مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: صحافة مُفسدة .. منارة زائفة في عاصفة الفساد

في عالم الصحافة المعاصر، لا يمكن وصف الوضع الحالي إلا بأنه كارثي بامتياز. الصحافة التي كانت في يوم من الأيام منارة للعدالة وحاملاً للحقيقة أصبحت الآن مجرد أداة رخيصة في يد القوى التي تسعى للهيمنة على الوعي العام.

لقد انحرفت وسائل الإعلام عن مسارها الصحيح وتخلت عن مسؤوليتها الأساسية، لتصبح ساحة لترويج الأجندات الخاصة وتعزيز الفوضى بدلاً من كشف الحقائق.

المشهد الصحفي اليوم مريع، حيث تتضخم المصالح الشخصية والتجارية على حساب النزاهة الصحفية. وبدلاً من أن تكون الصحافة ساحة للنزاهة والشفافية، أصبحت الآن ساحة للابتزاز والتلاعب.

ونحن نعيش في زمن تتجاذبه قوى المال والسياسة، حيث تضاءلت الأخلاقيات الصحفية وتحولت الصحافة إلى منصة دعائية تروج لمصالح اقتصادية وسياسية دون أي اعتبار للحقيقة.

إن الصحافة لم تعد تعكس واقع المجتمع بموضوعية، بل أصبحت أداة لتسويق الأكاذيب وتوجيه الرأي العام وفقاً لأجندات خاصة.

والأخبار التي تنشر اليوم ليست سوى بضاعة تُعرض للبيع لأعلى مزايد، والصحفيون الذين كان من المفترض بهم أن يكونوا حراساً للحقيقة أصبحوا جزءاً من هذه المنظومة الفاسدة، حيث يتنافسون على من يبيع الأخبار الأكثر إثارة بغض النظر عن دقتها.

هذا الوضع المؤسف يعكس انهياراً مفاجئاً وسريعاً لمهنة الصحافة، التي كان من المفترض أن تكون أداة لنشر الحقيقة وتنوير المجتمع.

وبدلاً من ذلك، تحولت إلى مجرد أداة للتلاعب بالعقول وتعزيز الفوضى. إن هذا التوجه يمثل خيانة للأمانة التي توكل إليها الصحافة ويكشف عن أزمة حقيقية قد تؤدي إلى سقوط كارثي لمهنة لطالما كانت حصناً ضد الظلم والاستبداد.

من المؤسف أن نرى وسائل الإعلام اليوم وقد تحولت إلى أدوات توجيه للرأي العام، يتم استخدامها لترويج أجندات خاصة وتقديم معلومات منحازة ومزورة.

وبدلاً من أن تكون الصحافة مرآة تعكس واقع المجتمع بشفافية، أصبحت مجرد وسيلة تعكس ما تراه قوى المال والسياسة ملائماً لمصالحها، مما يشكل تهديداً خطيراً للديمقراطية ويغلق الباب أمام الرأي الصادق، ليحل محله التضليل والتلاعب.

من خلال تجربتي الشخصية، حيث كنت دوماً مكرساً لقضايا الدفاع عن المظلومين وكشف الحقائق، أجد أن الصحافة الحالية أصبحت جزءاً من المشكلة، لا الحل.

ولقد عملت تحت إشراف عمالقة في الصحافة والقانون والسياسة، مثل الدكتور محمود السقا، الذي علمّني عمق القانون الجنائي وثغراته وأثبت لي أن القانون هو رسالة نبيلة، وليس مجرد مهنة. وتعلمت من الدكتور السقا كيف يمكن للقانون أن يكون أداة قوية في الدفاع عن الحقوق.

كذلك، كان للمحامي عبدالعزيز نور دور كبير في تشكيل شخصيتي القانونية والسياسية، فهو ليس فقط محامياً بارعاً، بل أيضاً سياسي مميز ونقيب المحامين في محافظة الدقهلية، وقد أثرى معرفتي بالقانون وبطرق الدفاع عن حقوق الأفراد.

أما الدكتور أيمن نور، فقد كان مثالاً حيّاً للتفاني في مجال الصحافة والقانون. كمرشح رئاسي وصحفي بارز، أثبت أن الصحافة يمكن أن تكون سلاحاً في يد المظلومين، وقد كانت تجربتي تحت إشرافه في صفحة الشارع السياسي بجريدة الوفد بمثابة مدرسة عملية في كيفية ممارسة الصحافة الملتزمة والمهنية.

ورغم أنني لم أمارس المحاماة بشكل احترافي ولم أحصل علي أي درجة علمية في القانون، فإن شغفي بالقانون والقضايا الاجتماعية دفعني للاستمرار في الدفاع عن الحقوق وكشف الحقائق.

وبالرغم من تدهور الصحافة التي أعمل بها حالياً، أعتبر نفسي محظوظًا بالعمل بجانب المحامي أحمد الخواجا نقيب محامين مصر الأسبق، الذي كان له تأثير بالغ في إدراكي لقيمة المحاماة والعدالة.

إذا أتيح لي العودة بالزمن، لوددت أن أكون محامياً متمرساً بدلاً من مجرد مدافع عن الحق عبر الكتابة. فقد أدركت أن التغيير الحقيقي لا يأتي فقط من التعبير عن الآراء، بل من العمل الجاد في الساحة القانونية.

وبالرغم من الظروف المزرية للصحافة الآن، أظل ملتزماً بمبادئي في الدفاع عن الحقوق ورفض الفساد الإعلامي والسياسي، مؤمناً بالحاجة الماسة لصحافة حرة ونزيهة قادرة على مواجهة التحديات وكشف الحقيقة.

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى