تقارير

المشهد الانتخابي في تونس.. حملة اعتقالات وإقصاء المنافسين، وخطاب تحريضي يتبناه قيس سعيد

انطلقت الحملة الانتخابية للمترشحين للانتخابات الرئاسية في تونس، حيث تتصاعد وتيرة الجدل والغموض حول العملية الانتخابية، وذلك في ظل استمرار سجن أحد المترشحين وصراع قانوني بين القضاء الإداري والهيئة المستقلة للانتخابات.

تحتدم الأجواء السياسية في تونس مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل، حيث يتنافس ثلاثة مرشحين رئيسيين: الرئيس الحالي قيس سعيد، والعياشي زمال، الأمين العام المستقيل من حركة “عازمون” والذي يواجه اتهامات قانونية، وزهير المغزاوي، الأمين العام لـ”حركة الشعب”. ورغم توقيفه، أعلن زمال عن انطلاق حملته الانتخابية متعهداً بإجراء “مصالحة وطنية شاملة وصياغة دستور جديد وانتخابات تشريعية مبكرة”.

الانتخابات الرئاسية التونسية.. سجال وإقصاء وحملة انتخابية من السجن!

الانتخابات الرئاسية التونسية: جدل وإقصاء وسط حملة انتخابية غير مسبوقة

ومع ذلك، تسود حالة من الإرباك حيث لم يشعر معظم التونسيين بانطلاق الحملة الانتخابية، في ظل السجال القانوني بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقضاء الإداري. في الثاني من سبتمبر، رفضت الهيئة تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، مما أثار جدلاً حول مشروعية القرار وأدى إلى استبعاد عدة مترشحين من السباق، رغم أن المحكمة قضت بإعادتهم.

أثار قرار الهيئة جدلاً واسعاً، خاصة بين أوساط المعارضة التي استنكرت تمردها على القضاء الإداري وعدم التزامها بالقانون. يأتي هذا في وقت يتفق فيه جمعية القضاة في تونس وعشرات من أساتذة القانون الدستوري وعمداء كليات الحقوق على أن قرار الهيئة يهدد المسار الانتخابي ويمس بمصداقيته ونزاهته، مما يمكن أن يؤدي لاحقاً إلى التشكيك في نتائج الانتخابات.

الهيئة الوطنية للانتخابات تواجه انتقادات جديدة حول نزاهة العملية الانتخابية

تتواصل الانتقادات لتعامل هيئة الانتخابات مع العملية الانتخابية، حيث يتصاعد القلق بشأن معايير يبدو أنها مصممة لصالح الرئيس قيس سعيد، مما يثير تساؤلات حول شفافية ونزاهة الانتخابات المقبلة.

في ظل هذه الأجواء، تكثف هيئة الانتخابات جهودها لضمان سير العملية الانتخابية، ومع ذلك، يتزايد الشعور بأن هذه الجهود تهدف بشكل رئيسي إلى تمهيد الطريق لعودة الرئيس قيس سعيد لكرسي الرئاسة. حيث تم استبعاد عدد من الأسماء ذات الوزن الانتخابي الكبير، مما يجعل المنافسة تقتصر على مرشحين قلة فقط، حصرا على من هم أقل تأثيرًا. وفي الوقت ذاته، يواجه المرشح زمال ضغوطًا تتعلق بتهم قانونية وصفها محاموه بالجوفاء حيث يُعتقد بأن هدفها الرئيسي هو إرباك حملته الانتخابية وتقويض فرصه في النجاح.

القضاء الإداري في مواجهة تحديات الانتخابات: دعوات عاجلة لتطبيق القرارات

تشهد الساحة القضائية في تونس جديدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث يتصدر القضاء الإداري المطالب بإعادة المترشحين المستبعدين إلى حلقات الترشح وفقًا للقوانين المعمول بها.

يُظهر قرار هيئة الانتخابات عدد 18 لسنة 2014 بوضوح أهمية تنفيذ الأحكام القضائية، حيث ينص الفصل 24 على ضرورة تنفيذ القرارات الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية. وعلى الرغم من أي صعوبات، يبقى من الواجب على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الالتزام بقرارات المحكمة الإدارية خاصةً في ما يتعلق بالمترشحين الذين تم قبول طعونهم. تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العدلية تُعتبر الأكثر مصداقية في تونس بفضل حيادها عن السجالات السياسية.

علق القاضي الإداري السابق والمحامي أحمد صواب قائلاً: “البلاد تعيش معركة معركة انتخابية، ويبدو ظاهريًا أن هيئة الانتخابات قد انتصرت فيها عندما رفضت تطبيق القانون. لكن في الواقع، هناك معركة خطيرة جدًا قادمة على الأمن العام. كل مترشح قانونيًا لديه الحق بالطعن في النتائج، وهذا وارد بشكل كبير”.

في ضوء هذه التطورات، بدأ بعض المترشحين الذين حصلوا على أحكام لصالحهم مثل عماد الدايمي حملاتهم الانتخابية، مما يثير تساؤلات حول استقلالية الهيئة. وخرجت احتجاجات قوية في الأيام الأخيرة، حيث تجمع الآلاف من المواطنين، أغلبهم من الشباب، ضد سياسات قيس سعيد، مطالبين بتحسين الأوضاع السياسية.

حكم بالسجن بحق المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية العياشي زمال

وكانت حكمت محكمة تونسية على المرشح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال بالسجن لمدة عام و8 أشهر، وفقاً لمحاميه عبد الستار المسعودي. يُعتبر زمال، الذي يواجه أكثر من 25 تهمة تتعلق بالتزكيات الشعبية، ثالث مرشح تقبله هيئة الانتخابات إلى جانب الرئيس قيس سعيّد وزهير المغزاوي.

اعتبرت حملة زمال إدانته جزءاً من حملة ممنهجة تهدف إلى عرقلة مسيرته الانتخابية ومنعه من التواصل مع الناخبين. وأشارت الحملة إلى أن الحكم جاء بعد فشل محاولات إدانته في محكمتي تونس 2 ومنوبة، واعتبرت الشكايات المقدمة ضده كيدية. بعد حكم جندوبة، ينتظر زمال محكمة سليانة وغداً جلسة في محكمة منوبة، إضافةً إلى ملفات أخرى في محكمة تونس ومحكمة القيروان.

استنكر مكتب الحملة هذا التصعيد القضائي، الذي اعتبروه محاولة لإقحام القضاء في الصراعات الانتخابية وإعاقة حق زمال في الترشح. ودعت الحملة القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني إلى التدخل لضمان حرية زمال في الحملات الانتخابية. كما وجهت نداءً للتونسيين للمشاركة في حملته ودعمه.

في السياق ذاته، قرر زمال مقاطعة جميع جلسات التحقيق احتجاجاً على ما اعتبره أسلوباً من الهرسلة والمحاكمات السياسية. ويأتي هذا القرار نتيجة استمرار الاستهداف الممنهج، والذي يحول إلى مسلسل من الضغوط اليومية التي تهدف إلى إضعافه ومنعه من التفاعل مع الشعب.

أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمة النهائية للمترشحين، ورفضت الهيئة قرارات المحكمة الإدارية التي قضت بإعادة ترشح بعض السياسيين. اعتبر المعارضون أن رفض الهيئة يمثل تجاوزاً خطيراً لسلطة القضاء، واعتبرت جبهة الخلاص الوطني أن ذلك يهدد مكتسبات دولة القانون.

الشبكة التونسية للحقوق والحريات تدين تعنت هيئة الانتخابات وتدعو إلى حماية المكتسبات الديمقراطية

أدانت الشبكة التونسية للحقوق والحريات، اليوم الأربعاء، بشدة تعنت هيئة الانتخابات في رفض تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، معتبرةً ذلك خطوة خطيرة تهدد المسار الديمقراطي في البلاد.

في بيانها، شددت الشبكة على أن موقف هيئة الانتخابات يعكس هيمنة السلطة التنفيذية وتجاهلاً متعمداً لسيادة القانون. وأوضحت أن هذا الموقف يمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ النزاع الانتخابي التي ينظمها القضاء الإداري، مما يفتح المجال أمام شرعنة الاستبداد والقمع، متسببًا في تفاقم الأزمات السياسية بدلاً من ضمان العدالة وحقوق المواطنين الأساسية، بما في ذلك تنظيم انتخابات تتوفر فيها شروط المنافسة المتساوية.

وأعربت الشبكة عن تحميل هيئة الانتخابات المسؤولية الكاملة عن المخاطر المستقبلية المترتبة على هذا العبث، محذرةً من أن هذا قد يؤدي إلى بطلان المسار الانتخابي وانعدام شرعيته، مما يهدد البلاد بدخولها في فراغ مؤسساتي.

كما أعربت عن قلقها العميق إزاء حملة الاعتقالات الجماعية التي طالت عشرات المواطنين بسبب نشاطهم السياسي، مؤكدةً الحاجة الملحة للإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين وضمان شروط المحاكمة العادلة للجميع.

وفي سياق متصل، أدرجت الشبكة إدانتها للخطاب العنيف والتحريضي الذي يكرره رئيس الجمهورية قيس سعيد، بما في ذلك تصريحاته الانتخابية الأخيرة التي تتعارض مع القانون. وحذرت من خطورة هذا الخطاب الذي يفرق بين التونسيين ويهدد وحدة المجتمع، داعيةً إلى ضرورة مواجهة هذه الانقسامات.

