاة الكثير من المرضى الذين يمكن علاجهم.

وفي قصة مؤلمة، عاشت عائلة حسين عامر، التي فقدت أحد أفرادها بسبب إهمال وتم الإبلاغ عنه، حيث تم تجاهل حالة مرضه من قبل الأطباء.

المطالب الشعبية والإصلاحات اللازمة

استجاب الكثير من المواطنين للنداء، مطالبين بإصلاحات جذرية في النظام الصحي. صرح أحمد فايز، ناشط حقوقي في أسيوط، قائلاً: “لم يعد بإمكاننا السكوت على هذه الانتهاكات.

ويجب أن نتحرك معًا لمطالبة الجهات المعنية بإجراء تحقيقات وإصلاح هذه الممارسات الفاسدة”.

وأضاف: “المواطنون يزدادون وعيًّا بحقوقهم، وكلما زاد الوعي، زادت المطالب بالتغيير”.

يؤكد الدكتور عماد عبد الكريم، الذي يعمل في القطاع الحكومي، على أهمية تطوير البدائل

وتقديم الشفافية: “يجب أن يكون هناك نظام فعّال للمراقبة على الإنفاق الحكومي، وأن تُوفر تقارير دورية عن أداء المستشفيات، وإلا سنظل في دوامة من الفساد”.

حكة الحكومات ومشاريع الصحة الجديدة

ومع تزايد النقص في الخدمات الصحية، اتجهت الحكومة لإطلاق مشاريع صحية جديدة، لكن السلوكيات القديمة لا تزال تطارد القطاع.

دكتور فاروق جابر، خبير في إدارات الصحة العامة، قال: “المستشفيات الجديدة لا تكفي لوحدها؛ نحن بحاجة إلى عملية شاملة يمكنها ضمان تفاعل كل الأطراف المعنية بشكل إيجابي”.

نموذج الدول الأخرى وتجاربها في مواجهة الفساد

يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى لمواجهة الفساد في القطاع الصحي، وتعزيز معايير الشفافية.

في بعض الدول، طُرحت برامج لمكافحة الفساد أدت إلى تحسين الخدمات الصحية، وهذا ما يُحاول الكثيرون إضافته إلى النظام الصحي في مصر.

الواقع الصحي في أسيوط يعكس مشكلة أعمق

ويمكن القول إن الواقع الصحي في أسيوط يعكس مشكلة أعمق من مجرد الإهمال. وإنه يتحدث عن الظلم الاجتماعي، عن انعدام الثقة في المؤسسات،

وعن فقدان القدرة على الابتكار والتطوير. المرضى والأطباء، وهم في صميم الاولويات ينبغي أن تُعطى لهم الأولوية.

إن الوقت قد حان لمواجهة هذه القضايا بتضامن الحكومات والمجتمع المدني والمواطنين لإنشاء نظام صحي قادر على تقديم خدمات كريمة،

والابتعاد عن الفساد والإهمال. فالصحة ليست مجرد رعاية طبية؛ إنها حق إنساني يتوجب المحافظة عليه دون تردد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى