ثقافة وتاريخمقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: “حكيم باشا” دراما تشويه الصعيد والسطحية في الأداء

صدم مسلسل “حكيم باشا” كل من تابع حلقاته بتجسيده الكارثي للصعيد، مما دفعني للتساؤل كيف يمكن لعمل درامي في عام 2025 أن يقع في هذه الأخطاء الفادحة.

قدم المسلسل صورة نمطية مشوهة لمجتمع مليء بالثراء الثقافي والإنساني، لكن صُنّاعه اختاروا تكرار القوالب المملة بدلاً من تقديم الجديد.

فشل العمل في الخروج من دائرة الأعمال التقليدية التي طالما شوهت صورة الصعيد، واكتفى بمعالجة ساذجة للعادات والتقاليد.

استخدم المخرج مشاهد محورية لإثارة الجدل، مثل مشهد الجنازة الذي أثار ضجة واسعة. أظهر النساء يمشين خلف النعش في تحدٍ واضح لعادات الصعيد المعروفة، وكأن المسلسل لا يعترف بخصوصية هذا المجتمع.

بدا الأمر وكأنهم يسخرون من تراثنا وتقاليدنا التي نعتز بها. لا يمكن تجاوز هذا الخطأ الذي يعكس غياب البحث أو الاستشارة لأبناء الصعيد الحقيقيين قبل تنفيذ هذا المشهد.

أعاد المسلسل تصوير الصعيدي على أنه مجرد تاجر آثار أو مهرب سلاح، وكأن الصعيد لا يعرف إلا التجارة المحرمة.

لماذا يستمر صُنّاع الدراما في حصر الشخصية الصعيدية في هذه الأدوار البالية؟ تجاهل المسلسل أن المجتمع الصعيدي يزخر برجال الأعمال، الأطباء، المهندسين، والمثقفين، وكأنهم لا يرون في الصعيد إلا الجوانب السلبية.

شوهت هذه الصورة النمطية العميقة شخصيتي كابن للصعيد، وأحسست بأنهم يخاطبوننا وكأننا خارج نطاق التطور.

قدم مصطفى شعبان أداءً سطحيًا للغاية، متكئًا على نفس الأسلوب القديم الذي اعتاد تكراره في أعماله السابقة. لم يجلب معه شيئًا جديدًا يميز هذه الشخصية أو يمنحها مصداقية.

افتقر أداؤه للواقعية، وجاءت اللهجة الصعيدية غير مضبوطة، مما جعل المشاهد يشعر بالغربة عن تلك الشخصيات. يجب أن نتساءل: هل يعتقد شعبان أنه ما زال قادرًا على الحفاظ على مكانته بهذا الأداء المتكرر؟

استغل المسلسل كل فرصة ممكنة لزيادة الإثارة المفتعلة، دون الاهتمام بالمصداقية. لم يكلف صُنّاع العمل أنفسهم عناء البحث أو التحقق من الحقائق المتعلقة بالصعيد، مما جعل العمل يشبه لوحة فنية مليئة بالعيوب.

مشاهد الجنازات والأعراس والعادات تم تنفيذها بطريقة بعيدة تمامًا عن الحقيقة، وكأنهم يعرضون قصة من وحي الخيال لا علاقة لها بالواقع.

واصل المسلسل الإساءة لمجتمع الصعيد بتقديمه القضايا السطحية والخلافات العائلية التقليدية. لم يتطرق إلى مشكلات الصعيد الحقيقية أو يعرض التحديات التي يواجهها أهل الصعيد في العصر الحديث. اختار المسلسل السهولة على حساب المصداقية، واستمر في تضليل الجمهور بصورة سطحية وغير واقعية.

تجاهل العمل قضايا الصعيد الحقيقية التي كان بإمكانه استعراضها بعمق، مثل مشكلات التعليم، الفقر، أو الهجرة الداخلية.

