نقابة المعلمين بالإسكندرية: فساد مستمر لثلاثة عقود يهدد حقوق 450 أسرة
في مشهد يثير الغضب والحزن في آن واحد، نجد أن أكثر من ٤٥٠ أسرة إسكندرانية، تشمل معلمين أفنوا حياتهم في خدمة الوطن، قد أصبحت ضحية لفساد ممنهج على مدار ثلاثة عقود.
والقصة تبدأ في الثمانينيات، عندما اشترى هؤلاء المعلمون أراضٍ من نقابة المعلمين على أمل بناء منازل تأويهم وأسرهم.
ولكن على الرغم من مرور ثلاثين عامًا، فإن الحلم الذي دفعوا مقابله أموالهم وعرقهم، أصبح كابوسًا بسبب سلسلة من المماطلات والتزوير الذي أدى إلى بيع الأرض كاملة لمستثمر على حسابهم.
لقد تحولت هذه القضية إلى معركة طويلة في المحاكم، دون وجود حلول واضحة في الأفق، مما جعل العديد من هذه الأسر تعيش في حالة من الإحباط المستمر، ووسط هذا المأزق، يطرح هؤلاء المعلمون وأسرهم سؤالًا مصيريًا: “من يقف بجانبهم في مواجهة هذا الفساد؟ وكيف يمكنهم استعادة حقوقهم الضائعة؟”
بداية القصة: عندما بدأ الحلم يتحول إلى كابوس
في الثمانينيات، اجتمع عدد كبير من المعلمين في الإسكندرية، مدفوعين بالأمل والرغبة في تأمين مستقبلٍ أفضل لأسرهم، وقاموا بشراء قطع أراضٍ من نقابة المعلمين.
وكانت الصفقة في البداية واضحة وبسيطة؛ دفع المعلمون مبالغ طائلة مقابل أراضٍ تقع في مناطق استثمارية واعدة بالإسكندرية. ومع مرور الوقت، بدأ سعر الأرض يرتفع بشكل كبير مع تطور المنطقة وازدياد قيمتها.
لكن هنا، بدأت تظهر أولى علامات الفساد. تحولت الأحلام إلى كوابيس بطيئة، حيث بدأ العديد من هؤلاء المعلمين يجدون أنفسهم في مواجهة عراقيل غير متوقعة.
والمماطلة في إتمام إجراءات تسجيل الأراضي، والتعقيدات الإدارية، والتقاعس عن السماح لهم بالبناء على الأرض التي دفعوا ثمنها، كانت كلها أمورٌ تُثير الشك.
آراء المتضررين: قصص المعاناة المستمرة
التقينا ببعض المتضررين من المعلمين الذين تحدثوا عن معاناتهم المستمرة منذ عقود، وكل منهم لديه قصة تنزف من الألم واليأس.
يقول “أحمد السيد”، وهو أحد المعلمين الذين اشتروا الأرض في الثمانينيات: “منذ أكثر من 30 عامًا وأنا أحتفظ بأوراق شراء الأرض، ولم أستطع حتى اليوم أن أستفيد من متر واحد منها. النقابة قامت ببيع الأرض لمستثمر دون أن تخطرنا حتى. أين العدالة؟ أين حقوقنا؟”
ويضيف “محمد إبراهيم”، أحد الورثة الذين يقاتلون لاستعادة حقوق والده المتوفى: “والدي كان يحلم بأن يبني لنا منزلًا على هذه الأرض.
ولقد رحل دون أن يرى حلمه يتحقق، والآن نحن – أبناؤه – نعاني في المحاكم وندفع المزيد من الأموال لمحاولة استرجاع ما سُلب منا.”
ويؤكد “مصطفى علي”، وهو معلم آخر: “تعبنا من المعارك القضائية التي لا تنتهي. رفعنا عشرات القضايا، وكل مرة يتم تأجيل الحكم أو رفض القضية. لا نعلم إلى من نلجأ بعد الآن.”
التلاعب القانوني وبيع الأرض: كيف تم خداع المعلمين؟
بينما كان المعلمون يأملون في أن تتقدم الأمور ببطء نحو البناء، فوجئوا بخبر صادم: النقابة، في خطوة غير متوقعة، عقدت جمعية عمومية “مشبوهة”
وأعلنت عن بيع الأرض كاملة لمستثمر، دون إبلاغ المعلمين أو أخذ موافقتهم. يبدو أن ارتفاع قيمة الأرض قد جذب المستثمرين الذين سعوا لامتلاكها بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حقوق هؤلاء المعلمين.
يشير المحامي “علاء منصور”، المتخصص في قضايا الأراضي، إلى أن الجمعية العمومية التي عقدتها النقابة قد تكون تم تزويرها بهدف إتمام الصفقة.
ويقول: “ليس من المعقول أن يتم بيع أرض تم دفع ثمنها بالفعل من قِبل ٤٥٠ معلمًا لمستثمر دون موافقتهم. هذا يعتبر خرقًا واضحًا للعقد المبرم بينهم وبين النقابة.”
ويضيف “منصور”: “للأسف، مثل هذه الحالات ليست جديدة في مصر. القوانين أحيانًا تكون غير صارمة بما يكفي لحماية حقوق الأفراد، خاصة عندما يكون الطرف الآخر جهة قوية مثل النقابة.”
