أزمة الأدوية: جشع السوق يهدد حياة المصريين
تعيش مصر في خضم أزمة حادة تتعلق بنقص الأدوية، أزمة تؤثر بشكل مباشر على حياة الملايين من المواطنين.
ويُعاني العديد من المرضى من عدم قدرتهم على الحصول على الأدوية الأساسية، مما يزيد من معاناتهم الصحية ويهدد حياتهم.
ومع التصريحات الحكومية، التي يؤكد فيها المتحدث باسم الحكومة محمد الحمصاني أنه تم توفير 470 دواءً من أصل 580، يظل السؤال قائماً: لماذا لا يزال هناك نقص في الأدوية؟ وكيف يمكن للمرضى أن يواجهوا هذه المعاناة المتزايدة؟
واقع الحال: مرضى وأسر
في إحدى العيادات الطبية في القاهرة، تجلس “نجلاء الخولي” التي تبلغ من العمر 45 عاماً، في انتظار دورها.
وتعبر نجلاء عن إحباطها قائلة: “ابني يعاني من مرض مزمن، وكل يوم أذهب إلى الصيدلية بحثاً عن الدواء، لكني غالباً ما أعود خائبة الأمل. إن لم أستطع تأمين الدواء، فماذا سيفعل ابني؟”.
أما “أحمد عادل”، طالب في كلية الطب، فيشير إلى أن نقص الأدوية ينعكس سلبًا على معارفه وزملائه في المستشفيات.
“إنها مأساة. لدينا مرضى يحتاجون إلى الأدوية، ولكن لا نجدها في المستشفيات. المرضى يستجدون الأطباء للحصول على ما يحتاجونه، والنتيجة هي تفاقم المعاناة”.
الأرقام تتحدث: بيانات مقلقة
وتشير التقارير إلى أن هناك ما يقرب من 110 أدوية لا تزال مفقودة في السوق. وفي الوقت الذي يتحدث فيه الحمصاني عن إمكانية انتهاء أزمة نقص الأدوية المستوردة خلال شهر، يظل المواطنون في حالة من القلق والترقب.
تقول “سارة حسن”، صيدلانية تعمل في إحدى الصيدليات الكبرى: “منذ عدة أشهر، بدأنا نشعر بزيادة كبيرة في الطلب على بعض الأدوية،
وفي نفس الوقت، نواجه صعوبة في الحصول عليها. الأمر لا يتعلق فقط بالأدوية المستوردة، بل هناك أدوية محلية أيضاً تعاني من نقص”.
الفساد في القطاع الصحي
تعد أزمة نقص الأدوية جزءاً من مشكلة أكبر تتعلق بالفساد المستشري في القطاع الصحي. تتحدث “هالة غريب”، ناشطة في مجال حقوق الصحة، عن الفساد في إدارة الموارد الصحية: “لقد شاهدنا كيف يتم إهدار الموارد وكيف تُباع الأدوية في السوق السوداء بأسعار مضاعفة. والمواطن هو الضحية، بينما الفاسدون يتربحون”.
تسجل التقارير أيضاً ارتفاعاً في الأسعار في السوق السوداء، حيث يمكن أن تتجاوز أسعار الأدوية المفقودة الحدود المعقولة، مما يزيد من معاناة الأسر.
ويقول “عبدالله السعيد”، أحد المواطنين “أعرف شخصاً دفع ضعف السعر للحصول على دواء مهم. لا يوجد رقابة، ولا أحد يحاسب هؤلاء الذين يستغلون الظروف”.
التصريحات الحكومية: هل هي كافية؟
يتساءل الكثيرون عما إذا كانت التصريحات الحكومية تعكس الواقع. يوضح “حسن توفيق”، خبير في السياسة الصحية، أن الحكومة غالباً ما تعلن عن إنجازات دون اتخاذ خطوات فعلية لمعالجة الجذور الأساسية للمشكلة:
“الحل ليس مجرد توفير الأدوية، بل يجب أن تكون هناك سياسة شاملة لضمان عدم تكرار هذه الأزمة”.
المواطنين في مواجهة الأزمة
تبدأ الكثير من الأسر في ابتكار حلول بديلة، مثل الاعتماد على الأدوية التقليدية أو الأعشاب. تقول “سمية رمضان”، ربة منزل: “أصبحنا نبحث عن حلول بديلة.
لقد بدأت أتعلم عن الأعشاب والنباتات التي يمكن أن تعوض بعض الأدوية، ولكنني ما زلت قلقة على صحتي وصحة عائلتي”.
تشير بعض العائلات إلى زيادة معدل السفر إلى الخارج لشراء الأدوية، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً.
ويقول “مصطفى جمال”، أحد المغتربين: “عندما أذهب إلى بلدي، أحمل معي الأدوية لعائلتي. أصبح الأمر شيئاً أساسياً، لكن ليس كل شخص يمكنه السفر”.
الحاجة إلى الحوار المجتمعي
يجب أن يكون هناك حوار مجتمعي حول كيفية مواجهة أزمة نقص الأدوية. تعتبر “ليلى كمال”، أستاذة في الصحة العامة، أن التواصل بين الحكومة
والمجتمع هو أمر حاسم: “يجب على الحكومة أن تستمع إلى أصوات المواطنين وتتعامل مع مشكلاتهم بشكل أكثر جدية. هذه ليست مجرد أرقام، إنها حياة الناس”.
دعوة للتغيير
إن أزمة نقص الأدوية ليست مجرد مشكلة صحية، بل هي أزمة إنسانية تتطلب اهتماماً عاجلاً. يجب أن يتحد المواطنون معاً ويطالبوا بتغيير حقيقي.
ويتوجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وأن تعمل على تحسين الوضع، لا أن تتحدث فقط عن النجاح في توفير بعض الأدوية.
إن ما يحدث الآن في مصر يجب أن يكون دافعاً للتحرك. وإن المعاناة التي يعيشها المواطنون بسبب نقص الأدوية تمثل فشلاً ذريعاً في نظام الصحة العامة، ويجب أن تتضافر الجهود لإيجاد الحلول.
والحلول ليست مجرد توفير الأدوية، بل يجب أن تشمل تحسين البنية التحتية الصحية، وزيادة الشفافية، ومكافحة الفساد في القطاع الصحي وحان الوقت للتغيير، ولتكون أصوات المواطنين هي المحرك الرئيسي لهذا التغيير.