هاريس: استراتيجية جريئة تُغازل الشركات الكبرى وتُفجر الأزمات الاقتصادية
في خضم الحملة الانتخابية، تبرز كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية للرئاسة، كأحد الأسماء القوية التي تسعى لتغيير معالم المشهد السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة.
وتركّز هاريس في خطابها على مواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الشركات الكبرى، مشددة على ضرورة التصدي للتحديات الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، وخاصةً ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وعلى الرغم من هذه التصريحات، تبدو هناك تباينات واضحة في مواقفها وسياساتها مقارنةً مع إدارة بايدن.
مسار سياسي مُعقّد
تسعى هاريس للتميّز عن إدارة بايدن، التي تعهدت برفع الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى، بينما تشير تقارير إلى محاولتها السرية لكسب دعم هذه الشركات. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، يبدو أن هاريس تتجه نحو مغازلة قادة الأعمال، مما يثير تساؤلات حول مدى التزامها بأجندة الإصلاح.
في الفترة التي سبقت انسحاب بايدن من السباق، نجحت حملة هاريس في جمع نحو 91 ألف دولار من حوالي 990 مانحًا من المديرين التنفيذيين، ما يعكس الدعم القوي الذي تحظى به من قِبل قطاع الأعمال. وفي الأسابيع التالية، تلقت تقريبًا 2 مليون دولار من 5000 مانح، مما يؤكد على استراتيجيتها في جذب الدعم المالي من الشركات الكبرى.
تعزيز العلاقات مع الشركات
أحد أبرز ملامح حملتها الانتخابية هو اهتمامها بالتواصل مع قادة الشركات. استضافت هاريس عشاءً مغلقًا مع مجموعة من الرؤساء التنفيذيين لمناقشة قضايا حيوية، مثل تمويل البنية التحتية والتنوع في سوق العمل. هذا الانفتاح على قادة الأعمال أظهر استعدادها للاستماع إلى آرائهم، وهو ما يعتبره البعض دليلًا على استعدادها للتخلي عن بعض الأولويات التقدمية التي قد تعتبرها هذه الشركات ضارة.
تحديات فرض الضرائب
في الوقت الذي تتجه فيه هاريس نحو تخفيف حدة بعض السياسات الضريبية، تشير التقارير إلى أنها أبدت دعمًا لفرض ضرائب على المكاسب غير المحققة. إلا أن مستشاريها أشاروا إلى أنها قد تكون منفتحة على هيكلة هذه الضريبة بشكل يختلف عن المقترحات التي قدمها بايدن، مما يثير قلقًا بشأن كيفية تحقيق عائدات كافية لدعم برامجها السياسية الطموحة.
تحت ضغط من الشركات، تسعى هاريس أيضًا لتقليل تأثير بعض مقترحات بايدن الضريبية، وهو ما يظهر في جهودها للتخلص من رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، لينا خان، التي تعتبر من أبرز الوجوه في مكافحة الاحتكار. يمثل هذا التحول استجابة مباشرة لمطالب قادة الأعمال الذين يعتبرون نهج خان “عدوانيًا”.
استراتيجية تتطلب التوازن
تتطلب استراتيجية هاريس توازنًا دقيقًا بين متطلبات قطاع الأعمال واحتياجات المواطنين. يشير مؤيدوها إلى أنها تمتلك القدرة على الوصول إلى حل وسط حول قضايا الضرائب، مع التأكيد على أنها لن تتجاهل مصلحة الطبقة العاملة. إلا أن هناك من يعبّر عن قلقه من أن انفتاحها على الشركات قد يؤثر سلبًا على برنامجها التقدمي.
يعتبر بعض المراقبين أن هاريس تسعى لاستقطاب الدعم من المانحين الكبار، وهو ما قد يعقد من مساعيها لجذب الناخبين الذين ينظرون إلى الحكومة على أنها ليست في صفهم. تحذر الأصوات المعارضة من أن هذه العلاقة مع الشركات قد تؤدي إلى تقليص التزامها بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطن.
التوجه نحو القطاع الخاص
في إطار استراتيجيتها، تركز هاريس أيضًا على أهمية الشراكة مع القطاع الخاص. تعتقد أنه لا يمكن للحكومة وحدها حل المشكلات المعقدة، لذا تسعى للاستفادة من موارد الشركات لتحقيق أهدافها. من بين إنجازاتها، تأمين 5.2 مليار دولار من الالتزامات من شركات مثل ماستركارد وفيزا لمعالجة قضايا الهجرة، وهو ما يعكس رغبتها في استخدام القطاع الخاص كأداة للتغيير.
موازنة الأمور والتوجهات المستقبلية
رغم الانتقادات التي تتعرض لها، لا تزال هاريس تحظى بدعم قوي من بعض قادة الأعمال الذين يرون فيها شخصية قادرة على إدارة الاقتصاد بشكل فعّال. يأمل هؤلاء أن تتمكن من تحقيق التوازن بين متطلبات المجتمع المدني واحتياجات الشركات الكبرى. لكن تبقى هناك تساؤلات بشأن ما إذا كانت ستحافظ على أولوياتها التقدمية أم ستتخلى عنها لصالح دعم الشركات.
وتقدم كامالا هاريس نفسها كخيار جذري يسعى لخلق توازن بين تعزيز الأعمال والاستجابة لاحتياجات الناخبين. ومع اقتراب الانتخابات، يبقى على الناخبين مراقبة كيف ستتطور استراتيجيتها، وما إذا كانت ستستطيع الحفاظ على التعهدات الاجتماعية والاقتصادية في ظل الضغط المتزايد من قادة الشركات. تتجه الأنظار نحو الانتخابات القادمة، حيث سيكون لحسم هذه القضايا تأثير كبير على مستقبل السياسة الأمريكية.