النقابة في مرمى الاتهام: هل أصبح الفساد هو القاعدة؟
يبدو أن النقابة العامة للمعلمين قد أصبحت لاعبًا رئيسيًا في هذه المأساة. فبدلاً من حماية حقوق المعلمين، تورطت في عملية بيع مشبوهة، ربما لتحقيق أرباح شخصية. لا يمكن تجاهل الأدوار الملتبسة التي لعبتها الجمعية العمومية، والتي تم عقدها دون علم معظم المعلمين.
يقول “خالد عبد الفتاح”، أحد النشطاء المدافعين عن حقوق المتضررين: “النقابة أصبحت أداة لتحقيق مصالح شخصية للبعض. بدلاً من أن تكون سندًا للمعلمين وتدافع عن حقوقهم، نجدها تبيع أراضيهم لمستثمرين وتستفيد من ذلك. هذا يعتبر فسادًا بكل معنى الكلمة.”
من جهته، يضيف “عبد الحميد سالم”، محامٍ ومدافع عن حقوق المتضررين: “نحن نتحدث عن جريمة كبيرة. النقابة باعت أراضيًا ليست ملكًا لها، وتلاعبت بإجراءات قانونية لتبرير ذلك. يجب أن تتدخل الحكومة فورًا للتحقيق في هذه القضية ومعاقبة كل من تورط في هذا الفساد.”
المختصون القانونيون: الإجراءات المطلوبة لاسترداد الحقوق
ومن الناحية القانونية، يبقى الأمل الوحيد للمعلمين وأسرهم هو استمرار المعارك القضائية، ولكن هناك من يشير إلى ضرورة اتخاذ خطوات إضافية لضمان استرداد حقوقهم.
المحامية “نادية شريف” تقترح: “بجانب القضايا المرفوعة، يجب على المعلمين أن يلجأوا إلى وسائل الإعلام لكشف هذه القضية أمام الرأي العام. الضغط الإعلامي قد يكون أداة فعالة في مثل هذه الحالات.”
بينما يشير المستشار القانوني “عمرو الدسوقي” إلى أن هناك حاجة لتدخل الجهات الرقابية مثل جهاز حماية المستهلك أو النيابة العامة للتحقيق في مزاعم التزوير والتلاعب.
ويقول: “يجب أن يتم فتح تحقيق رسمي حول الجمعية العمومية التي تم عقدها بشكل غير قانوني، وإذا تم إثبات التزوير، فإن الأرض قد تعود إلى أصحابها الأصليين.”
المواطنون يتحدثون: الغضب والإحباط يعم الشارع السكندري
بينما تتصاعد الأحداث، لم يقتصر الغضب على المتضررين فقط، بل امتد إلى عموم الشارع السكندري. يقول “حسن عبد الله”، مواطن سكندري: “لا يمكن أن نسمح باستمرار هذا الفساد. هؤلاء المعلمون خدموا البلد ويجب أن تُحترم حقوقهم.”
وتضيف “فاطمة محمود”، ربة منزل من الإسكندرية: “أعرف بعض هؤلاء المعلمين بشكل شخصي، وهم يعيشون معاناة لا تصدق. لماذا لا تتدخل الحكومة لإيقاف هذا الظلم؟”
وفي تعليق آخر، يقول “أحمد مصطفى”، موظف حكومي: “هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها مثل هذه الحوادث. إذا استمر الفساد بهذا الشكل، فلن يكون هناك أي أمان لنا ولأطفالنا في المستقبل.”
ماذا بعد؟ هل يوجد أمل في تحقيق العدالة؟
وتظل التساؤلات قائمة حول ما إذا كان هناك أملٌ في تحقيق العدالة لهذه الأسر التي تعاني منذ ثلاثة عقود. رغم أنهم مستمرون في محاولاتهم القانونية لاستعادة حقوقهم، فإن العديد منهم أصبح يشعر بالإحباط وفقدان الثقة في النظام.
يختم “أحمد السيد” كلامه قائلاً: “كل ما نطلبه هو استرداد حقوقنا. نحن لا نبحث عن مواجهات أو صدامات، ولكن إذا استمر هذا الوضع، فلن يكون أمامنا سوى اللجوء إلى كل الوسائل الممكنة لاسترداد أرضنا. نحن لن نستسلم.”
فساد المعلمين بالإسكندرية: أزمة متفاقمة تستدعي التدخل العاجل
تظل قضية المعلمين بالإسكندرية نموذجًا حيًا للفساد المستشري الذي يستمر لسنوات دون رادع، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات الرقابية والقضائية لحماية حقوق المواطنين ومحاسبة المتورطين. فإذا لم تُحل هذه القضية سريعًا، فقد تتفاقم، وتتحول إلى أزمة تهدد الثقة في مؤسسات الدولة وقدرتها على حماية حقوق أبنائها.
هل سيشهد المستقبل تحركًا من الجهات المختصة لوقف هذا الفساد وإعادة الحق إلى أصحابه؟ أم ستظل هذه الأسر تعيش في دوامة الانتظار بلا أمل؟