العمالة غير القانونية في الفيوم: من يغض الطرف؟
تشهد محافظة الفيوم خلال السنوات الأخيرة انتشارًا متزايدًا للعمالة غير القانونية، مما يثير العديد من التساؤلات حول دور الفساد الإداري والظروف الاجتماعية التي أدت إلى هذه الظاهرة.
ويتحدث الجميع عن كيف تتأثر الاقتصاديات المحلية ومدى تأثير ذلك على ممارسات العمل والقوانين. في هذا التحقيق، نستعرض التجارب الحية للمواطنين وأراء المتخصصين حول هذه القضية الشائكة.
واقع العمالة غير القانونية
تُشكل العمالة غير القانونية ظاهرة ملحوظة في الفيوم، حيث تمر العمالة اليومية، مثل الحرفيين، بالعديد من التعقيدات للحصول على وظائف، مما يُجبرهم على العمل في ظروف غير مناسبة.
ويشتكي “علي زكريا”، عامل بناء، من عدم حصوله على فرصة عمل قانونية، ويقول: “أعمل في البناء لسنوات، لكنني دائمًا خارج إطار القانون. لا أمُل في الحصول على تصريح عمل، لأن البيروقراطية تقتل كل فرص الأمل.”
في الوقت نفسه، يواجه “مصطفى الجندي”، شاب في منتصف العشرينات، تحديًا مماثلاً: “تقدمت للعمل في عدة شركات لكني أتحصل على ردود إيجابية في العادة. لذا، اضطررت للقبول بالعمل غير القانوني. الأمر مرهق نفسيًا ويجعلني في وضع هش.”
القطاع الأكثر تضررًا: الزراعة
تُعتبر الزراعة في الفيوم واحدة من القطاعات التي تحتضن نسبة كبيرة من العمالة غير القانونية. يُعتمد على العمال غير الرسميين بشكل كبير، خاصةً في مواسم الحصاد.
ودانيا عادل، مزارعة، تتحدث عن تجاربها: “نعتمد على عمال لنقل المحاصيل، ولكن معظمهم غير مسجلين ويعملون يوميًا دون أي حقوق.”
تجعل هذه الوضعية من الصعب حماية حقوق العمال أو حسابهم. ويقول “حشمت كمال”، موظف حكومي: “من السهل جدًا استغلال هؤلاء العمال، وفي كثير من الأحيان، لا يتلقون أي نوع من الدعم أو الأجر العادل. هؤلاء هم ضحايا نظام يُشجع على الفساد.”
دور الفساد في استمرار الظاهرة
تُشير الشهادات إلى أن الفساد يقف وراء العديد من مشاكل العمالة غير القانونية في الفيوم. يُبالغ بعض المتعاملون في تقديم بعض الرشاوى للحصول على تصاريح العمل، بينما يصبح الآخرون خارج حسابات الدولة بشكل كامل.
ويقول “حسين توفيق”، ناشط اجتماعي: “لدينا مشكلة كبرى بشأن كيفية إدخال هؤلاء الأشخاص في إطار قانوني. من الواضح أن المحسوبية تلعب دورًا كبيرًا في منح الوظائف والتصاريح.”
تأثيرات العمالة غير القانونية
تتعدى مشاكل العمل غير القانوني اقتصادية بحتة، بل تؤدي إلى آثار سلبية تشمل الصحة النفسية والجسدية للمواطنين.
وتوضح “رنا فؤاد”، باحثة في التنمية المستدامة، أن “عدم الالتزام بمعايير العمل يؤثر على الصحة العامة. العمال غالبًا ما يعملون في بيئات غير آمنة، مما يعرضهم لمشاكل صحية خطيرة.”
أضف إلى ذلك أن اقتصادات هذه العمالة غير الرسمية تخلق بيئة تجارية هشة. ويقول “محمد عادل”، خبير اقتصادي: “الأعمال غير القانونية تعني أن الحكومة تفقد إيرادات الضرائب. هذا يؤثر على الميزانية العامة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور الخدمات العامة.”
تجارب الشارع: من يتحدث؟
استطلعت آراؤهم خلال زيارة ميدانية إلى أسواق الفيوم، حيث عُقدت عدة نقاشات حول العمالة غير القانونية.
