غياب الكتب المدرسية في التعليم الثانوي.. كارثة تهدد مستقبل جيل كامل
نداء إلى وزير التربية والتعليم وكل من يهمه الأمر: أين المناهج؟
تشهد المدارس الثانوية في مصر منذ عدة سنوات أزمة تعليمية حادة تُهدد العملية التعليمية بأكملها، حيث توقفت وزارة التربية والتعليم عن تسليم الكتب المدرسية للطلاب، وبدلاً من ذلك، تم الاعتماد على التابلت كوسيلة أساسية لتوصيل المناهج الدراسية.
لكن الأزمة تصاعدت في العام الماضي بعدم تسليم الطلاب التابلت في العديد من المدارس، مما دفع الأمور إلى نقطة حرجة، حيث أصبح التعليم الثانوي بلا كتب ولا أجهزة إلكترونية لتحميل المناهج.
فكيف يتعامل الطلاب وأولياء الأمور مع هذه الأزمة؟ وكيف ستواجه وزارة التربية والتعليم هذا التحدي؟ وفي هذا التحقيق موقع “أخبار الغد” يعرض وجهات نظر المواطنين، المختصين، والمهتمين بالشأن التعليمي، لنكشف عمق الأزمة ونطالب بحلول عاجلة.
الطلاب في مأزق: كيف ندرس؟ وكيف سنمتحن؟
في بداية حديثنا مع الطلاب في المدارس الثانوية المختلفة، بدا واضحًا أن الأزمة تمس كل طالب وطالبة، حيث يعاني الجميع من غياب الوسائل الأساسية للتعلم.
ويقول أحمد علي، طالب بالصف الثاني الثانوي في إحدى المدارس الحكومية بالجيزة: “قرب بداية العام الدراسي، لم نستلم كتبًا مدرسية، ولم يتم تسليمنا التابلت أيضًا.
ونحن في حيرة من أمرنا؛ لا نعرف كيف سنذاكر المواد الدراسية، ولا نعلم على أي أساس سيتم تقييمنا في الامتحانات”.
يضيف زميله محمود شريف، طالب بنفس المرحلة الدراسية: “العام الماضي كنا نتوقع تسليم التابلت كما في السنوات السابقة، لكن فوجئنا بأن التابلت لم يعد موجودًا إلا في بعض المدارس،
ونحن في مدرسة حكومية عادية لم نحصل عليه. حتى الآن، لا نعرف أين المناهج الدراسية، ولا كيف سنتمكن من الاستعداد للامتحانات”.
هذا الشعور بالقلق والارتباك لا يقتصر على الطلاب فقط، بل يمتد إلى أولياء الأمور الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مستقبل أبنائهم المجهول.
ويقول السيد محمد حسين، ولي أمر طالب في الصف الثالث الثانوي: “كيف يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تطلب من أبنائنا خوض الامتحانات دون أن توفر لهم الكتب أو حتى الأجهزة التي كانت تتيح لهم الوصول إلى المناهج؟ هل هذا عدل؟”
وزارة التربية والتعليم: تراجع عن الوعود وإهمال مستمر
في تصريحات سابقة لوزارة التربية والتعليم، كان من المقرر أن يعتمد النظام التعليمي الجديد على التكنولوجيا الحديثة من خلال توزيع التابلت على الطلاب، وتحميل المناهج الدراسية عبر الإنترنت.
ولكن مع توقف توزيع التابلت في الكثير من المدارس منذ العام الماضي، أصبح هذا الوعد مجرد كلام على ورق، مما أدى إلى حالة من التخبط في العملية التعليمية.
يقول الدكتور خالد إبراهيم، أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة عين شمس: “كان من المفترض أن يكون التابلت وسيلة لتحسين العملية التعليمية وجعل الطلاب أكثر تفاعلاً مع المواد الدراسية.
ولكن ما حدث هو أن الحكومة بدأت في تراجع تدريجي عن هذا المشروع. إلغاء توزيع التابلت في العديد من المدارس يعيدنا إلى نقطة الصفر، حيث لم تعد هناك وسائل متاحة لتوصيل المناهج للطلاب”.
المناهج الإلكترونية بين الإلغاء والفوضى: أين الخلل؟
بدأ الاعتماد على المناهج الإلكترونية في إطار تحديث منظومة التعليم، لكن بعد سنوات من التنفيذ، يبدو أن الخطة لم تكتمل.
وعدم تسليم التابلت يعني عملياً إلغاء هذه الفكرة في كثير من المدارس، وهو ما يعيدنا إلى أزمة غياب الكتب الورقية أيضًا.
وتقول دكتورة سعاد المصري، خبيرة التعليم: “إن الفكرة في حد ذاتها كانت جيدة، ولكن لم يكن هناك تخطيط كافٍ لتنفيذها على أرض الواقع. والآن نجد أنفسنا في حالة فوضى، حيث لا توجد كتب ورقية، ولا مناهج إلكترونية متاحة للجميع”.
وتضيف: “الوضع الحالي يؤدي إلى تباين كبير بين الطلاب. وبعض المدارس لا تزال تستلم التابلت، بينما الغالبية العظمى من المدارس الأخرى،
وخاصة المدارس الحكومية العادية، لا تحصل على أي شيء. وهذا التفاوت في توزيع الوسائل التعليمية يخلق بيئة غير عادلة تمامًا بين الطلاب”.
رأي المواطنين: رفض جماهيري للأزمة وتخوف من الامتحانات
لا يقتصر الأمر على المختصين فقط، بل هناك غضب شعبي واسع من هذه الأزمة، خاصة مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية.