بدلاً من ذلك، اتجه إلى الإثارة الرخيصة والمشاهد الصادمة التي تخلو من أي رسالة حقيقية. أساء المسلسل فهم ما يحتاجه الجمهور من الدراما الصعيدية، وقدم لنا وجبة مكررة وغير مُشبعة.

تحولت مشاهد “حكيم باشا” إلى مادة للسخرية بين أبناء الصعيد، الذين رأوا في العمل إهانة لتقاليدهم وأعرافهم.

لا يكفي أن نعرض الزي التقليدي أو بعض الديكورات لنقل بيئة واقعية، بل يجب فهم تلك البيئة والتفاعل معها بصدق. افتقر المسلسل إلى هذا الفهم، مما جعله في نظر الكثيرين مجرد فانتازيا تسيء إلى الصعيد وأبنائه.

أخفق “حكيم باشا” في تحقيق أي إضافة حقيقية للدراما الصعيدية، وبدلاً من ذلك أعادنا إلى الوراء بسنوات عديدة. بدلاً من أن يقدم معالجة جريئة وصادقة، لجأ إلى إثارة الجدل من خلال مشاهد مستفزة وغير واقعية.

وعلى الرغم من أن المسلسل حاول نقل صورة عن المجتمع الصعيدي، إلا أنه لم يتمكن من الاقتراب من حقيقته ولا من فهم عمقه.

أثار المسلسل غضب المشاهدين وأثار حفيظتهم بدلًا من أن يُمتعهم أو يُثري عقولهم. على صُنّاع الدراما أن يدركوا أن الجمهور لم يعد يقبل بتلك الأعمال السطحية التي تشوه الحقيقة وتستغل التقاليد.

فلا يمكنني سوى أن أعبر عن خيبة أملي من هذا العمل. كنت أطمح إلى رؤية دراما تحترم عقول المشاهدين وتنقل صورة حقيقية عن المجتمع الصعيدي.

لكن “حكيم باشا” جاء ليؤكد مرة أخرى أن الدراما الصعيدية لا تزال عالقة في قوالب قديمة وعقيمة، عاجزة عن تقديم جديد أو إحداث أي تغيير حقيقي في الوعي الجمعي.

إن كان هذا هو ما يُعتبر دراما صعيدية في 2025، فلا عجب أن تتزايد الفجوة بين ما نراه على الشاشة وما نعيشه في الواقع.

فلم يكن حكيم باشا مجرد مسلسل درامي ضعيف، بل كان مثالًا صارخًا على الفجوة المتزايدة بين صُنّاع الدراما والواقع الذي يدّعون تجسيده.

الصعيد ليس خلفية تصلح لإثارة الجدل أو تكرار الصور النمطية، بل هو مجتمع حيّ نابض بالتنوع والتحديات والقصص الحقيقية التي تستحق أن تُروى بصدق ووعي واحترام.

وإن لم يدرك صُنّاع الدراما هذه الحقيقة، فستظل أعمالهم محكومة بالفشل، مهما بالغوا في التجميل أو اصطناع الإثارة.

على صُنّاع الدراما أن يتوقفوا عن استسهال التصوير النمطي للمجتمعات، وأن يبذلوا مجهودًا أكبر في فهم وتقديم هذه المجتمعات بصدق واحترام. وفي انتظار ذلك، سيظل “حكيم باشا” ذكرى سيئة في تاريخ الدراما الصعيدية

كفى عبثًا بالصعيد وأهله! لسنا مجرد ديكور لخلق الإثارة، ولسنا شخصيات كرتونية تُحصر في الجهل والسلاح والآثار.

نحن مجتمع له عمقه وتاريخه وقيمه، وأي عمل يتجاهل هذه الحقيقة هو ببساطة عمل لا يستحق المشاهدة ولا الاحترام. “حكيم باشا” لم يُهِن الصعيد فقط، بل أهان ذكاء الجمهور كله.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى