مصرملفات وتقارير

حكم المحكمة الدستورية يلغي ثبات الأجرة السنوية.. هل يقترب كابوس الإيجار القديم من نهايته

في خطوة وصفت بأنها تاريخية، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بإلغاء عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية في قانون الإيجار القديم، منهية بذلك صراعًا مستمرًا لعقود بين الملاك والمستأجرين.

الحكم جاء ليفتح أبواب النقاشات والجدل على مصراعيها حول مصير ملايين العقارات في مصر، ويثير تساؤلات ملحة حول كيفية تطبيق هذا القرار ومتى سيتم التنفيذ الفعلي.

العلاقات الإيجارية القديمة كانت مضرة لجميع الأطراف

اللواء دكتور رضا فرحات، المحافظ الأسبق وخبير الإدارة المحلية، وصف هذا الحكم بأنه نقطة تحول كبيرة في تاريخ التشريعات المصرية. وأكد أن العلاقة الإيجارية بين الملاك والمستأجرين، بموجب قانون الإيجار القديم، كانت ضارة وتفتقر إلى العدالة، حيث ظل الملايين من الملاك محاصرين تحت رحمة عقود إيجارية بالغة الانخفاض لا تتناسب مع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

وأضاف فرحات أن القانون القديم كان مليئًا بالعوار الدستوري، والحكم الأخير جاء ليعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عقود من الظلم الواقع على الملاك، مما سيفتح بابًا أمام تصحيح هذا الخلل.

وأضاف فرحات أن الحكم يعد انتصارًا لحقوق الملاك الذين عانوا من تجميد القيمة الإيجارية لسنوات طويلة، وذكر أن تعديل هذا القانون كان ضرورة قصوى لحماية حقوقهم ووقف استمرار هذه العلاقة الإيجارية المجحفة. فالأوضاع السابقة كانت غير عادلة على الإطلاق، حيث ظل المستأجرون يستفيدون من إيجارات زهيدة بينما تضاعفت تكاليف صيانة العقارات وأسعار الخدمات بشكل لا يصدق.

مطالب بتحقيق التوازن بين الملاك والمستأجرين

من جانبه، دعا مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، إلى أن يكون الحد الأدنى لإيجار الوحدات السكنية في ظل النظام الجديد 2000 جنيه شهريًا، مع ضرورة تطبيق زيادة سنوية تتيح للملاك الاستفادة من القيمة الحقيقية لعقاراتهم. وأوضح عبد الرحمن أن هذا الحد الأدنى هو أقل ما يمكن قبوله في ظل الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات وتكاليف المعيشة.

وأشار إلى أن الحكم القضائي الجديد لا يجب أن يقتصر فقط على الوحدات السكنية، بل يجب أن يشمل الوحدات التجارية كذلك، نظرًا لأن كثيرًا من هذه العقارات القديمة تشغلها محلات وشركات تجارية تدفع إيجارات زهيدة جدًا ولا تتناسب مع مواقعها المتميزة أو قيمتها السوقية. وبهذا يرى أن القانون الجديد يجب أن يكون شاملًا لضمان حقوق جميع الأطراف وتحقيق العدالة الاجتماعية التي طال انتظارها.

المقترحات القانونية لرابطة المستأجرين

في المقابل، لم تمر هذه التطورات دون رد فعل من رابطة المستأجرين، التي تتوقع آثارًا كبيرة على حياة ملايين المستأجرين الذين يعتمدون على هذا النظام الإيجاري القديم. المستشار القانوني للرابطة، ميشيل حليم، اقترح رفع القيمة الإيجارية للوحدات السكنية تدريجيًا وبنسبة 5 أضعاف عن الوضع الحالي، مع زيادة سنوية تصل إلى 15%. وبرغم أن هذه النسبة تبدو أقل بكثير مما طالب به الملاك، إلا أن هذه الخطوة تعتبر ضرورية لتجنب الطرد الجماعي للمستأجرين. لكن هذا الاقتراح قوبل برفض من قبل ممثلي الملاك الذين يرون أن هذه النسب لا تزال أقل من الحد الأدنى المطلوب لتغطية تكاليف صيانة العقارات وتحديثها.

ضرورة التدخل التشريعي السريع

رئيس لجنة الإسكان في البرلمان، محمد عطية الفيومي، أكد أن حكم المحكمة الدستورية بإلغاء ثبات الأجرة السنوية ملزم لجميع مؤسسات الدولة، ويجب تنفيذه دون تأخير.

وأوضح أن عدم إصدار مجلس النواب لقانون جديد خلال الدورة البرلمانية الحالية سيؤدي إلى تحويل الأمر للمحاكم لتحديد القيمة الإيجارية، وهو سيناريو يراه غير مستحب لأنه سيثقل كاهل النظام القضائي ويزيد من حالة الفوضى في السوق العقاري.

وأكد الفيومي أن مجلس النواب لن يتأخر في التدخل ووضع الضوابط الجديدة التي ستسهم في تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر، مشددًا على أن المشرعين يعملون على صياغة قانون يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. وذكر أن التوجه نحو زيادة الإيجارات تدريجيًا سيكون أحد الحلول المطروحة لتجنب الصدمات التي قد تصيب المستأجرين والملاك على حد سواء.

آثار اقتصادية واجتماعية متوقعة

الحكم الأخير يثير العديد من التساؤلات حول تأثيره على الاقتصاد المصري والمجتمع بشكل عام. فمن المتوقع أن يتسبب ارتفاع الإيجارات في زيادة الضغوط الاقتصادية على شريحة كبيرة من المواطنين، خاصة في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، حيث تتركز أغلب العقارات القديمة. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي تحرير القيمة الإيجارية إلى تحفيز الملاك على تجديد وتطوير عقاراتهم، مما سيساهم في تحسين البنية التحتية لبعض الأحياء القديمة التي تعاني من تدهور طويل الأمد.

لكن في المقابل، يرى البعض أن الزيادة المتوقعة في الإيجارات قد تؤدي إلى ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة بشكل عام، مما سيؤثر سلبًا على الطبقات الوسطى والفقيرة التي تعتمد بشكل كبير على نظام الإيجار القديم لتوفير سكن بأسعار معقولة. لذا، يتطلب الأمر تدخلاً حكوميًا مدروسًا لضمان تحقيق توازن بين حماية حقوق الملاك والحفاظ على استقرار حياة المستأجرين.

يأتي الحكم الأخير للمحكمة الدستورية كخطوة حاسمة نحو إنهاء نزاع طويل بين الملاك والمستأجرين، ولكنه يفتح في الوقت ذاته أبوابًا جديدة من التحديات. تطبيق هذا الحكم يحتاج إلى تشريعات فورية وواضحة لتحقيق العدالة للجميع. ومع وجود الملايين من المواطنين الذين سيتأثرون بهذا التغيير الجذري، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون الحكومة قادرة على تطبيق إصلاح شامل دون التسبب في فوضى اجتماعية واقتصادية؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى