محافظات

تراخيص البناء في بني سويف: فساد يُبني على حساب المواطنين

في محافظة بني سويف، أصبحت قضايا تراخيص البناء تمثل واحدة من أبرز أشكال الفساد الإداري، حيث يُسجل المواطنون معاناتهم المستمرة نتيجة عدم الشفافية والمحاباة في منح التراخيص.

وإن هذا الوضع لم يؤثر فقط على البنية التحتية، بل على حياة المواطنين أنفسهم، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مشاكل قانونية ومالية نتيجة تلاعب المسؤولين المحليين.

حكاية البنايات العشوائية

تُعد بني سويف واحدة من المحافظات ذات النمو السكاني المتزايد، مما يُجبر السكان على البحث عن خيارات سكنية متنوعة.

ومع تزايد الطلب على العقارات، انتشرت ظاهرة البناء العشوائي. وهنا، يُسجل “عم حسن عبدالقوي” وهو أحد الملاك الذين قاموا ببناء عقارات، أولى تجاربه المبكرة حول كيفية التعامل مع تراخيص البناء.

ويقول: “عندما قررت بناء منزلي، واجهت الكثير من العقبات. ذهبت إلى المسؤولين للحصول على ترخيص بناء، لكنهم طلبوا مني رشى مالية ووساطات.”

فساد التراخيص: من المستفيد؟

وكما تردد عدد من المواطنين، يُظهر الفساد في منح تراخيص البناء حالة من المحسوبية؛ حيث يتم تفضيل بعض الأشخاص على الآخرين.

“عندما نرى المباني التي تُبنى بدون تراخيص أو بأوراق مزورة، نتساءل كيف يُمكِن لبعض الأفراد التنصل من المساءلة.”

تُضِيف “فاطمة محمد”، ربة منزل، “الأمر محبط جدًا، فنحن نعمل بجد ونسعى لتحقيق حلمنا في بناء منزل، بينما تُبنى أخرى وسط الظلم.”

يؤكد الخبراء أن قلة الرقابة وضعف القوانين البيئية يؤثران بشكل كبير على مشاكل البناء غير المنظم.

وتقول “الدكتورة رانيا وسيم”، خبيرة التنمية العمرانية: “الفساد الإداري في هذا المجال يعود جذوره إلى سنوات طويلة، حيث لا تُتبع سياسات واضحة لمراقبة التراخيص، مما يُمكّن الفساد من الانتشار.”

التبعات الاقتصادية والاجتماعية

تتجاوز تداعيات الفساد في تراخيص البناء المصالح الفردية؛ بل تؤثر أيضًا على المجتمع ككل.

ومع وجود كثير من المباني غير المرخصة، نلاحظ أن البنية التحتية المحلية تُعاني من الضغوط، حيث أصبحت الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مُهددة.

ويقول “علي متولي”، مهندس مدني: “عندما تُبنى المنشآت دون تراخيص، فإن ذلك يعني أن هناك عدم احترام للخطط العامة التي وضعتها الدولة، مما ينتج عنه أعباء على المرافق العامة.”

الخروقات القانونية

تحت إشراف بعض المسؤولين المحليين، يُمكن لوسطاء وأشخاص آخرين تجاوز القوانين بسهولة.

“حصل أحد الأصدقاء على ترخيص بالبناء، بينما كان أحدهم قد خالف القوانين. وعند سؤاله عن السبب، قال إنه دفع مبلغًا إضافيًا للحصول على الترخيص.” تُصرح “مروة عبد الله”، طالبة من بني سويف.

إن كسب المال السريع من خلال الفساد يُعتبر أحد الدوافع الرئيسية، وفقًا لتصريحات بعض الخبراء.

فيشير “الدكتور جمال سرور”، أستاذ الفلسفة السياسية، إلى أن “الجوانب القانونية هنا نقاط ضعف تساهم في تكريس الفساد. نحتاج إلى اصلاح سريع وفعال.”

تجارب شخصية مؤلمة

لا تتوقف قصص الفساد عند حد معين، فقد شهدت “عائشة حلمي” تجربة مؤلمة أثناء تشييد منزلها.

وتقول: “حاولت الالتزام بكافة الإجراءات القانونية، لكنني كنت أواجه التعقيدات. وبعد محاولات عدة، استسلمت واعتمدت على وسطاء، الأمر الذي كلفني أكثر وليس فقط بالأموال.”

أما “حسين منصور”، فلم يكن لديه الخيار، فقد أُلزِم بالتحول إلى البناء العشوائي بسبب عدم قدرته على دفع المبالغ المطلوب، ويقول: “عندما حاولت القيام بالأمر بالطريقة الصحيحة، كنت أتلقى الوعود الكاذبة. الجهود ضائعة.”

دور الحكومة والمجتمع

إن الحكومة مسؤولة إلى حد كبير عن خلق بيئة تُنمي الفساد في إذن تراخيص البناء. حيث يتحدث عدد من المواطنين عن ذلك ويناشدون بتغيير طريق التعامل مع هذه المشكلات.

ويقول “علي زكي”، ناشط مجتمعي: “ينبغي أن تكون هناك آلية واحدة، تتعامل مع جميع الطلبات بشكل متساوٍ. نحن بحاجة لرؤية خطوات عملية.”

إن تعزيز الشفافية هو ما يتطلع إليه العديد من المتخصيين والمواطنين. تضيف “فاطمة حسني” قائلة: “إذا كانوا حقًا يرغبون في إنهاء الفساد، عليهم البدء في إصلاحات جذرية. تعزيز الرقابة، وفتح قنوات للتواصل مع المجتمع المحلي مهم جدًا.”

حلول ممكنة للمساعدة

يشدد الباحثون على أهمية فتح الحوار مع المجتمع ومشاركة المواطنين في تحديد الأولويات. يقول “الدكتور أسامة العيسوي”، خبير التخطيط الحضري: “قد يكون استخدام التكنولوجيا في تسهيل عملية الحصول على التراخيص خطوة جيدة نحو مساعدة المواطنين وتحسين كفاءة العمل.”

تظهر عدة مقترحات من الناشطين حول استخدام تطبيقات الهواتف الذكية لمراقبة سير الإجراءات.

وأيضًا ضرورة تعليم المواطنين كيفية التحقق من صحة التراخيص وتفاصيل المشاريع التنموية.

الاستجابة الاجتماعية

إلى جانب تلك الآراء، تبرز أفكار جديدة لتعزيز المساهمة الشعبية في الرقابة. على سبيل المثال، “تفعيل المجالس المحلية” لتكون لهم القدرة على المراقبة والتحقق من التراخيص.

ويقول “كمال المنسي”، ناشط مجتمعي: “يجب أن يتم إشراك المواطن، ففي النهاية هو المتضرر الرئيسي من هذه العمليات.”

النظرة المستقبلية

يظل الأمل قائمًا في تجاوز هذه الفوضى وتحقيق مستوى من الشفافية التي تُفضي إلى تطوير الثقافة العمرانية في بني سويف.

و يقول “علي حسين”، شاب مطور عقاري: “إذا تمت معالجة الفساد الإداري والتعامل بشفافية، ستُتحسن الأمور، وسينعكس ذلك على البناء الحديث.”

بني سويف تتجه نحو تسويق الفساد دون معالجة

إن الوقت قد حان لقطع شوط فعلي تجاه الإصلاح وكبح الفساد في تراخيص البناء في بني سويف.

فلو تركت الأمور تتجه نحو تسويق الفساد دون معالجة، فإن النتائج ستكون مؤلمة على جميع الأصعدة. إن تحسين أوضاع المواطنين يتطلب التغيير من الجذر.

يجمع الجميع هنا على أهمية التحرك العاجل من الدولة والمجتمع، لخلق بيئة آمنة وصحية للبناء والبنية التحتية، حيث تُحترم الحقوق وتُحتفظ بالموارد للمستقبل.

وإن الفساد يجب أن يُبنى على منسوبي المصالح الخاصة، لا على حساب عائلات تعمل بجد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى