تصريحات أيمن محسب تشعل الغضب: الوفديون والمواطنون يهاجمون قانون الحبس الاحتياطي ويصفونه بالاعتقال المقنّن
في خطوة لم تخلُ من الجدل والمواجهات السياسية الحادة، فجّر النائب الدكتور أيمن محسب، رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد وعضو مجلس النواب عن حزب الوفد، جدلًا واسعًا عقب تصريحاته المؤيدة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
تلك التصريحات التي اعتبرها أعضاء حزب الوفد وكثير من المواطنين بأنها “تمثيل لمصالح السلطة وليس للشعب”، أشعلت نار الغضب بين صفوف الحزب التاريخي الذي كان دومًا يمثل نبض الأمة المصرية، ويدافع عن حقوقها بلا تردد.
غضب شعبي عارم
بينما حاول النائب محسب تقديم تصريحه كإنجازٍ كبير للحزب ومؤشرٍ على الدور الوطني الذي يلعبه حزب الوفد في حماية حقوق المواطنين، إلا أن أعضاء الحزب والمواطنين على حد سواء لم يتوانوا عن التعبير عن استيائهم الشديد.
“كيف يمكن لنائبٍ يمثل الشعب أن يُصادق على قانون يخنق حقوق المواطنين ويمنح السلطة صلاحياتٍ واسعة؟!”،
تساءل محمود عبدالعزيز، عضو بارز في حزب الوفد، في تعبير واضح عن غضب القاعدة الشعبية الوفدية.
“هذه التصريحات لا تعبر إلا عن رأي شخصي للنائب ولا تمثل الوفد بأي شكل، نحن نرفض هذا القانون بشكل قاطع”.
توسع الحبس الاحتياطي .. اعتقال مقنن؟
نقطة الحبس الاحتياطي كانت من أكثر المواضيع إثارةً للغضب. وتقول هالة مصطفى، محامية: “مشروع القانون الجديد يفتح الباب على مصراعيه للحبس الاحتياطي لأسباب غير مبررة.
نحو 80% من البلاغات تؤدي مباشرة إلى الحبس الاحتياطي! أين حقوق الدفاع؟ أين الحرية؟”.
وتضيف بحزم: “نحن نتحدث عن قوانين تعني بقاء أشخاص في السجون بدون محاكمة لأشهر وربما لسنوات، بناءً على فقرة مبهمة تنص على توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام! إنها كارثة بكل المقاييس”.
ويؤكد كريم السيد، أستاذ القانون الجنائي، أن تلك الفقرة تمثل خطرًا كبيرًا على حقوق الإنسان والعدالة.
“الحبس الاحتياطي يجب أن يكون لظروف محددة للغاية، لكن التعديل الجديد يجعل من مبررات الحبس وسيلة اعتقال مقننة، دون أي ضمانات حقيقية لحماية المتهمين من التعسف”.
مخاوف اقتصادية واستثمارية
الأمر لم يتوقف عند الحقوق الفردية فقط، بل وصل إلى تأثير القانون المحتمل على مناخ الاستثمار.
يحذر الخبير الاقتصادي محمد عبدالغني: “كيف يمكن لمستثمر أجنبي أن يضخ أمواله في بلدٍ يواجه فيه الأشخاص إمكانية الحبس لمجرد أن القانون يرى أن الجريمة تمثل خطرًا على الأمن العام؟!
هذه القرارات القضائية غير المحدودة ستضعف ثقة المستثمرين وتضر بمكانة مصر عالميًا”.
الترافع عن بعد .. تقنية قد تصبح فخًا قانونيًا ؟
من أبرز الانتقادات التي طالت القانون هو النص الذي يتيح الترافع عن بعد، وهو ما اعتبره النقاد خطوة محفوفة بالمخاطر.
ويقول مصطفى يوسف، المحامي البارز في قضايا حقوق الإنسان: “نحن لا نعترض على استخدام التكنولوجيا، لكن عندما تحول القضايا الغيابية إلى حضورية دون ضمانات كافية، فأنت تفتح بابًا جديدًا لانتهاكات خطيرة.
القبض على الأشخاص في الأكمنة لتنفيذ الأحكام دون حق للدفاع سيحول المحاكمات إلى مجرد إجراءات شكلية غير عادلة”.
ويساند هذا الرأي عدد من المواطنين الذين أبدوا استياءهم من عدم الجاهزية التقنية لتطبيق هذه القوانين الجديدة.
وتقول منى السيد، موظفة حكومية: “قبل أن نتحدث عن الترافع عن بعد، دعونا نتحدث عن جودة الشبكات.
كيف يمكن تنفيذ محاكمة عادلة إذا كانت الشبكات غير موثوقة؟ هذا القانون قد يكون له عواقب وخيمة على الكثيرين”.
تصاعد الغضب داخل حزب الوفد
هذا الغضب المتزايد من المواطنين تردد صداه بوضوح داخل حزب الوفد نفسه. يرى مصدر رفيع المستوي في حزب الوفد، بأن تصريحات الدكتور محسب “خيانة لأفكار الحزب وتوجهاته”.
وقال: “الوفد كان دائمًا حزب الشعب، وليس حزب السلطة. لا يمكننا أن نصمت أمام هذه التعديلات التي تهدد حريات وحقوق المواطن المصري، والتي ستجعلنا نبدو كأننا نؤيد قمع الحريات”.
نحو طريق مجهول
بناءً على كل ما سبق، يبدو أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد قد ألقى بظلاله الكئيبة على الحياة السياسية والقانونية في مصر.
والغضب الشعبي، الانتقادات الحادة من المختصين، والانقسامات داخل حزب الوفد نفسه،
كل ذلك يشير إلى أن هذا القانون لن يمر مرور الكرام، وسيظل محل جدل واسع وربما مواجهات سياسية أكبر في المستقبل القريب.
ولا يمكن تجاهل صوت الشارع الغاضب، فالمواطن المصري، الذي لطالما عانى من تقييد الحريات،
لن يقبل بمزيد من التعديات على حقوقه، وحتماً سيواصل الكفاح ضد أي تشريع يحاول خنق تلك الحقوق باسم “الأمن والنظام”.