مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التونسية المقررة في 6 أكتوبر 2024، تزداد المخاوف بشأن ما يوصف بالتضييقات والمضايقات التي تمارسها السلطة التنفيذية على المرشحين المحتملين. في قلب هذه الأحداث، يواجه الرئيس الحالي قيس سعيد، الذي انتهت ولايته، اتهامات بتوظيف مؤسسات الدولة للتأثير على مجريات العملية الانتخابية بما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية.
منذ بداية هذا العام، أثيرت العديد من القضايا حول استقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي الجهة المعنية بتنظيم الانتخابات وضمان نزاهتها. ويبدو أن سيطرة السلطة التنفيذية، ممثلة بوزارة العدل والداخلية، قد تعمقت في محاولة للتأثير على قرارات الهيئة. هذه الهيمنة المتزايدة ليست سوى جزء من المشهد الأوسع للضغوطات التي تُمارس ضد المرشحين الذين يحاولون الترشح للرئاسة، وسط محاولات متكررة من السلطة لتقييد الحريات السياسية والتلاعب بالمسار القانوني للانتخابات.
المحكمة الإدارية العليا: تحدٍ للسلطة التنفيذية
في خطوة اعتبرها الكثيرون جريئة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في تونس قرارات كانت بمثابة محاولة لكبح هذه الهيمنة. وقد أكدت المحكمة على ضرورة استقلالية الهيئة العليا للانتخابات، والزمت باعادة المستبعدين من السباق الرئاسي و ألزمت الهيئة باعادتهم إلى السباق الرئاسي ، وقراراتها قطعية وغير قابلة للطعن وهي اعلى درجات التقاضي الوطني وألزمت السلطة التنفيذية بعدم التدخل في سير العملية الانتخابية. غير أن هذا القرار قوبل برفض واضح من قبل قيس سعيد وأعوانه في وزارة العدل والداخلية. فبدلاً من الامتثال للقرار القضائي، استمرت السلطة في محاولة فرض تغييرات قانونية، خاصة فيما يتعلق بقوانين الترشح، وذلك قبل أسابيع قليلة فقط من موعد الانتخابات.
تغيير القوانين الانتخابية وسلطات المحكمة الإدارية على الانتخابات في مثل هذا التوقيت الحساس يُعتبر إشكالية قانونية كبرى، إذ يرى العديد من المحللين أن هذه المحاولات لا تهدف إلى تعزيز الشفافية أو النزاهة، بل إلى إقصاء مرشحين محددين قد يشكلون تهديداً جدياً لحظوظ الرئيس المنتهية ولايته. إن تحريك القوانين على هذا النحو المتعمد يضعف من مصداقية العملية الانتخابية ويثير تساؤلات حول مدى استعداد تونس للمرور بانتخابات نزيهة وشفافة.
محاولات التضييق والضغط: تكتيك سياسي أم دفاع عن السلطة؟
ليس من المبالغة القول إن الرئيس سعيد، ومنذ توليه السلطة في 2019، انتهج نهجاً قائماً على تقليص دور المعارضة وتكثيف السلطات بيديه. لقد شهدت تونس خلال فترة حكمه سلسلة من الإجراءات التي اعتبرتها المعارضة خطوات لإعادة البلاد إلى نظام مركزي يُقصي التعددية السياسية. وقد أثيرت شكوك حول مدى التزامه بالديمقراطية، خاصة بعد تعليق أعمال البرلمان السابق في 2021 والتضييق على الأحزاب المعارضة واعتقال والتنكيل و سجن معارضيه بتهم جاهزة مقولبة يراد منها فقط افراغ الساحة التونسية من الصوت المعارض له.
في هذا السياق، تأتي الاتهامات حول التدخل في سير الانتخابات بمثابة تتويج لهذه التحركات، إذ يعتقد كثيرون أن سعيد يهدف إلى الإبقاء على السلطة عبر محاصرة منافسيه السياسيين وتحجيم فرصهم. اللافت هنا هو أن هذا النهج يتماشى مع تحالف قوي بين سعيد ووزيري العدل والداخلية، حيث يُستخدم القانون والقضاء كأدوات سياسية لتصفية الحسابات وإبقاء المشهد السياسي تحت سيطرة السلطة التنفيذية.
أثر هذه التضييقات على مستقبل الديمقراطية التونسية
إذا استمر هذا النهج، فإن تونس، التي كانت تُعتبر نموذجاً للانتقال الديمقراطي في العالم العربي، قد تجد نفسها أمام أزمة سياسية وقانونية عميقة. الديمقراطية في جوهرها تقوم على مبدأ الشفافية والنزاهة والمساواة بين المرشحين، وهذه المبادئ قد تتعرض للتآكل إذا ما استمر تدخل السلطة التنفيذية في العملية الانتخابية.
لقد عبّر العديد من المرشحين المحتملين عن مخاوفهم من هذه التدخلات، مؤكدين أن البلاد تحتاج إلى انتخابات تعكس إرادة الشعب، بعيداً عن الضغوطات السياسية والتدخلات القانونية التي تهدف إلى خدمة أجندات معينة. كما نبهت العديد من المنظمات الحقوقية والمراقبين الدوليين إلى ضرورة الالتزام بمبادئ القانون واحترام استقلالية القضاء لضمان انتخابات نزيهة.
في النهاية، يمكن القول إن مصير تونس السياسي في هذه اللحظة الحرجة يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة القضاء التونسي والهيئة العليا للانتخابات على الحفاظ على استقلاليتهما، بعد ان تحولا لورقة يستخدمها المرشح المنتهية صلاحياته،فإذا نجحت السلطة في فرض هيمنتها على العملية الانتخابية، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة قد لا تكون سوى خطوة أخرى نحو تقليص الحريات السياسية وتعميق الانقسامات داخل المجتمع التونسي.