الأزمة المصرية: غلاء أسعار مستلزمات المدارس يشعل الغضب الشعبي وسط ظروف اقتصادية خانقة
في وقتٍ يفترض فيه أن يكون العام الدراسي الجديد بداية أمل وتفاؤل للأسر المصرية، تحول تجهيز الأطفال للمدارس إلى كابوس حقيقي.
ارتفاع الأسعار الجنوني لمستلزمات المدارس أثار غضب الجماهير، وفتح باب النقاش واسعًا حول دور الفساد والاقتصاد المتدهور في حياة المصريين.
وفي هذا التحقيق موقع “أخبار الغد” يرصد آراء المواطنين والمختصين، ونكشف النقاب عن الأسباب الكارثية وراء غلاء أسعار مستلزمات المدارس.
أزمات تبدأ عند باب المكتبة
في إحدى مكتبات القاهرة الكبرى، يصف لنا أيمن محمود، 42 عامًا، معاناته في شراء مستلزمات أبنائه الثلاثة. يقول بصوت متهدج: “دخلت المكتبة وفي جيبي 1000 جنيه، كنت فاكر إنها تكفي على الأقل للكتب والكراسات، لكن لقيت الأسعار مضاعفة، خرجت وأنا مش عارف أعمل إيه”.
وأيمن، الذي يعمل سائقًا على سيارة أجرة، يوضح أن تلك الـ 1000 جنيه كانت تمثل كل ما ادخره خلال الشهور الماضية ليتمكن من تجهيز أطفاله للمدرسة، لكن الغلاء المفاجئ بدد كل أحلامه.
ويضيف بغضب: “دفاتر وكراسات وأقلام أسعارها زادت بشكل مبالغ فيه. الأسعار دي بتعجزنا كمواطنين، يعني أجيب الحاجات دي ولا أوفر الأكل والشرب؟”.
تضخم خارج السيطرة: تبريرات غير مقنعة
بحسب التقرير الصادر عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”، فإن معدل التضخم السنوي في مصر بلغ مستويات قياسية خلال الأشهر الأخيرة، مما أثر على كل السلع والخدمات، بما فيها مستلزمات المدارس.
ومن جانبها، تقول إيمان جلال، 35 عامًا، وهي موظفة حكومية وأم لطفلين، إنها اضطرت للاستغناء عن العديد من اللوازم المدرسية التي كانت تعتبرها ضرورية: “كنت دايمًا أجيب للأطفال شنط جديدة مع بداية كل سنة دراسية، بس السنة دي الشنطة بقت أغلى من الشهر اللي بقبضه كله”.
إيمان ليست وحدها في هذا الشعور، فبحسب إحصائيات غير رسمية، ارتفعت أسعار الحقائب المدرسية بنسبة تتراوح بين 50% و80%، بينما زادت أسعار الكراسات والأدوات المكتبية بنسب مماثلة.
آراء المواطنين: الفساد يفتح الباب للجشع
تحت وطأة هذه الظروف، يتساءل المواطنون عن السبب الحقيقي وراء هذا الارتفاع الكبير في الأسعار.
وعماد عبدالرحمن، 48 عامًا، وهو موظف في شركة خاصة، يلقي باللوم على الفساد والجشع: “فيه تجار كتير بيستغلوا الوضع، وبيرفعوا الأسعار بدون مبرر.
والفساد منتشر في كل مكان، وده بيسمح للناس إنها تتلاعب بالأسعار على حساب المواطن الغلبان”.
ويرى عماد أن غياب الرقابة الحقيقية هو السبب الأساسي في تفاقم هذه الأزمة، مضيفًا: “الحكومة بتقول إنها بتحارب الفساد، بس اللي شايفينه على أرض الواقع مختلف تمامًا. لو كان فيه رقابة صارمة، مكنش ده حالنا”.
وفي السياق ذاته، يرى حسين أحمد، 39 عامًا، وهو مدرس بإحدى المدارس الثانوية، أن الفساد يمتد ليشمل حتى جودة المنتجات التعليمية: “الأسعار مش بس هي اللي زادت، كمان الجودة بقت أسوأ.
الكتب الخارجية اللي كنا نعتمد عليها في تدريس الطلاب، أصبحت مليئة بالأخطاء، والأسعار بتزيد كل سنة بشكل غير مبرر”.
التجار يتحدثون: من يتحمل المسؤولية؟
بالرغم من الغضب الجماهيري المتزايد، يرى بعض التجار أن المسؤولية لا تقع على عاتقهم وحدهم.
ومصطفى عبدالله، صاحب مكتبة صغيرة في الجيزة، يعترف بأن الأسعار ارتفعت بشكل غير طبيعي، لكنه يُحمّل الموردين والشركات الكبرى المسؤولية.
ويقول مصطفى: “إحنا كتجار صغيرين بنشتري المنتجات دي بأسعار مرتفعة من الموردين، ومالناش حل غير إننا نبيعها بأسعار أعلى عشان نغطي التكاليف”.
ويضيف: “الحكومة لازم تتدخل في السوق، وتشوف الشركات اللي بتحتكر المنتجات وبتبيعها بأسعار غالية جدًا. الوضع دا لو استمر، التجار الصغيرين هيتضروا زيهم زي الزبائن”.
المختصون يحللون: أسباب غلاء الأسعار
يشرح الدكتور محمد حسن، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار مستلزمات المدارس هو الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وخاصة في ظل تراجع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.
“الكثير من المنتجات المدرسية تُستورد من الصين ودول أخرى، ومع ارتفاع أسعار الشحن والتضخم العالمي، بقت التكلفة النهائية للمنتجات دي عالية جدًا”، يوضح الدكتور حسن.
ويضيف: “هناك أيضًا عنصر الجشع الذي يظهر في أوقات الأزمات. في ظل غياب الرقابة الفعالة من الحكومة، يستغل بعض التجار الوضع ويرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه”.
تأثير الغلاء على التعليم: نتائج مدمرة
مع الارتفاع الجنوني في أسعار مستلزمات المدارس، أصبح تأثير ذلك على العملية التعليمية واضحًا. تقول سعاد محمود، 45 عامًا، وهي معلمة في إحدى المدارس الحكومية:
“في كتير من الطلاب بييجوا المدرسة من غير حاجات أساسية زي الكراسات والأقلام. الأهالي مش قادرين يشتروا كل المستلزمات، وده بيأثر على مستوى التحصيل الدراسي”.
سعاد تشير أيضًا إلى أن بعض الطلاب يتغيبون عن المدرسة في أول أسابيع الدراسة بسبب عدم قدرتهم على شراء الزي المدرسي أو الكتب الخارجية.
“ده بيخلق فجوة بين الطلاب اللي أهاليهم قادرين يشتروا الحاجات دي واللي مش قادرين، وبيأثر على روح العدالة في التعليم”.
من جانبها، تقول الدكتورة منى عبدالفتاح، خبيرة في مجال التربية، إن تأثير الغلاء يمتد إلى تدهور المستوى التعليمي في مصر: “إذا كان أولياء الأمور غير قادرين على تلبية احتياجات أبنائهم الأساسية،
فإن ذلك سيؤثر على تركيز الأطفال ومستواهم التعليمي، بل وقد يزيد من نسبة التسرب الدراسي”.
هل من حلول؟
وسط هذه الأزمة، يطالب المواطنون والمختصون على حد سواء بحلول عاجلة تخفف من وطأة الأزمة. يرى الدكتور محمود صالح، خبير اقتصادي ومستشار حكومي سابق، أن الحلول تبدأ من الحكومة نفسها.
“الدولة يجب أن تتخذ إجراءات صارمة للحد من التضخم وتحقيق الاستقرار في السوق. أحد الحلول المقترحة هو تشجيع الصناعات المحلية لتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة”، يقول الدكتور صالح.
ويضيف: “يجب أيضًا على الحكومة فرض رقابة صارمة على الأسواق لمنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقديم دعم مخصص للأسر ذات الدخل المحدود لتخفيف الأعباء عن كاهلهم في موسم العودة إلى المدارس”.
ومن ناحية أخرى، تقترح إيمان مختار، 38 عامًا، وهي ناشطة اجتماعية، أن يتم تنظيم حملات توعية للأهالي حول كيفية توفير المستلزمات المدرسية بطرق اقتصادية.
“يمكن تنظيم أسواق مدرسية بأسعار مخفضة، أو حتى تنظيم حملات لتبادل الكتب والمستلزمات بين الأسر، مما يساعد في تقليل التكلفة”، توضح إيمان.
احتجاجات عبر مواقع التواصل الاجتماعي: صوت الشعب المقهور
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، لجأ العديد من المواطنين إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم.
ويعبر الناس عن استيائهم من الغلاء المتزايد. تقول هالة مصطفى، 32 عامًا، في تغريدة: “مش عارفين نوفر حاجات المدرسة لأولادنا، والفساد والجشع بيزيد. لحد امتى هنفضل ساكتين؟”.
وفي تعليق آخر، كتب خالد عبد الحليم، 29 عامًا: “الأسعار فاقت القدرة، مش كلنا قادرين نجيب حاجات المدرسة، فين الحكومة من ده؟ فين الرقابة؟”. تغريدات كهذه تعكس حالة الغضب والإحباط التي يشعر بها المواطنون.
الأمل في تغيير المنظومة
بينما يزداد الضغط على الأسر المصرية مع اقتراب بداية العام الدراسي، تظل الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها الثقيلة على المجتمع.
ارتفاع أسعار مستلزمات المدارس ليس مجرد مشكلة مؤقتة، بل هو جزء من سلسلة طويلة من التحديات التي يواجهها المواطن المصري يوميًا.
المواطنون يطالبون بتدخل حكومي حقيقي، ليس فقط لوقف الغلاء، بل أيضًا لمكافحة الفساد الذي يشوه الاقتصاد المصري.
والحلول الممكنة تبدأ من تعزيز الرقابة على الأسواق، وتشجيع الإنتاج المحلي، وتقديم الدعم المباشر للأسر المتضررة.
ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يشغل بال الجميع: هل ستكون الحكومة قادرة على التحرك بفعالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم أن الأزمات الاقتصادية ستظل تتفاقم لتجعل من كل عام دراسي جديد معركة جديدة للبقاء؟