ويقول “أحمد هاني”، بائع تقليدي: “إذا كنت لا تعمل في القطاع الرسمي، ستكون دائمًا مهددًا. هناك قلق دائم من المداهمات، مما يُعيق عملنا. نحن بحاجة لتقدير هذا الوضع بدلاً من تجاهله.”
بينما تروي “فاطمة غريب”، عاملة بالأسواق: “نعيش في خوف من فقدان العمل. في أي لحظة يمكن أن تأتي السلطات، بينما نرى آخرين يحققون المال بشكل غير قانوني دون رادع.”
الخطوات الحكومية: ما الذي يُمكن فعله؟
على الرغم من تزايد الشكاوى، تشعر المواطنين بأن الحكومة لا تُقدم خططًا حقيقية لمكافحة هذا الوضع. ويقول “توفيق إسماعيل”، نائب بمجلس النواب: “لدينا حاجة ملحة لوضع استراتيجيات تتعامل مع العمالة غير القانونية بشكل جاد. تطوير سياسات تُشجع التوظيف الرسمي يجب أن يكون هدفنا.”
حملة توعية ومراقبة
قد تكون النقطة الأكثر أهمية هي ضرورة إطلاق الحملات التوعية للمواطنين. وينصح “عماد حسن”، خبير حقوق إنسان، بضرورة زيادة الوعي لدى الناس حول حقوقهم وواجباتهم، ويقول: “يجب أن يكون لديهم القناعة بمطالبة حقوقهم، والأمر يحتاج إلى توعية ذات مستوى عالٍ.”
الصحافة ودورها في تقديم الحقائق
تمتلك وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في كشف الأزمات التي يواجهها المواطنون. وتقول “أسماء عبد الرحمن”، ناشطة حقوقية، “من المهم تسليط الضوء على الوقائع. يتطلب الأمر مشاركة مستمرة من جميع الأطراف. إذا تم استخدام المنصات الإعلامية بشكل صحيح، فيمكن توعية المجتمع بحقائق أمور كانت مُغيّبة.”
موقف المجتمع المدني
تُسهم منظمات المجتمع المدني بشكل كبير في تصحيح المسار. يقول “أحمد سامي”، رئيس منظمة اجتماعية: “لا يمكننا حل هذه الأزمة بمفردنا. هناك حاجة للتعاون بين كافة الأطراف: الحكومة، والمجتمع، والقطاع الخاص.”
التوجه نحو الحلول
مع تزايد الضغوط، تبقى الآمال معقودة على وجود إصلاحات فعلية لمواجهة الفساد وتعديل القوانين. يؤكد “خالد الجندي”، مختص تنموي أن “استعادة الثقة تعني خلق بيئة مناسبة للعمل. يمكننا ان نبدأ بتنظيم أي نوع من العمالة.” ويُظهر أيضًا أهمية الحاجة إلى نظام رقابي فعال وسلس، يتجنب الروتين والفساد.
وظائف أكثر، وحقوق أفضل
يسلط الجميع الضوء على أهمية توفير فرص العمل الشرعية، ويؤكد “عصام عبد الله”، باحث في الشأن الاقتصادي: “يجب أن تعمل الحكومة على خلق بيئات أكثر مرونة تُمكّن المواطنين من تحقيق دخل مُستدام. نحن بحاجة إلى برامج تأهيل تعزز من قدرات الأشخاص وتوجههم نحو العمل الرسمي.”
هل تنجح التغييرات المقبلة؟
تُعتبر العمالة غير القانونية في الفيوم قضية تحتاج إلى شجاعة وإرادة لتحقيق التغيير. من خلال مسارات مستقبلية واضحة، وبتضامن المجتمع، يُمكن وضع خطط جادة لمواجهة هذه الظاهرة.
إن رفض الفساد يأتي من جميع الأطراف، حيث يجمع الجميع على أن حقوق العمال والمواطنين يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار وأن نبتعد عن الأمور السلبية التي تُعيق المجتمع.
إذا كانت لدينا الإرادة السياسية والمجتمعية، فنحن نُسهم في تعزيز مبادئ العمل الرسمي والشعور بالأمان الاجتماعي والوظيفي.
لذا فإن الخطوات القادمة تعتمد على التزامنا جميعًا، والمشاركة الفعالة في النقاشات والقرارات التي تؤثر علينا جميعًا.