في عصرنا الحالي، أصبح التمسك بالمبادئ عملاً نادرًا، بل وأحيانًا يُنظر إليه كنوع من الضعف أو عدم الواقعية.
ويبدو أن الكثيرين باتوا مستعدين للتنازل عن كل شيء من أجل مكاسب آنية؛ حفنة من المال، منصب سياسي، أو حتى مجرد شعور عابر بالشهرة أو النفوذ. هؤلاء الذين يسقطون في فخ الأهواء، يبيعون أنفسهم وكرامتهم دون أن يدركوا حجم الخسارة التي سيتكبدونها.
يمكن أن يتحول الشخص الذي كان يومًا ما رمزًا للأخلاق والقيم إلى مهرج يثير الشفقة، يخدم مصالحه الشخصية ويتحول إلى أداة في يد من يدفع أكثر أو من يمنحه فرصة للوصول إلى السلطة.
وهذه التنازلات التدريجية تدمر روح الإنسان، وتجعله أسيرًا لمصالحه اللحظية. فهل هذا هو النموذج الذي نتطلع إليه في مستقبلنا السياسي؟ وهل يمكن أن نأمل في تغيير حقيقي إذا كان هذا هو المسار الذي نسير عليه؟
من لا يرتكز على مبادئ يصبح عرضة لكل إغراء يمر به في الحياة. قد يبدأ الأمر بتنازل صغير هنا أو هناك، يُبرر بأنه “ضروري” أو “مؤقت”، ولكنه سرعان ما يتحول إلى سلسلة لا تنتهي من الخضوع للضغوط والمغريات.
والأموال، المناصب، والشهرة، كل هذه المغريات قد تدفع الإنسان إلى بيع نفسه وكرامته. ربما يستغل هؤلاء ضعاف المبادئ هوسهم بالوصول إلى المناصب الرفيعة مثل عضوية مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فيتحولون إلى مهرجين في مسرح السياسة، يحركهم من يدفع أكثر أو من يعدهم بمزيد من السلطة والنفوذ.
المشكلة الأكبر تكمن في أن هذا التحول لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو عملية تدريجية. يتنازل الفرد عن قيمة هنا، ويتغاضى عن مبدأ هناك، حتى يجد نفسه قد فقد كل ما كان يومًا يميزه.
وفي النهاية، يكسب عرضًا زائلًا ولكنه يخسر شيئًا أعظم: سمعته، قيمه، وقبل كل شيء، احترامه لنفسه. من لا يرتكز على مبادئ، ينتهي به المطاف دائمًا بالخسارة، حتى وإن بدا في الظاهر أنه يحقق المكاسب.
اليوم، نجد الكثير من الأفراد الذين يغيرون مبادئهم كما يغيرون سياراتهم. في عالم أصبحت فيه المصالح الشخصية هي البوصلة التي توجه الكثير من الناس، نرى تحولًا مريعًا في القيم.
والذين كانوا يومًا ما يعتبرون المبدئية جزءًا لا يتجزأ من شخصيتهم، باتوا الآن يبدلون مواقفهم وآراءهم وفقًا لما يحقق لهم المكاسب الفورية. ولكن الحقيقة هي أن الإنسان المبدئي هو الذي يحظى باحترام العقلاء على مر العصور.
والمبادئ ليست عبئًا، بل هي القوة التي تحمي الفرد من السقوط في مهاوي الانتهازية والرخص. المبادئ هي التي تعطي الإنسان شخصية ثابتة، وهي التي تقوده لاتخاذ القرارات الصحيحة، حتى وإن كانت مؤلمة أو مكلفة في البداية.
وفي السياق السياسي، نجد هذه الظاهرة أكثر وضوحًا وإثارة للاشمئزاز. أصبحنا نرى السياسيين يتلونون ويتغيرون حسب الأوضاع والمصالح الشخصية، ينحنون أمام الإغراءات المالية، ويتحولون إلى دمى يحركها المال أو النفوذ.
وهوس السلطة يجعلهم يضحون بمبادئهم من أجل الوصول إلى مقعد في البرلمان أو مجلس الشيوخ. ما يجعل الأمر أكثر سوءًا هو أن المجتمع يتقبل هذا النوع من السلوك، وكأنه أصبح أمرًا طبيعيًا ومقبولًا.
لكن السؤال الأهم هو: ماذا يتطلع المصريون إلى تغييره عبر الانتخابات؟ هل يريدون حقًا قادة يتلونون مع كل رياح تأتي، أم أنهم بحاجة إلى شخصيات ثابتة على قيمها ومبادئها، تعمل لصالح الوطن وليس لصالح نفسها؟
التغيير الحقيقي الذي يحتاجه المصريون لا يجب أن يكون في السياسات فقط، بل في نوعية الأفراد الذين يمثلونهم. نحتاج إلى قادة لا يتنازلون عن مبادئهم مهما كانت الظروف، قادة يرون في العمل السياسي مسؤولية وطنية وليس وسيلة لتحقيق مصالح شخصية.
المصريون يتطلعون إلى مستقبل مليء بالعدالة والاحترام، لكن هذا المستقبل لن يتحقق طالما أننا نسمح للأشخاص الذين يغيرون مبادئهم كالملابس بأن يقودوا البلاد.
والتغيير الذي نحتاجه ليس مجرد تغيير في القوانين أو السياسات، بل هو تغيير في كيفية اختيارنا للقادة. نحتاج إلى بناء نظام سياسي لا يسمح بتلك التحولات الرخيصة ولا يكافئ الانتهازية.
الإنسان بلا مبادئ هو إنسان بلا قيمة. من يتخلى عن مبادئه يخسر احترامه لنفسه قبل أن يخسر احترام الآخرين. التغيير الذي يتطلع إليه المصريون يجب أن يبدأ بالعودة إلى المبادئ والقيم الثابتة.
والمبادئ هي القوة الحقيقية التي يمكن أن تقود البلاد نحو مستقبل أفضل. من دونها، سنظل ندور في دائرة من الانتهازية والفساد.
ونحن بحاجة إلى قادة يحملون القيم على عاتقهم، قادة لا ينحنون أمام الإغراءات، ولا يبدلون مبادئهم كما يبدلون سياراتهم. فقط حينها، يمكن أن نأمل في تحقيق التغيير الذي نسعى إليه.