محافظات

الفساد في إدارة المستشفيات بالفيوم: قصص مرضى يروون معاناتهم

في قلب محافظة الفيوم، التي تُعتبر واحدة من أكثر المحافظات كثافة سكانية في مصر، يعاني المواطنون من ضغوطات الحياة اليومية، ومع ذلك، يُضاف إلى أعبائهم معاناة جديدة مرتبطة بالخدمات الصحية.

وتعكس مستشفيات الفيوم الحكومية واقعًا مؤلمًا قائمًا على الفساد وسوء الإدارة، مما ينعكس بشكل سلبي على جودة الخدمات الطبية المقدمة.

واقع مستشفيات الفيوم: أرقام ودلالات

تشتهر مستشفيات الفيوم بتوافد المرضى من كافة أنحاء المحافظة، لكنها تعاني من نقص حاد في التجهيزات الطبية والموارد البشرية.

ويشير تقرير صدر عن وزارة الصحة إلى أن هناك نقصًا بنسبة 40% في عدد الأطباء والممارسين الصحيين بالمستشفيات العامة، مما يزيد من الضغط على العاملين المتاحين.

وفقًا لبيانات محلية، يعاني المواطنون من انعدام الأدوية الأساسية، حيث أفادت دراسة أن حوالي 60% من المرضى يشعرون بأنهم لا يتلقون العلاج المناسب خلال زيارتهم للمستشفيات.

الشهادات الحية من المرضى

توقفنا عند “علي عبد الكريم”، مريض ينتمي لأحد الأحياء الشعبية بالفيوم، والذي يشكو من سوء الرعاية الصحية.

ويروي أن “ابنته كانت تعاني من ارتفاع في الحرارة، وعندما أخذتها إلى المستشفى، طلبوا منا بعض الأدوية التي لم تكن متوفرة، ورغم أننا دفعنا رسوم الكشف، لم نحصل على الخدمة اللازمة.”

أما “سمية محمود”، امرأة مسنّة تروي تجربتها: “عندما ذهبت لإجراء عملية جراحية، انتظرت ساعات دون أي اهتمام. شعرت أنني أتعامل مع نظام صحي غيرمبالي بمشاعرنا. هل يعقل أن نترك المرضى في الانتظار دون رعاية.”

الحكومة والشكاوى: أعداء متلازمون

على الرغم من الشكاوى المستمرة من المواطنين، يبدو أن الحكومة لم تتخذ خطوة جادة لمعالجة هذه المشكلات.

ويقول “حسن خطاب”، ناشط حقوقي: “هناك إحباط عام لدى الأهالي. العديد من التقارير والشكاوى ذهبت أدراج الرياح، مما يعطي انطباعًا بأن الفساد كان متغلغلًا على كل الأصعدة.”

عندما سألنا عن الإجراءات المتبعة، أجاب أحد الأطباء، الذي طلب عدم ذكر اسمه: “حتى لو حاولنا التحدث عن مشاكل وجودة الخدمات، فإننا نواجه ضغوطًا حتى لا يتم تسليط الضوء عليها. إذا وقعت مشكلات، عادةً ما يكون الحل هو التستر عليها بطريقة أو بأخرى.”

قصص الموظفين: الفساد من الداخل

تروي “هدى جابر”، مربية أطفال تعمل في أحد المستشفيات الحكومية، قصة مختلفة: “لدي زملاء يرفضون توزيع الأدوية على المرضى بسبب ضغوط من الأعلى. يتم تسليم الأدوية فقط للمرضى الذين يُدفع لهم رشى. هذا ليس طبيًا، بل هو فساد.”

يظهر تأثير الفساد بوضوح في جميع جوانب الرعاية الصحية، خصوصًا في كيفية توزيع الأدوية.

ويقول “محمد الجندي”، صيدلي سابق في أحد المستشفيات: “الأدوية تأتي متوفرة لكن تُخفى لأسباب تتعلق بالمصالح. بدلًا من توزيعها على المرضى، يتم بيعها في السوق السوداء.”

تأثير الفساد على الصحة العامة

عندما تتدهور الخدمات الصحية، فإن ذلك لا يسفر فقط عن تأثيرات فردية، بل يحمل عواقب واسعة على الصحة العامة.

ويقول الدكتور “علي الشافعي”، أستاذ الطب الباطني: “عندما تُهرّب الأدوية ويكون هناك غياب للرقابة، تتزايد احتمالات معاناة المصابين. الوضع يضعف الاستجابة للأوبئة وينشر الأمراض.”

ويضيف: “يجب أن تُعيد الحكومة النظر في تكلفة الصحة، فنحن نحتاج إلى استثمار حقيقي، وليس مجرد شعارات.”

