فريد زهران يضيق الخناق على معارضيه بتهم جاهزة .. حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في مهب الريح
في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات استبدادية شهدتها المنطقة، أصبح حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي كان يعد أحد معاقل المعارضة الديمقراطية في مصر، ساحة جديدة للنزاعات الداخلية، تحت قيادة رئيسه الحالي فريد زهران.
تتزايد الانتقادات التي تواجه زهران بتهم التضييق على معارضيه ومنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية في التعبير والاجتماع، مما أثار حفيظة الكثير من أعضاء الحزب والمهتمين بالشأن السياسي المصري.
يعتمد زهران، حسب اتهامات من داخل الحزب، على أساليب تقليدية قمعية شبيهة بما مارسه الزعماء الاستبداديون في المنطقة، مثل معمر القذافي، وذلك باستخدام تهم جاهزة مثل “إشاعة الفوضى وتكدير السلم العام” لمنع معارضيه من عقد اجتماعاتهم وإسكات أصواتهم.
قمع داخلي: حزب زهران تحت وطأة الاستبداد
في الأسابيع الأخيرة، انفجرت أزمة داخل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، عندما أقدم رئيس الحزب، فريد زهران، على منع مجموعة من أعضاء الحزب المعارضين له من عقد اجتماعات عامة أو خاصة بحجج واهية مثل “تكدير السلم العام”.
تتشابه هذه التصرفات مع ممارسات الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، الذي كان يستخدم الأساليب نفسها لقمع أي محاولة للمعارضة داخل نظامه.
عبر إخطار رسمي وجّهه إلى القاعات العامة والخاصة، طالب زهران بمنع تجمع أعضاء الحزب المعارضين له. وصفهم بأنهم “لا يمثلون الحزب” واتهمهم بالسعي لإثارة الفوضى وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس يشهد فيه الحزب تحديات كبيرة، حيث يقف على حافة التفكك بسبب الخلافات الداخلية المستمرة.
الأزمة من الداخل
تأتي هذه الأحداث في وقت يشهد فيه الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي انقسامًا حادًا بين جناحين، أحدهما يدعمه رئيس الحزب فريد زهران، والآخر يضم مجموعة من الأعضاء الشباب الذين يشعرون بالتهميش والاضطهاد.
ويصف العديد من هؤلاء الشباب ممارسات زهران بأنها “ديكتاتورية” و”غير ديمقراطية”، مؤكدين أنه يستخدم موقعه لتصفية حسابات شخصية مع معارضيه.
في هذا السياق، يقول أحمد فوزي، المحامي والعضو بالحزب: “أنا لست طرفًا في الصراع الدائر داخل الحزب، ولكنني ضد أي ممارسات تؤدي إلى حبس الأعضاء أو تهميشهم. لا يجب أن ننسى أن هذا الحزب تأسس على قيم الحرية والديمقراطية، وما يحدث الآن يعد خيانة لهذه المبادئ”.
فريد زهران والاتهامات المتبادلة:
ردًا على الاتهامات الموجهة إليه، أصدر فريد زهران بيانًا أكد فيه أنه يسعى للحفاظ على وحدة الحزب واستقراره، محذرًا من “محاولات البعض” لتفكيك الحزب وإشاعة الفوضى داخله. وأكد زهران أن الإجراءات التي اتخذها تهدف إلى منع أي تجمعات غير قانونية قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية.
إلا أن هذا البيان لم يُرضِ الأعضاء المعارضين الذين يرون في تصرفات زهران محاولةً لتقويض حريتهم في التعبير عن آرائهم وتنظيم الاجتماعات التي يرونها ضرورية لمناقشة مستقبل الحزب.
ويقول محمود عبدالرحمن، عضو آخر بالحزب: “ما يفعله فريد زهران يشبه تمامًا ما كنا ننتقده في الأنظمة المستبدة. لا يمكن لأي شخص أن يدعي الحرية والديمقراطية وهو يمنع معارضيه من الاجتماع”.
القضية القانونية والشباب المعتقل:
تفجرت الأزمة بشكل أكبر عندما تم القبض على ثلاثة من أعضاء الحزب أثناء مشاركتهم في اجتماع عام غير رسمي. وُجهت إليهم تهم “تخريب ممتلكات عامة” و”إشاعة الفوضى”، وهو ما أثار غضبًا واسعًا داخل وخارج الحزب.
وفي هذا السياق، يطالب أحمد فوزي بإصدار بيان رسمي من الحزب يتضمن تحمل المسؤولية الكاملة عن هؤلاء الشباب المعتقلين، ويدعو إلى الإفراج الفوري عنهم.
الأصوات المعارضة من الداخل:
لم يكن أحمد فوزي الوحيد الذي عبر عن استيائه من ممارسات زهران. فهناك أيضًا عدد من أعضاء الحزب الذين يشتركون معه في وجهة النظر هذه.
ويقول خالد مصطفى، أحد الشباب المعتقلين سابقًا: “لقد أُجبرنا على الصمت. لا يمكننا عقد اجتماعات أو حتى إبداء آرائنا بحرية دون أن نتعرض للتهديد أو الاعتقال. هذا الحزب الذي كنا نأمل أن يكون نموذجًا للديمقراطية أصبح اليوم نموذجًا للقمع”.
من جهتها، تؤكد نجلاء محمود، وهي عضوة سابقة في الحزب، أن ما يحدث الآن هو “محاولة لإسكات الأصوات المعارضة بكل الطرق الممكنة”. تضيف: “كنا نعتقد أن الأحزاب السياسية هي المكان الذي يمكننا فيه مناقشة قضايانا بحرية، لكننا اليوم نواجه نظامًا مستبدًا داخل الحزب نفسه”.
تضييق الخناق .. ذريعة “تكدير السلم العام”
يبدو أن فريد زهران قد استفاد من موقعه كرئيس للحزب لاستخدام نفوذه في الضغط على معارضيه، حيث تصاعدت وتيرة الشكاوى من زملائه الذين اتهموه بمحاولة السيطرة على الحزب وتهميش الأصوات المعارضة.
وفي إحدى الوقائع الأخيرة، وجه زهران تحذيرًا إلى إحدى القاعات العامة، مطالبًا بعدم السماح لأعضاء الحزب المعارضين له بعقد اجتماع داخل جدرانها.
ويقول مصطفى كامل، عضو الحزب: “ما يفعله فريد زهران يتجاوز كل الحدود المقبولة لأي رئيس حزب. هو لا يمثل الحزب فقط، بل يعبر عن توجهات شخصانية تهدف لتعزيز قبضته على السلطة داخليًا”.
وأضاف: “استخدام تهم مثل ‘إشاعة الفوضى’ أو ‘تكدير السلم العام’ هو مجرد حيلة لمنعنا من الاجتماع أو مناقشة الأمور التي تهم الحزب”.
من جانبه، أبدى هشام عبد الحليم، المحلل السياسي، قلقه من هذه التصرفات التي تساهم في تآكل مؤسسات الديمقراطية: “عندما يصبح الحزب السياسي ميدانًا للاستبداد، فإن ذلك ينعكس على الوضع السياسي في البلاد ككل.
وإذا كان حزب ينادي بالديمقراطية يعاني من هذه النزاعات الداخلية القائمة على القمع، فما الذي يمكن توقعه من الأحزاب التي لا تمتلك نفس الخطاب الديمقراطي؟”.
اتهامات بممارسة القمع السياسي
الاتهامات التي يواجهها زهران لا تتوقف عند التضييق على الاجتماعات فقط، بل تتعداها إلى ما وصفه البعض بأنه “قمع سياسي”.
ويشير محمود سالم، أحد أعضاء الحزب المعارضين لزهران، إلى أن الأخير بدأ باستخدام السلطات القانونية ضد معارضيه من داخل الحزب ذاته.
ويقول سالم: “لقد قدم زهران إنذارات للجهات الأمنية يصف فيها اجتماعاتنا بأنها تهدد الأمن العام وتشيع الفوضى. هذا النوع من التحريض لا يختلف كثيرًا عن أساليب القمع التي اعتدنا رؤيتها في الأنظمة الدكتاتورية”.
وفي سياق متصل، يرى عادل حسين، الأستاذ في العلوم السياسية، أن هذا النوع من التصرفات يمثل خطرًا حقيقيًا على الحياة السياسية في البلاد: “عندما يلجأ زعيم حزب معارض، كان من المفترض أن يكون حاميًا للديمقراطية،
إلى أدوات الدولة لقمع معارضيه، فإننا نتحدث عن انحراف خطير في مسار العمل السياسي. فهذه الممارسات تضعف الثقة في الأحزاب وتقوض أي محاولة لبناء ديمقراطية حقيقية”.
انقسامات داخل الحزب وتفاقم الأزمة
الانقسامات داخل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي باتت أكثر وضوحًا مع كل خطوة يقوم بها زهران ضد معارضيه.
وأحد أبرز الأصوات المعارضة داخل الحزب هو أحمد فوزي، المحامي المعروف والعضو بالحزب، الذي أكد عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي أنه لا يقف بجانب زهران في هذه الأزمة.
وقال فوزي: “أنا ضد حبس أي شخص لمجرد أنه يعارض، ومهما كانت الأزمات داخل الحزب، هذا لا يبرر استخدام الأدوات القمعية ضد الشباب الذين يريدون التغيير”.
وأشار فوزي إلى أنه لا يجب أن يكون هناك انقسام داخل الحزب على حساب الشباب الذي يعد المستقبل السياسي للحزب: “الحزب ليس ملكًا لفرد أو مجموعة معينة، بل هو مؤسسة يجب أن تراعي آراء كافة أعضائها. إذا استمر الوضع على هذا الحال، فإن الحزب سينهار من الداخل”.
على الجانب الآخر، تحدثت إيمان فؤاد، عضو بارز في الحزب، عن محاولات لتهدئة الأوضاع الداخلية، قائلة: “الحزب الآن في موقف حساس للغاية، ونحن بحاجة إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة الداخلية. يجب أن يتوقف الجميع عن اللجوء إلى القمع والتضييق، والعودة إلى الحوار والمفاوضات”.
أما إيمان عبدالله، الناشطة الحقوقية، فتقول: “إن ما يحدث في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ليس سوى نموذج مصغر لمشكلة أكبر تعاني منها الأحزاب في مصر. عندما يُستخدم القمع الداخلي لتصفية الحسابات، فإن هذا يعني أن مستقبل الديمقراطية في خطر”.
انتقادات من المجتمع المدني ودعوات للإصلاح
تدخلت منظمات المجتمع المدني أيضًا في هذه الأزمة، حيث انتقد العديد من الناشطين الحقوقيين الأساليب التي يلجأ إليها زهران ضد معارضيه داخل الحزب.
ويقول مالك عدلي، الناشط الحقوقي المعروف: “ما يحدث داخل الحزب المصري الديمقراطي يعكس أزمة أكبر في الحياة السياسية المصرية، حيث يواجه السياسيون الشباب وأعضاء الأحزاب المستقلة صعوبات في التعبير عن آرائهم وممارسة حقوقهم الديمقراطية”.
وأضاف عدلي: “نحن بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية تعامل الأحزاب مع أعضائها، خاصة تلك التي تدعي التزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان”.
من جانبه، دعا محمد عيسى، المحامي المختص بالقضايا الحقوقية، الحزب إلى تحمل مسؤولياته والإفراج عن الشباب الذين قبض عليهم في أثناء الاجتماع الأخير: “لا يمكن أن يكون الحل هو اللجوء إلى الأمن لحل النزاعات السياسية داخل الحزب. هؤلاء الشباب لهم حقوق ويجب أن تُحترم”.
نهاية الطريق أم بداية جديدة؟
يبقى السؤال الأساسي هو: إلى أين يتجه الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي؟ هل سيستمر في هذا المسار القمعي الذي يعزز الانقسامات الداخلية ويقوض من دوره كحزب سياسي ليبرالي، أم سيتمكن أعضاؤه من إيجاد حل لهذه الأزمة والعودة إلى الحوار؟
بحسب ما يقوله الدكتور محمد الشناوي: “إذا استمر الحزب على هذا النهج، فإن نهايته ستكون محتومة. الأحزاب التي تتخلى عن قيم الديمقراطية والحرية داخليًا لن تكون قادرة على الاستمرار في الحياة السياسية”.
مستقبل الحزب على المحك
أزمة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي تعكس مدى التعقيدات التي تواجه الأحزاب المصرية في الفترة الحالية.
وفي ظل التوترات الداخلية والانقسامات المتزايدة، يواجه الحزب اختبارًا حقيقيًا لمستقبله وقدرته على البقاء كقوة سياسية فاعلة.
ويدعو أعضاء الحزب ومنتقدو زهران إلى إصلاح داخلي حقيقي يعيد بناء جسور الثقة بين القيادة وأعضاء الحزب، ويضع حدًا للاستخدام المفرط للسلطة ضد المعارضين.
كما يشدد المحللون على ضرورة الالتزام بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يشتهر الحزب بالدفاع عنها في خطاباته العلنية، حتى لا يتحول إلى نموذج آخر للفشل السياسي والاستبداد الداخلي.
إن الحزب المصري الديمقراطي، الذي كان يومًا رمزًا للأمل والتغيير، يقف الآن عند مفترق طرق، حيث يعتمد مستقبله على قدرته على مواجهة هذه الأزمة الداخلية وإيجاد حلول حقيقية تعزز من وحدته وتعيد بناء ثقته بين أعضاءه.
وإذا استمر التوجه الحالي في استخدام السلطة لتكميم الأفواه وإسكات المعارضين، فإن الحزب قد يفقد مكانته ودوره كقوة معارضة مؤثرة في الساحة السياسية المصرية.