وتقول فاطمة عبدالحميد، وهي أم لثلاثة طلاب في المراحل الثانوية: “نحن كأولياء أمور نشعر بالعجز، لا يمكننا شراء الكتب من السوق لأن المناهج ليست متوفرة بالكامل، ولا نستطيع توفير التابلت لأبنائنا لأن المدارس هي المسؤولة عن تسليمه. كيف سنجهز أبنائنا للامتحانات القادمة؟”.
وفي لقاء آخر مع أحمد عبد السلام، ولي أمر لطالب في الصف الثالث الثانوي، قال بغضب: “منذ العام الماضي ونحن نطالب الوزارة بالتدخل وحل هذه الأزمة، لكن لا أحد يسمع.
ونحن أمام كارثة تعليمية حقيقية. كيف يمكن للطلاب أن ينجحوا في امتحاناتهم وهم لا يملكون الكتب أو المناهج؟”.
المختصون يحذرون من كارثة تعليمية: مستقبل جيل في خطر
حذر العديد من الخبراء من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى انهيار نظام التعليم الثانوي في مصر. ويقول الدكتور عبدالله يوسف، أستاذ المناهج: “هذه الأزمة تعكس فشلًا في التخطيط والتنفيذ من قبل وزارة التربية والتعليم.
وإذا لم يتم توفير الكتب المدرسية أو بدائل إلكترونية فعالة، فإننا نعرض مستقبل جيل كامل للخطر. التعليم هو عماد المجتمع، وإذا تهاونت الحكومة في توفير الأساسيات، فإن التأثير السلبي سيمتد إلى أجيال قادمة”.
بدائل غير عملية: الدروس الخصوصية والمناهج غير الرسمية
في ظل غياب الكتب المدرسية والتابلت، لجأ بعض الطلاب إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية كوسيلة لتجاوز هذه الأزمة.
ويقول يوسف السيد، طالب في الصف الثالث الثانوي: “بدلاً من الكتب، اضطررنا إلى الاعتماد على مذكرات الدروس الخصوصية. هذه المذكرات قد تكون غير دقيقة أو غير معتمدة، لكنها الحل الوحيد المتاح لنا الآن”.
إلا أن هذا الحل ليس متاحًا للجميع، حيث أن تكلفة الدروس الخصوصية أصبحت عبئًا كبيرًا على الكثير من الأسر المصرية.
وتقول الحاجة هناء عبد الله، وهي أم لثلاثة أبناء في المرحلة الثانوية: “نحن بالكاد نتمكن من دفع مصاريف المدارس، فما بالك بالدروس الخصوصية؟ كيف يمكن للأسرة العادية أن تتحمل هذه النفقات الباهظة؟”.
الحلول المقترحة: إصلاح جذري وتخطيط أفضل
تتطلب الأزمة الحالية حلولاً عاجلة وفعالة. أولى الخطوات يجب أن تكون توفير الكتب المدرسية فورًا للطلاب الذين لم يتسلموا التابلت.
ويقول الدكتور محمد عزمي، خبير التعليم التكنولوجي: “يمكن للحكومة أن تتبنى حلول مؤقتة، مثل توفير الكتب الورقية، حتى يتم تصحيح مسار مشروع التابلت وضمان توزيعه بشكل عادل على جميع المدارس. يجب أن نعيد التفكير في كيفية تنفيذ هذا المشروع بحيث لا يتسبب في تفاوتات تعليمية بين الطلاب”.
كما دعا الخبراء إلى ضرورة تحسين البنية التحتية التكنولوجية في المدارس لضمان استفادة الجميع من المناهج الإلكترونية.
“يجب أن تكون هناك خطة متكاملة تشمل توفير الإنترنت في جميع المدارس، وتدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا بشكل فعال. من دون هذه العناصر الأساسية، سنبقى ندور في دائرة الفشل”، يضيف الدكتور عزمي.
أصوات من داخل الوزارة: ما بين الصمت والوعود
على الرغم من هذه الأزمة المتفاقمة، لم يصدر من وزارة التربية والتعليم سوى تصريحات مقتضبة تؤكد أن “العمل جارٍ على حل الأزمة”. ومع ذلك، يظل الغموض يحيط بآلية الحل ومدى جاهزيتها للتنفيذ.
وأحد المسؤولين داخل الوزارة، رفض ذكر اسمه، قال: “نحن ندرك حجم الأزمة، ولكن هناك عقبات مالية ولوجستية يجب التغلب عليها. سيتم العمل على توفير الكتب المدرسية في أقرب وقت، والعودة إلى نظام التابلت تدريجيًا”.
إلا أن هذه التصريحات لم تعد تُطمئن الكثيرين، حيث يعتقد المواطنون أن هذه مجرد وعود أخرى قد لا ترى النور قريبًا.
وتقول الحاجة هناء: “لقد سمعنا مثل هذه التصريحات منذ سنوات، لكن الواقع يقول شيئًا آخر. لا يمكن أن ننتظر أكثر، مستقبل أبنائنا على المحك”.
خاتمة: أزمة التعليم في مصر بحاجة إلى تدخل عاجل
ما يحدث في المرحلة الثانوية من غياب الكتب والتابلت يعكس مشكلة أعمق في التخطيط والتنفيذ داخل وزارة التربية والتعليم. هذه الأزمة قد تؤدي إلى كارثة تعليمية تهدد مستقبل جيل كامل من الطلاب.
وإن توفير الكتب المدرسية بشكل فوري، وإعادة توزيع التابلت بشكل عادل، مع تحسين البنية التحتية التكنولوجية، هو الحل