شبكات تهريب الآثار في الفيوم: فساد يمتد عبر الأجيال
تُعَد محافظة الفيوم واحدة من أغنى المناطق المصرية بالآثار التاريخية، لكن هذه الكنوز الثقافية تواجه خطرًا داهمًا بسبب شبكات تهريب الآثار التي تنشط في المنطقة.
ويتزايد الحديث حول تواطؤ بعض المسؤولين في هذا الفساد الذي يمتد عبر الأجيال، مما يُهدد بفقدان التراث الثقافي الذي هو جزء لا يتجزأ من هوية مصر.
وفي هذا التحقيق موقع “أخبار الغد” يكشف النقاب عن هذه الظاهرة، ويتناول أسبابها وتداعياتها، بجانب آراء المواطنين والمتخصصين الذين يعبرون عن رفضهم لهذا الفساد.
شبكات التهريب: من أين تبدأ القصة؟
أساليب التهريب المتبعة
تعتبر شبكات تهريب الآثار في الفيوم معقدة ومنظمة، حيث يتم استخدام عدة أساليب للاختباء عن أنظار السلطات.
ويوضح أحمد العريان، أحد الباحثين في مجال الآثار، أنه يتم تهريب الآثار عن طريق “توظيف سماسرة محليين الذين يقومون بجمع القطع الأثرية من المناطق النائية ثم ترويجها للمشترين الأجانب.”
كما يشير إلى أن “البعض يُخفي الآثار تحت الأرض أو يستخدم وسائل النقل غير المشروعة لتجنب المراقبة”.
تواطؤ بين المسؤولين وعصابات التهريب
تشير الشهادات إلى أن الفساد داخل بعض مؤسسات الحكومة هو أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار هذه الشبكات.
وتقول الدكتورة ندى عبد الرحمن، أستاذة التاريخ “يجب أن نُسلط الضوء على دور الموظفين الحكوميين في حماية هذه الشبكات. إنه لمن المحزن أن بعضهم يتلقون رشاوى مقابل تسهيل عمليات التهريب”.
الآثار السلبية على المجتمع
دلالات اقتصادية واجتماعية
تتأثر المجتمعات المحلية بشكل كبير نتيجة لهذه الأنشطة غير المشروعة، حيث تفقد البلاد قطعًا أثرية تشكل جزءًا من تاريخها.
ويوضح الدكتور سامي جلال، خبير اقتصادي، أن “الآثار يمكن أن تُشكّل مصدر دخل كبير لمصر من خلال السياحة، لكن الفساد المستشري يُفقدنا هذه الفرص ويزيد من الفقر في المجتمعات المحلية”.
فقدان الهوية الثقافية
تشعر العديد من الأسر في الفيوم بالقلق على التراث الثقافي الذي يعود لآلاف السنين.
وتقول ليلى مسعد، ربة منزل: “أحب بلدي وأفتخر بتاريخها، لكن استمرار تهريب الآثار يعني أننا نخسر جزءًا من هويتنا. كيف يمكن للجيل القادم أن يتعرف على تاريخهم إذا فقدنا كل شيء؟”
محاولات التصدي للفساد
الجهود الحكومية ومدى فعاليتها
على الرغم من جملة الجهود التي تبذلها الحكومة لمكافحة تهريب الآثار، إلا أن التحديات لا تزال قائمة.
ويقول الدكتور أيمن سعيد، خبير آثار: “لقد قمنا بتحسين التنسيق بين الأجهزة الأمنية والآثار، لكن الأعمال المنسقة لا تزال بحاجة إلى دعم أكبر من المجتمع”.
المرصد المدني لمتابعة التهريب
في السنوات الأخيرة، تم تشكيل عدة منظمات غير حكومية لمراقبة حالات التهريب والإبلاغ عنها.
ويقول أحمد زكريا، ناشط حقوقي: “نحن نعمل على جمع المعلومات حول هذه الأنشطة وفضح الفاسدين الذين يسهلون هذا الأمر. نريد أن نكون صوتًا للمجتمع ضد هذا الفساد”.
آراء المواطنين: صرخات من الخوف والقلق
استغاثة من أجل العدالة
تشير آراء المواطنين إلى حاجة ملحة للتغيير. وتقول سعاد جلال، من سكان الفيوم: “نحتاج إلى أن يتحرك الجميع. لا يمكننا الاستمرار في العيش في خوف من فقدان ذاكرتنا وتراثنا. يجب أن نشعر بالهدوء في منازلنا وأن نكون آمنين”.
أصوات معارضة للفساد
ويؤكد عيسى كامل، أحد المثقفين المحليين، على أهمية نشر الوعي: “يجب أن يعلم الجميع أن تهريب الآثار ليس مجرد جريمة عادية، بل هو جريمة ضد الإنسانية والتراث. نحن بحاجة للعمل معاً لوقف هذا”.
دعوة للتغيير والعمل الجماعي
إن قضية تهريب الآثار في الفيوم تتطلب جهودًا حقيقية للمواجهة، حيث يستمر الفساد في تغذية هذه الأنشطة بشكل متواصل. يتطلب الأمر تفعيل دور المجتمع المدني، وتعزيز الرقابة الحكومية، وتأمين العقوبات المشددة ضد المجرمين.
بدون تكاتف الجميع، سيستمر التراث الثقافي في التآكل، وسيبقى تاريخ مصر معرّضًا للخطر. لذا فإن الدعوة إلى التحرك والعمل والاجتماع حول قضية تهريب الآثار تُعد واجبًا على كل مصري، من أجل حماية الهوية والتراث الثقافي الأصيل.