الدواء المغشوش في الفيوم: تحقيق في شبكات توزيع الأدوية غير الآمنة
في محافظة الفيوم، تتزايد المخاوف بشأن صحة المواطنين بسبب انتشار الأدوية المغشوشة التي تُباع في الصيدليات.
هذه الظاهرة ليست مجرد حادث عارض، بل تجسد معاناة حقيقية مرتبطة بشبكات فساد معقدة تتلاعب بحياة الناس.
وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يكشف النقاب عن هذه القضية الجادة، وفهم كيف يؤثر الفساد على صحة المواطنين في الفيوم.
الأدوية المغشوشة: حقيقة مرّة
الدواء المغشوش يشير إلى أي منتج صيدلاني لا يطابق المواصفات الرسمية، سواء كان ذلك بسبب عدم احتوائه على المكونات الفعالة أو بسبب احتوائه على مواد خطرة.
وتشير التقارير إلى أن حوالي 30% من الأدوية المتداولة في السوق المصرية مغشوشة، ووجهة النظر العامة تشير إلى أن هذا الرقم قد يكون أعلى في مناطق معينة مثل الفيوم.
“منذ فترة، شعرت بألم شديد وذهبت إلى الصيدلية لشراء دواء، لكنني لم أستطع معرفة إذا كان المنتج أصليًا أم لا!”،
بهذه الكلمات عبّر محمد رجب، موظف حكومي في الثلاثين من عمره، عن قلقه الدائم من الأدوية التي يحصل عليها. “هذا الأمر يضع حياتي في خطر.”
تجارب مرعبة
عند البحث عن تجارب حقيقية، تُعد قصة السيدة نهى غريب واحدة من أكثر التجارب إيلامًا. “كنت أعاني من مشكلة صحية، وذهابي إلى الصيدلية كان لتلبية حاجتي لدواء معين.
ولكن بعد مدة، تفاجأت بأعراض جانبية لم أتعرض لها من قبل. استشرت طبيبي الذي اكتشف أنني تناولت دواءً مغشوشًا.”
قصص مشابهة تتردد في أروقة الشوارع والمحلات في الفيوم، حيث يبدأ المواطنون في الشعور بقلق متزايد إزاء صحتهم وصحة أحبابهم نتيجة استهلاك أدوية غير موثوقة.
وتقول إيمان حافظ، ربة منزل: “الأدوية التي نشتريها أصبحت مصدرًا للقلق، وليس للشفاء. يشيب رأسي وأنا أرى أولادي يتعاطون أدوية قد تكون مزيفة!”
شبكات الفساد: الوراء المستبدة
تظهر الشبكات المعقدة التي تدير توزيع الأدوية المغشوشة كعامل رئيسي في هذه الأزمة. يلعب بعض الأطباء دورهم عن طريق كتابة وصفات لأدوية تعرف بأنها غير موثوقة.
ويوضح الدكتور عادل حمدي، أستاذ الصيدلة، أن “الفساد في القطاع الطبي هو إحدى الجوانب التي تساهم في انتشار الأدوية المغشوشة. بعض الأطباء يتلقون رشى لتوجيه المرضى إلى أدوية معينة، دون النظر إلى جودة المنتج.”
علاوة على ذلك، هناك تقارير تؤكد أن توزيع الأدوية المغشوشة يحدث في ظل رقابة غير كافية من الجهات المعنية.
ويشير العديد من الأطباء والصيادلة إلى ضعف التشريعات والعقوبات ضد من يبيعون أدوية مغشوشة، مما يعزز هذه الظاهرة.
دور الصيدليات
تُعد الصيدليات إحدى القنوات الرئيسة لتوزيع الأدوية، لكنها في كثير من الأحيان تُسيء استخدام ثقة المواطنين.
ويقول أحمد مصطفى، صيدلي في مدينة الفيوم: “الأدوية المغشوشة تُباع بأسعار أقل، وبالتالي بعض الصيدليات تفضل استيرادها على الأدوية الأصلية. الحكومة لا تفعل شيئًا لمعالجة هذا الأمر.”
تتوافق الآراء مع وجود علامات تجارية غير موثوقة تظهر في السوق، مما يسهل على الناس اعتمادها كبديل للأدوية الأصلية.
وتقوم بعض الصيدليات بالتلاعب في التواريخ الصلاحية وبيع الأدوية التي تجاوزت فترة صلاحيتها، مما يزيد من المخاطر الصحية.
تحذيرات وزارة الصحة
قالت وزارة الصحة والسكان في تقرير حديث لها إن هناك جهدًا مستمرًا لمكافحة ظاهرة الأدوية المغشوشة، بما في ذلك تخصيص فرق عمل لمراقبة عمليات توزيع الأدوية في السوق. ومع ذلك، لا يزال هناك عدم ثقة في قدرة الحكومة على توفير الأمان الصحي.
الدكتور صالح رحيم، متحدث باسم الوزارة، أقرّ بأن “المشكلة تحتاج إلى وقت وجهد أكبر. هناك قوانين جديدة تهدف إلى ضبط سوق الأدوية، لكن التحديات كثيرة.”
استجابة المواطنين
تزايد الوعي بين المواطنين بشأن مخاطر الأدوية المغشوشة، وهو ما يظهر من خلال الفعاليات والندوات التي تُعقد لحث المجتمع على التوعية.
وتشكو أسماء نبيل، ناشطة صحية: “نحتاج إلى توعية أكبر حول كيفية التحقق من جودة الأدوية قبل شرائها. قد تكون هناك أحجام من الأدوية تختلف في التركيبة، مما يُحدث بلبلة.”
النظام الصحي تحت الضغط
يتجلى تأثير الأدوية المغشوشة على النظام الصحي حيث يتدفق المرضى على المستشفيات بمشكلات طبية ناتجة عن تناول أدوية غير فعالة أو ضارة.
ويقول الدكتور خالد الجدع، طبيب طوارئ: “تزيد المشاكل الصحية الناتجة عن الأدوية المغشوشة من العبء على النظام الصحي. نحن نعمل ساعات إضافية للتعامل مع الحالات.”
دعوات للإصلاح
وسط هذا الوضع المعقد، يشدد المجتمع المدني والسياسيون على ضرورة تحديث القوانين واللوائح المتعلقة بتوزيع الأدوية.
ويشير المحامي عادل الفقي، الناشط الحقوقي، إلى ضرورة وجود عدالة اجتماعية تُضمن للمواطنين حقوقهم الصحية، قائلًا: “المواطنون يجب أن يكون لديهم حق في الحصول على دواء آمن وفعال.”
كما أكد على أهمية ضغط المجتمع على الحكومة لإجراء تغييرات في السياسات الصحية: “يجب أن يكون هناك حوافز للمصنعين للامتثال للمعايير الصحية، ويجب محاسبة الذين يوزعون الأدوية المغشوشة.”
الأمل في المستقبل
في ظل هذه التحديات، يبقى الأمل في تحقيق إصلاحات تتعامل مع أزمة الأدوية المغشوشة.
ومن خلال تعزيز الرقابة وزيادة الوعي الصحي بين الجمهور، قد يتمكن المجتمع من التخفيف من هذه الأزمة.
وتأمل الشخصيات المعنية والمواطنون أن تكون هناك سياسات جديدة تُحسّن من أمان الأدوية في الفيوم.
الفساد يؤثر بشكل سيء على صحة المواطنين
تظهر أزمة الأدوية المغشوشة في الفيوم كإحدى القضايا الأساسية التي تستحق أن تكون في صميم النقاش العام.
وإنها تعكس كيف يمكن للفساد أن يؤثر بشكل سيء على صحة المواطنين وحياتهم اليومية، مما يتطلب تحركًا ملتزمًا من المجتمع والدولة للقضاء على هذه الظاهرة.
فإن الوضع الحالي يمثّل دعوة للجميع لتوحيد الجهود من أجل تحقيق نظام صحي أكثر نزاهة وفعالية.
ومع كل ما سبق، يتضح أن العمل المستمر والمشترك بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني والمواطنين هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة الصحية.