نداءات الإصلاح من المجتمع المدني

تحاول منظمات المجتمع المدني التحرك نحو الإصلاح. تقول “نجلاء سامي”، ناشطة اجتماعية: “نحن نعمل بجد لتحسين الخدمات الصحية.

ولكن ما نراه حاليًا يحتاج إلى تحرك شامل. بالعلاقة الغير صحيحة بين المريض والطبيب والإدارة، لا يمكن أن يكون هناك تغيير حقيقي.”

“لذا نحن بحاجة إلى تفعيل دور الرقابة الشعبية”، تضيف “نجلاء”، مشيرةً إلى ضرورة إشراك المواطنين في عملية المراقبة.

النقاش العام: بين الفشل والفساد

تتفاعل الأخبار حول هذه القضية في الفضاء العام، وتنطلق النقاشات الحية حول دور الفساد في منع تحسين مستوى الرعاية الصحية.

وتُعبر وسائل الإعلام المحلية عن استنكارها: “كيف تتجاهل الحكومة كل هذه الأحداث؟ هل يُعقل أن يُحرم المواطنون من حقوقهم الصحية بهذه الدرجة؟”

كما تُظهر الاستطلاعات الرأي العام حول الصحة أن 75% من سكان الفيوم غير راضين عن مستوى الخدمات الصحية. هذا يُظهر بوضوح الحاجة إلى تحرك فوري.

المطالبات الرئيسة من المواطنين

أدت الظروف الراهنة إلى أن يرفع الناس أصواتهم مطالبين بحقوقهم. يقول “سامي إبراهيم”، ناشط حقوقي: “نحن نحتاج إلى المستشفيات التي تعتني بحياتنا.

وليس من المارسات الرسمية، بل من الضمير الإنساني. الطلبات بسيطة: الأدوية المتوفرة، الأطباء المتعاونين، والعملية الشفافة.”

تتوالى المطالب، حيث تشير “رانيا عبد الوهاب”، شقيقة أحد المرضى: “نريد تحقيقًا شاملاً يوضح ما يحدث. نريد معرفة كيف تُوزع الأموال وما إذا كانت تُستخدم بشكل فعّال.”

مشاريع صحية مهدرة

على الرغم من الميزانيات الضخمة المخصصة لتحسين الخدمات الصحية، يُظهر الأطباء والمعنيون أن الفساد يُعطل تنفيذ أي مشاريع جديدة.

ويقول الدكتور “حسام سليم”: “الميزانيات ليست هي المشكلة، بل كيفية تخصيصها. المتاجرة بالأدوية ومشاريع الرعاية الصحية تحتاج إلى مراقبة مستمرة.”

ويُشير أيضًا إلى أن الحكومة بحاجة إلى إيجاد طرق جديدة للتمويل “للمشاريع الصحية”، والابتعاد عن الفساد.

المبادرات الشعبية لحركة التغيير

لاحظت في الآونة الأخيرة بعض المبادرات لتعزيز الوعي وتحفيز المواطنين للوقوف ضد الفساد. يُسعى إلى توعية المجتمع بمسؤولياته وحقوقه الصحية.

وتقول “نجلاء محمد” من أحد المنظمات: “نحن نعمل على تنظيم ورش عمل للتعريف بحقوق المرضى وتوجيههم لكيفية التقدم بشكاوي ضد الفساد.”

الأمل في التغيير

لكن يبقى الأمل والأضواء مسلطة على قدرة المجتمع على التغيير. يجب أن يتعاون المواطنون والمهنيون لخلق منصة تسمح بخروج القضية إلى السطح.

وتوضح “سمية علي”، ناشطة مخضرمة: “نعيش في حالة تأمل أن تصبح مستشفياتنا بيئات صحية تقدم لنا خدمات حقيقية.”

كما تُشير “عائشة ماضي”، أحد الأفراد الذين واجهوا مشاكل صحية، إلى أهمية إبداء القوة أمام الفساد وكسر حاجز الصمت: “يجب أن نتحدث ونرفع أصواتنا. إن لم نفعل، فسنظل نُعاني.”

الرقم الصعب في حلقة الفساد

تتعدد الأسباب وتشتت العوامل، ولكن الأكيد أن الفساد في إدارة المستشفيات في الفيوم هو قضية يجب صياغتها من جديد.

وتتطلب الحلول التفاعل الجاد من الحكومة والمجتمع المدني للعمل معًا لخلق بيئة صحية فعلية. يجب أن نتحدث، نصغي، ونحمل على عاتقنا ثقافة المسؤولية.

إن اللعب بالمصير الصحي للناس لن يُقبل، والتغيير يحتاج جهدًا جماعيًا، لأننا نحن من نمتلك القوة لمواجهة الفساد، وهو فقط ما ميزنا عن الوضع الحالي. فيجب أن يسود الفهم والتعاون لضمان تحقيق العدالة الصحية لكل مواطن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى