مصر

التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية: جدل حقوقي وتشريعي في مصر

في الوقت الذي يُنتظر فيه عرض مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد على مجلس النواب في دور الانعقاد الخامس، تدور جدل واسع حول هذه التعديلات التي يصفها البعض بأنها تطور إيجابي في المنظومة القضائية، بينما يرى آخرون أنها تشكل تهديداً لحقوق الأفراد وحرياتهم.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على التطورات الأخيرة، ويستعرض آراء مختلف الأطراف المعنية، ويكشف عن التأثير المحتمل لهذه التعديلات على النظام القضائي في مصر.

اللجنة التشريعية: موقف الدفاع عن حقوق المواطنين

اجتمعت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب في الأسابيع الأخيرة لمناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وقد حظي هذا المشروع بقبول لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب بعد إجراء تعديلات هامة عليه.

وفي هذا الصدد، أكد أعضاء اللجنة على التزامهم بحماية حقوق الدفاع وضمان حضور المحامي في جميع مراحل التحقيق، وهو ما شكل انتصاراً لحق الدفاع ضد مطالب الحكومة والنيابة العامة بإعادة مناقشة بعض مواد القانون.

الرفض الحكومي وتأكيد حقوق الدفاع

قدمت الحكومة والنيابة العامة مقترحات لتعديل بعض مواد القانون، خاصةً المادة 104، التي كانت تسعى لتعديل التحقيقات بحيث يمكن إجراؤها دون حضور محامٍ في حالات معينة.

إلا أن اللجنة التشريعية رفضت هذا الاقتراح، مؤكدة أن السماح بإجراء التحقيقات بدون محامي يتعارض مع أحكام المادة 54 من الدستور، ويشكل انتهاكاً لحقوق الدفاع الأساسية.

أيمن السعيد، أستاذ القانون بجامعة القاهرة، قال في هذا السياق: “التعديلات التي تقترحها الحكومة والنيابة العامة تمثل تهديداً لحق الدفاع الذي يعد من أبسط حقوق الإنسان في النظام القضائي. لا يمكن أن نقبل بتقليص هذه الحقوق تحت أي مبرر.”

التعديلات المتفق عليها: دعم من نقابة المحامين

استجابت اللجنة لمطالب نقابة المحامين بتعديل المادة 242 من مشروع القانون، حيث تم إدخال تعديلات تحافظ على الضمانات القانونية لحق الدفاع.

عبدالحليم علام، نقيب المحامين، أشار إلى أن التعديلات التي تم إدخالها على المادة 242 “تعزز من ضمانات حماية حق الدفاع وتمنع أي مساس بالحقوق الأساسية للمحامين.”

أضاف علام أن هذه التعديلات شملت حذف عبارة “التشويش” واستبدالها بصياغة جديدة، مما يعزز من حماية المحامين في قاعات المحاكم.

انتقادات نقيب الصحفيين وموقف اللجنة التشريعية

في تصريح له، انتقد خالد البلشي، نقيب الصحفيين، مشروع القانون الجديد، مشيراً إلى أن التعديلات تشكل تهديداً لحرية الصحافة وتحدياً لحقوق الأفراد. وقد وصفته اللجنة التشريعية بأنه “يفتقر إلى الدقة ويعتمد على مغالطات فجة.”

وقد علقت اللجنة على انتقادات البلشي، مؤكدة احترامها لحرية الرأي والتعبير، لكنها في ذات الوقت شددت على أن هذه الحرية لا تعني تشويه الحقائق.

وأضافت اللجنة “نحن ملتزمون بحماية حقوق المواطنين وفقاً للدستور، ولن نتجاهل أي ادعاءات تهدف إلى زعزعة الثقة في المؤسسات.”

الردود من مختلف الأطراف

أثارت التصريحات الصادرة عن اللجنة جدلاً واسعاً. نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، شكر نقيب الصحفيين على تحذيراته واعتبر أن النقابة قامت بما هو أكثر من واجبها في هذا الصدد.

وأضاف البرعي: “القانون لا يقتصر تأثيره على المحامين والصحفيين فقط، بل يؤثر على عموم الجمهور. لذا، يجب على الجميع أن يكونوا على دراية بخطورة التعديلات المقترحة.”

من جانب آخر، انتقد مجدي حمدان، القيادي بحزب المحافظين، أداء مجلس النواب، مشيراً إلى أن المجلس “لا يمثل الشعب بشكل حقيقي” و”لا يحترم الدستور”.

وتابع حمدان قائلاً: “هذا المجلس يدعي تمثيل الشعب بينما في الواقع يبتعد عن مصالحه ويخالف الدستور.”

محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين، أبدى دعمه الكامل لنقيب الصحفيين ضد الانتقادات الموجهة إليه من قبل اللجنة التشريعية.

وأكد كامل: “لن نصمت على هذه الإساءة وسنواصل جهودنا لمواجهة مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعيب.”

توقعات وتحديات المستقبل

مع اقتراب موعد عرض مشروع القانون على جلسات البرلمان، يبدو أن الجدل حوله سيتصاعد. ستواجه اللجنة التشريعية تحديات كبيرة في تحقيق التوازن بين تطوير المنظومة القضائية وضمان حقوق الأفراد. ومن المتوقع أن تستمر النقاشات والمراجعات في الأسابيع القادمة، حيث يسعى الجميع لتحقيق توافق يضمن عدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية.

وتظل التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية مسألة حساسة تشغل اهتمام العديد من الأطراف في المجتمع المصري. من الواضح أن هناك اختلافات جوهرية في الآراء حول تأثير هذه التعديلات، مما يضيف المزيد من التعقيد إلى النقاش الدائر. يبقى أن ننتظر كيف ستتطور الأمور عندما يُعرض المشروع على الجلسات العامة في البرلمان، وكيف سيتعامل نواب الشعب مع هذه القضايا الحيوية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى