محاجر بني سويف: فساد كبير يهدر الثروات الطبيعية
في محافظة بني سويف، تمثل المحاجر أحد المصادر الأساسية للمواد الطبيعية، إلا أن واقع هذا القطاع يمثل صورة قاتمة من الفساد المالي والإداري الذي يعرقل استغلال هذه الموارد بشكل عادل.
تتزايد المخاوف من عمليات الفساد المتعلقة بالتراخيص وإدارة المحاجر، مما يؤدي إلى استنزاف هذه الثروات الطبيعية ويزيد من المعاناة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
المحاجر: ثروة مهملة
تحتوي بني سويف على ثروات هائلة من المواد المعدنية، بما في ذلك الحجر الجيري والجبس والرمال.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من هذه المحاجر لا تعمل بكفاءة، ويتسبب الفساد المستشري في استنزاف هذه الموارد.
سألنا المواطنين في المنطقة عن آرائهم حول الوضع الحالي، فأعرب العديد عن استيائهم.
ويقول علي زكريا، وهو عامل قديم في أحد المحاجر: “ليس هناك رقابة حقيقية على ما يحدث في المحاجر. الشركات الكبيرة تسيطر على كل شيء، بينما نحن الكادحون نعمل في ظروف سيئة وبدون حقوق.”
فساد التراخيص
تمثل عملية الحصول على تراخيص المحاجر عائقًا كبيرًا أمام العديد من المستثمرين الصغار. فغالبًا ما تُعطى التراخيص لشركات كبيرة مقابل عمولات ووساطات، مما يحد من دخول المحاجر الصغيرة إلى السوق.
وتؤكد ليلي عبدالبديع، ناشطة حقوقية وناشطة في مجال البيئة، على هذه النقطة: “هناك مافيا مسؤولة عن توزيع التراخيص. تحتاج الحكومة إلى تقليل الفساد في هذا القطاع، لأن الشركات الكبيرة وحدها تستفيد، بينما تُهدر الثروات.”
آراء المختصين
استطلعنا آراء بعض المختصين في مجال الموارد الطبيعية والبيئة. الدكتور كريم سعيد، أستاذ الجيولوجيا، اعتبر أن الفساد الحالي يؤثر سلبا على استدامة الموارد.
ويقول: “لابد من وجود نظام شفاف لمراقبة المحاجر. الفساد في التراخيص يعني أننا نفقد موارد قيمة بشكل غير مستدام.”
تتفق معه الدكتورة ليلى فهمي، أستاذة الاقتصاد البيئي، التي أشارت إلى أن الفساد يؤثر على المناخ الاستثماري: “عندما يشعر المستثمرون أن هناك فسادًا، فإنهم يُفضلون عدم الاستثمار في هذا القطاع. وهذا يعني أن البلاد تفقد فرصًا كبيرة لتنمية مواردها.”
استبدال الموارد الطبيعية
تشير التقارير إلى أن الفساد في المحاجر لا يؤثر فقط على توفير المواد، بل يمتد أيضًا إلى جودة هذه الموارد.
ويقول هشام عبد الرحمن، أحد المستثمرين في مجال الإنجازات: “الكثير من المواد المستخرجة من المحاجر ذات جودة رديئة بسبب عدم وجود رقابة. وهذا يأتي نتيجة الاحتكار والفساد.”
من جهة أخرى، ينتقد بعض العاملين في المحاجر أسلوب العمل، حيث يتم استخدام المواد بشكل غير مسؤول.
وتقول فاطمة علي، عاملة في أحد المحاجر: “نحن نعمل بجد، لكننا نرى أن المواد تُستخرج بشكل عشوائي ودون تخطيط. هذا يعرضنا جميعًا للخطر.”
فساد الهيئات المحلية
الشهادات التي جمعناها تعكس أيضًا وجود فساد واسع في الهيئات المحلية. يتحكم عدد من المسؤولين في المحاجر ويستفيدون منها بشكل مباشر، مما يعوق أي جهود لإعادة الهيكلة.
ويقول أحمد عادل، طبيب بيطري وناشط في مجال البيئة: “لقد رأينا الكثير من الأشخاص في المناصب الحكومية يتقاضون رشاوى من الشركات، وهذا يزيد من الوضع سوءًا.”
مستقبل الموارد الطبيعية
على الرغم من التحديات الكبيرة، هناك إمكانية لتحقيق تحول إيجابي في قطاع المحاجر إذا تم تنفيذ الإصلاحات اللازمة.
وتقدّم بعض المنظمات الغير حكومية مقترحات لتحسين الكفاءة وتوزيع الفوائد بشكل أعدل، بما في ذلك تطبيق نظم جديدة للتراخيص تضمن الشفافية.
في نهاية المقابلات، أوضح محمد زكريا، ناشط في مجال التنمية المستدامة، أهمية الموارد الطبيعية: “نحن نمتلك إمكانية استخدام الثروات الطبيعية بشكل أفضل. إذا قمنا بإدارة المحاجر بشكل عادل، يمكن أن نحقق فوائد كبيرة لجميع المجتمع.”
نتائج الفساد على المجتمع
يؤثر الفساد في توزيع الثروات على حياة سكان بني سويف بشكل مباشر. يُظهر تقرير رسمي أن هناك تراجعًا في فرص العمل بسبب إحجام المستثمرين عن الاستثمار في هذا القطاع المتأزم.
تقول رولا سليم، ربة منزل، “تحتاج عائلتي إلى دخل إضافي، لكن بسبب الفساد، لا أستطيع العثور على فرصة. يُمكن أن تكون المحاجر مصدر دخل كبير للمجتمع لكن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ.”
الشبكات الاجتماعية والضغط الشعبي
تسهم المؤسسات المدنية والمعنية بحقوق الإنسان في التأثير على تغيير السياسات المتعلقة بالفساد.
وسعيد عبدالجبار، ناشط في حقوق الإنسان، يجري مبادرات توعية للمجتمع المحلي حول أهمية محاربة الفساد في المحاجر.
“يجب أن يكون لدينا صوت، ويمكننا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحريك المشاكل وتوجيه الضغط على المسؤولين.”
دعوات إلى الإصلاح
ورغم وجود تطلعات لتحسين الأوضاع، فلا يزال المواطنون يطالبون بإصلاحات جيدة.
و تقول سارة محمد، طالبة جامعية: “نحن بحاجة إلى حكومة تتخذ خطوات عملية لتحسين الوضع. الفساد تغلغل في حياتنا، ونحتاج إلى استعادة ثقتنا.”
الطريق إلى الأمام
يُعتبر الفساد في محاجر بني سويف أزمة لا يمكن تجاهلها، إذ يمتد تأثيرها إلى جميع جوانب الحياة.
ومن المهم أن يستيقظ المجتمع والمجالس المحلية ليقفوا معًا لتحقيق إصلاحات حقيقية.
إن الأمل لا يزال قائمًا في قدرة المجتمع على التصدي للفساد وتفعيل الموارد بشكل مستدام.
وفي ظل الالتزام والتعاون الجاد، يمكن لبني سويف أن تستعيد هويتها كمركز اقتصادي يجد فيه الإنسان فرصة ليعيش بكرامة.
في نهاية المطاف، يعد هذا التحقيق صرخة يدوية للتوجيه نحو حل القضايا، تمثل مانشيتًا لمستقبل يتطلع الجميع لتحقيقه من أجل العدالة والشفافية في إدارة الثروات الطبيعية.
ويجب أن تكون هناك خطوات ملموسة، ومجتمعات واعية، ونظام يسعى لتحقيق المصلحة العامة بعيدًا عن الفساد.