منظمة العفو الدولية: السلطات التونسية توسع قمع حرية التعبير قبل الانتخابات الرئاسية

أفادت منظمة العفو الدولية بأن السلطات التونسية تشدد من عمليات القمع ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات، مما يزيد من مخاطر العنف تجاه المعارضين السياسيين قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر 2024.

وفي تفاصيل التقرير، أوضحت المنظمة أن الحكومة قد فرضت قيودًا مشددة على عمل الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما أظهرت الدلائل على أن الحكومة تعمدت تقويض استقلال القضاء، مما ينعكس سلبًا على التعددية السياسية وحقوق المواطنين في التعبير عن آرائهم.

قالت سارة بلين، المديرة الإقليمية لدى منظمة العفو، “إن هذه الإجراءات تمثل تهديدًا مباشرًا للديمقراطية في تونس، ويجب على المجتمع الدولي الضغط على السلطات للتراجع عن سياستها القمعية وضمان حماية حقوق الإنسان”.

خلال التصعيد الأخير في 12 و13 سبتمبر، تم اعتقال 97 عضوًا من حزب النهضة المعارض، وحُرم هؤلاء من الاتصال بمحاميهم لمدة 48 ساعة، واستجوبوا من قبل الفوج الوطني لمجابهة الإرهاب بتهم التآمر وقضايا تتعلق بقانون مكافحة الإرهاب.

استمرت السلطات في الاحتجاز التعسفي للمعارضين وتهميش المرشحين الرئاسيين، متجاهلة قرارات القضاء بإعادة إدراج مرشحين، مستخدمة نظام العدالة كوسيلة لإسكات المعارضة السلمية.

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة للمنظمة: “تشن السلطات التونسية هجومًا صارخًا على حقوق الإنسان، وتتجاهل التزامات تونس الدولية، مما يهدد مبادئ العدالة. يجب عليها إنهاء هذا التراجع وضمان احترام حقوق الجميع قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها.”

وطالب التقرير بإفراج عاجل عن المحتجزين لممارستهم حقوقهم السلمية، بما في ذلك أعضاء حزب النهضة، والسماح لوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني بأداء عملها بحرية.

تقويض القضاء

وافقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي عين الرئيس قيس سعيد أعضائها في 2022، على ثلاثة مرشحين فقط، من بينهم الرئيس الحالي. وطعن العديد من المرشحين غير المعتمدين في القرار أمام المحكمة، فنجح ثلاثة من مرشحي المعارضة في الحصول على حكم بإعادة إدراجهم كمرشحين. ومع ذلك، تجاهلت الهيئة العليا حكم المحكمة.

هذا وقد تعرضت الهيئة لانتقادات واسعة من قبل منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتقويضها استقلال القضاء.

مضايقة المعارضين السياسيين

في 1 سبتمبر، اعتقلت السلطات العياشي زمال بتهمة تقديم تبرعات للتأثير على الناخبين، وأعيد اعتقاله بعد أن أصدر حكم بالإفراج عنه. وُجهت له عدة شكاوى أخرى، وهو محتجز الآن بموجب خمسة أوامر إيقاف تتعلق بنفس الاتهامات. كما أُدين خمسة مرشحين آخرين بالسجن لفترات طويلة وحظر الترشح.

خنق النقد وحرية الإعلام

أطلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إشعارات لعدة محطات إذاعية بشأن تقاريرها المتعلقة بالانتخابات. وتم إلغاء اعتماد الصحفية خولة بوكريم بتهمة عدم تغطيتها للانتخابات بطريقة موضوعية، مع إجراء شكاوى ضد أعضاء المعارضة بموجب المرسوم 54 بتهمة “نشر معلومات كاذبة”.

كما تم منع توزيع عدد من مجلة جون أفريك في تونس بسبب مقال ينتقد الرئيس قيس سعيد.

تقييد عمل مجموعات المراقبة

رفضت الهيئة طلبات اعتماد من منظمات غير حكومية لمراقبة الانتخابات، مشيرة إلى تلقيها تمويلًا أجنبيًا مشبوهًا، وأحالت هذه المنظمات للنيابة العامة.

واختتمت أنياس كالامار تصريحها بأن هذا يشكل تآكلًا لمؤسسات الدولة. ومنذ 2022، شنت السلطات حملات اعتقال مستمرة ضد الخصوم السياسيين والمحتجين. وتم احتجاز أكثر من 70 شخصًا في انتهاك لحقوقهم الدولية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى