الكابوس المصري: فسادٌ يرفع الأسعار ويهدم الآمال
في صيفٍ شديد الحرارة، ومع ازدياد الأزمات التي يواجهها المواطن المصري، لا تزال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تُثقل كاهل الشعب.
والأسعار ترتفع، الخدمات تنهار، والمرتبات تظل كما هي، وكأن الدولة تسير في نفق مظلم بلا نهاية. بين الجشع والفساد والإهمال، تتصاعد صرخات المواطنين يوميًا، مطالبين بالتغيير، بينما يبدو أن الحكومة تعاني من غياب القدرة أو الإرادة لتقديم الحلول الفعالة.
المشهد الأول: غلاء الأسعار وأثره على المواطن
في سوق حي شعبي بالقاهرة، يروي محمود السيد، 45 عامًا، وهو عامل بسيط يعتمد على دخله اليومي لإعالة أسرته، تجربته مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية.
ويقول محمود: “كل يوم بنزل السوق بلاقي الأسعار زادت، مش عارف أجيب لأطفالي أكلة كويسة، اللحمة بقت حلم والغذاء بقى مهدد”.
ووجه محمود المتعب يعكس معاناة آلاف المصريين الذين باتوا يشعرون بالعجز أمام تزايد أسعار المواد الغذائية والخدمات، التي تُشكل أسس الحياة اليومية.
يُشير محمد سمير، باحث اقتصادي، إلى أن هذه الأزمة ناتجة عن “الفساد المؤسسي المتجذر في هيئات الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء”.
ويؤكد سمير أن غياب الرقابة على الأسواق والسماح للتجار بالتلاعب بالأسعار بدون رادع يُفاقم الوضع: “يتم رفع الأسعار بشكل غير مبرر، والتضخم يعصف بالاقتصاد. وهذا الوضع ليس نتيجة حتمية للاقتصاد العالمي فقط، بل نتيجة تراكم سنوات من الإهمال والفساد”.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة بإعلان خطط لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، إلا أن النتائج الملموسة على الأرض تبدو غائبة. “الدعم ما بيكفِّيش حاجة”،
تقول هدى إبراهيم، 38 عامًا، وهي أم لأربعة أطفال، وهي تحاول أن تدبر قوت يومها من خلال الاستفادة من المعونات الحكومية. تُضيف بحسرة: “بيدونا كيس أرز وكيس سكر، لكن ده مش كافي لأسبوع، وازاي المفروض نعيش؟”.
البنية التحتية المتهالكة: غياب الرؤية وتفاقم الأزمات
وفي إطار هذه الأزمة المتعددة الجوانب، يبدو أن البنية التحتية المتهالكة في البلاد تشكل عائقًا كبيرًا أمام أي محاولة للإصلاح الاقتصادي أو الاجتماعي.
وفي إحدى ضواحي الجيزة، يصف أحمد علي، موظف حكومي، يوميًا مشهد الشوارع المدمرة والمجاري المتهالكة.
ويقول بغضب: “الطرق مكسرة والمجاري طفحت، وكل مرة نشتكي يقولوا معانا خطة تطوير، بس ولا شفنا تطوير ولا غيره”.
تُعد حالة البنية التحتية إحدى أبرز التحديات التي يواجهها المواطنون يوميًا، ليس فقط في المدن الكبرى مثل القاهرة والجيزة، بل أيضًا في الأقاليم والأرياف،
حيث تعاني هذه المناطق من نقص في الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والكهرباء والصرف الصحي.
وتتحدث سعاد محمود، خبيرة في التنمية الحضرية، عن هذه المشكلة بقلق، وتقول: “المشكلة ليست في التمويل بقدر ما هي في سوء الإدارة والفساد.
والأموال تُنفق على مشاريع غير ضرورية أحيانًا، أو تُسلم لمقاولين غير مؤهلين، مما يساهم في استمرار تدهور البنية التحتية”.
رواتب لا تكفي: فجوة متسعة بين الدخل وتكاليف الحياة
بالتوازي مع تصاعد الأسعار وتدهور الخدمات، تبقى الرواتب الشهرية للمواطنين ثابتة دون أي زيادات تذكر تتناسب مع هذا الغلاء.
ويشرح خالد حسن، 52 عامًا، وهو موظف حكومي، كيف أن دخله لم يعد يكفيه لتغطية نفقاته الشهرية: “الراتب ثابت من سنين، وكل شوية الأسعار تعلى. حتى مع الزيادة الأخيرة في الرواتب، بتلاقي الأسعار زادت أكتر منها”.
الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة تؤدي إلى تضييق الخناق على الطبقة المتوسطة، بينما تعاني الطبقات الفقيرة من تراجع مستمر في مستويات المعيشة.
وتقول فاطمة جلال، عاملة نظافة في إحدى المدارس الحكومية: “اللي بنقبضه ميكفيش الأكل والشرب، بنستلف من أول الشهر، ولازم نعمل حساب للديون. بنشتغل عشان نعيش، مش عايشين عشان نشتغل”.
الفساد المؤسسي: حجر الأساس في الأزمة
يشير العديد من المواطنين والخبراء إلى أن الفساد هو السبب الرئيسي وراء كل هذه المشكلات. ويُعلق الدكتور علاء رشدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، قائلاً: “الفساد متغلغل في كل مؤسسات الدولة. في أي مشروع أو قرار حكومي، تجد أن هناك مصالح شخصية تعيق تحقيق العدالة والتنمية الحقيقية”.
هذا الفساد، بحسب رشدي، يُشعل فتيل الأزمات الاقتصادية ويمنع تطبيق الحلول الناجحة: “الحكومة قد تعلن عن مبادرات، لكنها تفشل في التنفيذ نتيجة انحراف الأموال نحو جيوب المسؤولين الفاسدين”.
الجماهير ترفض: صرخات الاحتجاج
وفي ظل هذه الأوضاع الكارثية، تعلو أصوات الاحتجاج من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المظاهرات المحدودة التي تنظمها بعض الحركات الاجتماعية.
ويقول إبراهيم عادل، أحد النشطاء: “الناس زهقت من الوعود الفارغة. إحنا مش طالبين أكتر من حقوقنا الطبيعية: عيشة كريمة، مرتبات تكفي، أسعار عادلة، وبنية تحتية تحترم آدمية المواطن”.
يصف إبراهيم الأجواء السائدة بين المواطنين بأنها “احتقان شديد”، ويضيف: “الفساد وسوء الإدارة بيخلي الناس تعيش في حالة من القهر الدائم. الحراك الشعبي بيتزايد، والناس مش هتفضل ساكتة”.
ورغم الاحتجاجات المتزايدة، إلا أن الاستجابة الحكومية تبقى ضعيفة، وأحيانًا تكون باللجوء إلى سياسات القمع أو محاولة احتواء الغضب الشعبي بوعود مستقبلية لم تتحقق بعد.
ويقول أحمد فوزي، أستاذ علم الاجتماع السياسي: “الحكومة لم تدرك بعد أن تجاهل هذه الأصوات لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة. المجتمع المصري لم يعد يحتمل المزيد من الظلم والتهميش”.
الأمل في الإصلاح: هل يمكن الخروج من النفق؟
على الرغم من الظلام الذي يخيم على المشهد، إلا أن بعض الخبراء يرون أن هناك إمكانيات للإصلاح إذا ما تم اتخاذ خطوات جريئة لمواجهة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ويرى عبد الرحمن فاروق، خبير في التخطيط الاقتصادي، أن “الحل يبدأ من الاعتراف بالمشكلات على حقيقتها، ومن ثم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفاسدين، وضمان الشفافية في توزيع الموارد”.
يُضيف فاروق: “الحكومة تحتاج إلى إصلاح شامل في كل القطاعات، خاصة تلك التي تتعلق بالبنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية. يجب أن يكون هناك رؤية واضحة وطويلة الأمد لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية”.
ويرى البعض أن تعزيز دور المجتمع المدني والرقابة الشعبية قد يكون أحد الحلول الممكنة. يقول محمد عبد العزيز، ناشط في مجال حقوق الإنسان: “المجتمع المدني يجب أن يلعب دورًا أكبر في محاربة الفساد،
وعلينا أن نشجع المواطنين على الإبلاغ عن التجاوزات والعمل على تعزيز دور الإعلام الحر في كشف الفساد وتسليط الضوء على المشكلات”.
هل تتحرك الحكومة؟
بين صرخات الغضب الشعبي والنداءات الإصلاحية، تبقى الكرة في ملعب الحكومة المصرية التي يجب أن تُظهر جديتها في مواجهة هذه الأزمات.
والمصريون ينتظرون إصلاحات حقيقية، وإلا فإن التوترات الاجتماعية قد تتفاقم إلى مستويات لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
حتى تلك اللحظة، يظل المواطن المصري مُحاصرًا بين مطرقة الفساد وسندان الغلاء، دون بريق أمل في الأفق القريب.
ولكن التاريخ يُخبرنا أن الشعوب قد تتحمل لفترات طويلة، لكنها في النهاية تطالب بحقوقها، وحينها لن يكون لأي قوة القدرة على إيقاف هذه المطالبات.