تصعيد تسليحي في الشرق الأوسط: كارثة تهدد الاستقرار الإقليمي
تسجل الإحصائيات العالمية زيادة مقلقة في الإنفاق على التسلح، وتُظهر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كأحد أبرز الأسواق في هذه التجارة القاتلة.
ويُبرز تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن حجم تجارة الأسلحة في السنوات من 2015 إلى 2020 شهد ارتفاعًا بنسبة 5.5% مقارنةً بالفترة من 2010 إلى 2014، و20% عن الفترة من 2005 إلى 2009.
الإنفاق العسكري: الرقم الذي يثير القلق
دول الشرق الأوسط، التي تتوفر عنها بيانات دقيقة، تنفق مجتمعة حوالي 4.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على شراء الأسلحة، وهي أعلى نسبة بين جميع المناطق.
وفي استطلاع شمل 149 دولة، تبين أن 7 من أصل 10 دول أنفقت أكثر من 4% من ناتجها المحلي على التسلح كانت في هذه المنطقة. بينما تتذرع الدول بأن تسليح نفسها يعزز الاستقرار، تشير النتائج إلى أن تكديس الأسلحة يزيد من التوترات ويُعزز الصراعات.
حلقة مفرغة من العنف
تُعبر عبارة “الحروب بحاجة إلى الأسلحة بنفس القدر الذي يحتاج فيه منتجو الأسلحة إلى الحروب” عن الواقع المأساوي في المنطقة. تتسابق الدول في تسليح نفسها، بينما تتعزز التوترات الإقليمية.
وتصدرت الولايات المتحدة قائمة مبيعات الأسلحة عالميًا، حيث حازت على 36% من المبيعات خلال الفترة من 2015 إلى 2019، تلتها روسيا وفرنسا وألمانيا والصين.
علاوة على ذلك، يُظهر التوزيع الجغرافي للأسلحة أن حلفاء أمريكا مثل المملكة المتحدة وإسبانيا وإسرائيل يحتلون مراكز متقدمة في السوق، ما يُشير إلى أن 10 دول فقط تستحوذ على 90% من حصة سوق الأسلحة العالمية.
المشتريات العسكرية: ضرورة أم استعراض قوة؟
تستمر منطقة الشرق الأوسط في كونها الوجهة الأولى لصادرات الأسلحة العالمية، حيث تتصدر السعودية قائمة أكبر المستوردين.
ولعل الصراعات المستمرة والتوترات بين الدول، مثل النزاع الإيراني الإسرائيلي، تعزز من الحاجة إلى الأسلحة. في ظل هدوء بعض الجبهات العربية، لا تزال النزاعات مع الفصائل المسلحة تمثل دافعًا قويًا للتسليح.
وفي شمال أفريقيا، تتواصل المخاوف من تصاعد النزاعات مما يزيد من حدة السباق على التسلح. إلى جانب ذلك، تعزز الهيبة الوطنية والتنافس بين الدول من رغبتها في امتلاك أحدث الأسلحة.
الأسلحة كوسيلة للهيمنة السياسية
للأسلحة دور مزدوج، حيث تُعتبر وسيلة للدفاع ولكنها تُستخدم أيضًا كأداة للنفوذ السياسي.
وتسعى الدول المصدرة، مثل روسيا، لتعزيز وجودها في المنطقة عبر تقديم أسلحة متطورة، في وقت يتجاهل فيه كثير من الدول التحديات الأخلاقية المترتبة على دعم أنظمة تنتهك حقوق الإنسان.
العراقيل أمام الصناعة العسكرية العربية
تواجه الدول العربية تحديات جسيمة في توطين صناعاتها العسكرية. وفقًا لتقرير صادر عن الجامعة العربية، تشمل هذه التحديات نقص القاعدة العلمية والموارد المالية المحدودة، فضلاً عن الفجوة التكنولوجية الهائلة.
وتعتمد هذه الدول بشكل كبير على الاستيراد، مما يُضعف قدرتها على تطوير صناعاتها الخاصة.
أيضًا، تقاوم الدول والشركات الكبرى المنتجة للأسلحة أي جهود عربية للتصنيع الحربي، ما يُحرم هذه الدول من الاستفادة من خبرات التصنيع.
ومع ذلك، هناك بوادر إيجابية، حيث بدأ عدد من الدول العربية خطوات نحو بناء قدراتها العسكرية.
خطوات إيجابية نحو تطوير الصناعة العسكرية
على الرغم من التحديات، أحرزت بعض الدول العربية تقدمًا ملحوظًا في مجال التصنيع العسكري. تمتلك مصر أكثر من 26 مصنعًا مخصصًا للإنتاج الحربي، وقد استثمرت مليارات الدولارات في هذا المجال.
وتُنتج المصانع المصرية أنواعًا متعددة من الأسلحة، بما في ذلك الطائرات والمركبات المدرعة.
كذلك، اتخذت الجزائر خطوات مشابهة من خلال تطوير صناعاتها العسكرية، حيث تركز على إنتاج الذخائر والأسلحة الخفيفة بالتعاون مع دول مثل ألمانيا.
الرؤية المستقبلية
لا يزال أمام الدول العربية تحديات كبيرة في تطوير صناعاتها العسكرية. إلا أن تجاوز هذه التحديات يتطلب رؤية استراتيجية وتعاون مشترك لتحقيق الأهداف العسكرية والتنموية.
بالنظر إلى واقع التسلح المتزايد، فإن الاستمرار في هذه الحلقة المفرغة من شراء الأسلحة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع، مما يهدد الاستقرار الإقليمي.
وإن استجابة الدول العربية لمثل هذه الأزمات ليست مجرد خيار بل ضرورة ملحة، تتطلب رؤية واضحة واستراتيجية مستدامة تُعيد توجيه الجهود نحو تعزيز الأمن والاستقرار بعيدًا عن سباقات التسلح التي لا تنتهي.