التضخم المعلن 26.3% والتضخم الحقيقي 62% .. كيف ينهش الفساد الاقتصاد المصري
في خضم الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر، يبرز موضوع التضخم كأحد أكثر القضايا إثارة للجدل والمخاوف.
وفي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن نسبة تضخم تبلغ 26.3%، يظهر تقرير غير رسمي يشير إلى أن التضخم الحقيقي قد يصل إلى 62%.
وهذا الفرق الشاسع يثير العديد من التساؤلات حول مدى مصداقية الأرقام الرسمية، وكيفية تأثيرها على حياة المواطنين في ظل الأزمات المستمرة.
وفي هذا التحقيق موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على هذا التباين الغريب في الأرقام، ويكشف عن التحديات التي يواجهها المواطنون، ويستعرض آراء الخبراء والمختصين حول مدى دقة هذه الأرقام وكيفية تأثير الفساد في تعقيد الوضع الاقتصادي.
التضخم المعلن والتضخم الحقيقي .. الفجوة الواسعة
في السنوات الأخيرة، أصبحت الأرقام الاقتصادية الرسمية في مصر محطّ تساؤلات مستمرة. أعلنت الحكومة عن نسبة تضخم بلغت 26.3%، وهي نسبة مرتفعة بالمقاييس العالمية، ولكن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن التضخم الحقيقي قد يصل إلى ضعف هذا الرقم. كيف يمكن أن تكون هناك فجوة بهذا الحجم بين الأرقام الرسمية والواقع؟
الاقتصاديون والمختصون
ويشير الدكتور عادل مصطفى، أستاذ الاقتصاد، إلى أن الفرق بين الأرقام الرسمية والتقديرات غير الرسمية قد يكون ناتجاً عن التلاعب في البيانات أو عدم شفافية في الإحصاءات.
ويقول الدكتور عادل: “إن الفرق بين التضخم المعلن والتضخم الحقيقي يعكس أزمة ثقة كبيرة في المؤسسات الرسمية. الأرقام الرسمية قد لا تعكس الوضع الحقيقي في السوق، مما يسبب ارتباكاً للمستثمرين والمواطنين على حد سواء.”
في المقابل، تقول الدكتورة هالة عبد الله، الخبيرة الاقتصادية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: “تضخم الأسعار يختلف حسب المناطق والفئات الاجتماعية، لكن عدم وضوح الأرقام يمكن أن يكون نتيجة لمشاكل في جمع البيانات أو تلاعب في الإحصاءات لخلق صورة أكثر إيجابية للوضع الاقتصادي.”
تأثير التضخم على حياة المواطنين
لعبت أزمة التضخم دوراً كبيراً في تدهور الحالة المعيشية للمواطنين المصريين. ومع أن الأرقام الرسمية تظهر نسباً أقل من الواقع، إلا أن تأثير التضخم محسوس بشكل يومي في أسعار المواد الغذائية والخدمات. يروي المواطنون قصصهم الشخصية حول كيف غيرت الأزمة حياتهم بشكل جذري.
آراء المواطنين
محمد عادل، موظف حكومي في الأربعينات من عمره، يقول: “لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن للحكومة أن تعلن عن نسبة تضخم تبلغ 26.3% بينما الأسعار ترتفع بشكل جنوني. أسعار الخضروات واللحوم أصبحت غير معقولة، وأنا وأسرتي نعاني كثيراً لتلبية احتياجاتنا الأساسية.”
سارة عبد الرحمن، ربة منزل في الثلاثينات من عمرها، تعبر عن إحباطها قائلة: “التضخم أثر علينا بشكل كبير. الزيادة في الأسعار جعلت من الصعب علينا شراء حتى الأساسيات. الحكومة تقول شيئاً، لكن الواقع شيء آخر. نحن بحاجة إلى تحقيقات دقيقة وشفافة لمعرفة الحقيقة.”
الأسباب المحتملة للتباين بين الأرقام الرسمية والتضخم الحقيقي
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى الفجوة بين التضخم المعلن والتضخم الحقيقي. من أبرز هذه الأسباب هي التلاعب بالإحصاءات، عدم دقة البيانات، أو حتى الفساد في القطاع الرسمي.
آراء الخبراء
ويرى الدكتور حسام محمد، خبير مالي ومستشار اقتصادي، أن “هناك احتمالاً كبيراً أن تكون الأرقام الرسمية مبنية على معايير غير دقيقة أو حتى مُضللة. أحياناً، قد تتعمد الجهات المسؤولة تقديم أرقام أقل من الواقع لتهدئة الوضع الاجتماعي والسياسي.”
أما الدكتورة نجلاء فاروق، أستاذة علم الاجتماع الاقتصادي في جامعة عين شمس، فتضيف: “قد تكون هناك ضغوط سياسية تؤثر على دقة البيانات. في بعض الأحيان، تُستخدم الأرقام الرسمية كأداة لتحسين الصورة العامة بدلاً من تقديم صورة دقيقة عن الواقع.”
الفساد والأثر الاقتصادي
لا يمكن تجاهل دور الفساد في تعقيد الأوضاع الاقتصادية وزيادة معاناة المواطنين. الفساد يمكن أن يتسبب في توجيه الموارد بشكل غير فعال، مما يفاقم مشكلة التضخم.
آراء المختصين في الفساد:
ويوضح المستشار محمود عبد العزيز، مستشار قانوني وناشط في مكافحة الفساد “الفساد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد. عندما يتم توجيه الأموال بطرق غير صحيحة أو عندما يُهدر المال العام، فإن ذلك يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية مثل التضخم. الأرقام الرسمية قد تكون مجرد واجهة لتجنب كشف الحقيقة.”
أما الدكتورة مروة شريف، أستاذة الشفافية والمساءلة في كلية الحقوق فتشير إلى أن “الفساد في قطاع الإحصاءات يمكن أن يؤدي إلى تقديم بيانات غير دقيقة. هذه البيانات قد تُستخدم لأغراض سياسية وتخفي الحقيقة عن المواطن.”
خطوات مقترحة لمواجهة الأزمة
وسط هذا الوضع الصعب، يتساءل الكثيرون عن الخطوات اللازمة لتحسين الوضع الاقتصادي ومواجهة مشكلة التضخم. يتطلب الأمر جهوداً كبيرة من جميع الأطراف المعنية.
آراء الخبراء والمختصين
ويوصي الدكتور عادل مصطفى بضرورة “زيادة الشفافية في تقديم البيانات الاقتصادية والتأكد من دقتها. يجب على الحكومة توفير معلومات دقيقة عن الوضع الاقتصادي لتجنب الالتباس والقلق العام.”
كما تقترح الدكتورة هالة عبدالله ضرورة “تحسين الرقابة على الأسواق ومكافحة الفساد بشكل فعال. من خلال تحسين شفافية الأسواق، يمكن تقليل تأثير التضخم على المواطنين.”
وفي السياق ذاته، يرى المستشار محمود عبدالعزيز أنه يجب “تطبيق إصلاحات جذرية في إدارة الأموال العامة وتعزيز دور المؤسسات الرقابية.”
التضخم في مصر: ضرورة الشفافية لمواجهة الفساد
إن قضية التضخم في مصر تمثل تحدياً كبيراً يتطلب معالجة جذرية وشفافة. الفجوة بين الأرقام الرسمية والتضخم الحقيقي تعكس أزمة أوسع في دقة المعلومات وتحديات الفساد.
ولا يمكن تحقيق تقدم حقيقي إلا من خلال جهود مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني لمواجهة الفساد وتحقيق الشفافية الاقتصادية.
فإن تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية يعد خطوة أساسية نحو تحسين الوضع الاقتصادي وتخفيف معاناة المواطنين.