قانون التأمينات والمعاشات: كارثة اجتماعية تضرب حقوق الملايين
منذ صدور قانون التأمينات والمعاشات الجديد رقم 148 لسنة 2019 وتطبيقه في يناير 2020، أُشعلت نيران الغضب بين صفوف المواطنين.
ورغم أن القانون كان يُفترض به توفير حلول للأزمات المالية وضمان حقوق العمال والمتقاعدين، إلا أن التطبيق العملي كشف عن وجهه الكارثي على شرائح كبيرة من المجتمع، خاصة أولئك الذين كانوا على وشك الحصول على معاش مبكر أو يواجهون أزمات صحية مفاجئة.
استعرض موقع “أخبار الغد” آراء عدد من المواطنين والمختصين لمعرفة تفاصيل هذه الأزمة، حيث يعبر الغالبية العظمى عن رفضهم لهذا القانون الظالم، ويشيرون إلى سلبياته التي تفاقمت بسبب الإجراءات البيروقراطية وعدم وضوح بنود القانون.
شهادات المواطنين
حسن محمود، 55 عامًا، كان يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص. في نهاية عام 2019، تقدم حسن بطلب للحصول على معاش مبكر بعد أن أمضى أكثر من 30 عامًا في العمل.
ويقول حسن: “كنت أنتظر المعاش بفارغ الصبر لأستريح بعد سنوات من الكدح. ولكن بسبب التأخير في إجراءات التقاعد، دخل القانون الجديد حيز التنفيذ، ووجدت نفسي فجأة عالقًا بين الأنظمة القديمة والجديدة. لم أستطع الحصول على المعاش بسبب الشروط الجديدة، وأنا الآن بلا مصدر دخل ولا تأمين صحي.”
إيمان علي، 52 عامًا، تعرضت لأزمة صحية أجبرتها على ترك عملها قبل التقاعد الكامل. تقدمت إيمان بطلب للحصول على المعاش المبكر، لكنها فوجئت بشروط تعجيزية جعلتها غير مؤهلة للحصول على المعاش.
وتقول إيمان: “لا يمكنني الانتظار حتى بلوغ سن الستين. لقد دفعت اشتراكاتي طوال حياتي، والآن أجد نفسي بدون معاش ولا تأمين صحي. هل يُعقل أن يُحرم المواطن من حقه في الحياة الكريمة بسبب شروط قانونية غير منطقية؟”
آراء المختصين
الدكتور محمد عبد العظيم، خبير في شؤون التأمينات الاجتماعية، يرى أن القانون 148 لسنة 2019 يحمل في طياته العديد من الثغرات التي أثرت سلبًا على فئات كبيرة من المواطنين.
ويقول الدكتور محمد: “القانون الجديد يفرض حدًا أقصى لزيادة المعاشات بنسبة 15% سنويًا، وهذا لا يتناسب مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار المستمرة.
كما أن القانون يعاقب المتقاعدين الذين يحاولون تحسين دخلهم بالعمل بعد التقاعد، حيث يتم وقف معاشهم إذا التحقوا بعمل جديد، وهذا أمر غير منطقي.”
هاني عبد الحميد، محامي متخصص في قضايا التأمينات والمعاشات، يضيف: “إحدى أكبر المشاكل التي أواجهها مع هذا القانون هو الجدول رقم 5، الذي يجعل الخروج المبكر شبه مستحيل.
والشروط الجديدة تتناقض مع قانون الخدمة المدنية والسياسات الحكومية المعلنة التي كانت تشجع على التقاعد المبكر. والأخطر أن القانون جاء بدون فترة انتقالية لتطبيقه، مما جعل العديد من المواطنين يقعون في فخ التناقض بين الأنظمة القديمة والجديدة.”
الرأي الشعبي
تحدثنا مع عدد من المواطنين الذين أعربوا عن استيائهم الشديد من تطبيق هذا القانون. مصطفى حسن، موظف حكومي سابق، قال بغضب: “أصبح القانون الجديد عبئًا علينا بدلاً من أن يكون حلاً.
نحن ندفع اشتراكاتنا لسنوات طويلة، وفي النهاية نُحرم من حقوقنا بشكل ظالم. هل يُعقل أن تفرض الحكومة شروطًا تجعل الحصول على المعاش شبه مستحيل؟”
وفي ذات السياق، أشارت سعاد إبراهيم، عاملة سابقة في القطاع الخاص، إلى أن تطبيق القانون جاء بشكل مفاجئ وبدون تحضيرات كافية.
وتقول سعاد: “قضيت أكثر من 30 عامًا أعمل في شركة خاصة، وعندما حان الوقت لأحصل على المعاش، وجدت نفسي محاصرة بالقانون الجديد. شروط الخروج المبكر تعجيزية، وأنا الآن مضطرة للانتظار حتى بلوغ سن الستين للحصول على حقوقي.”
التناقضات في القانون
يتضمن قانون التأمينات والمعاشات 148 لسنة 2019 عددًا من التناقضات التي أثارت الكثير من الجدل. من أبرز هذه التناقضات التضارب مع قانون الخدمة المدنية: القانون يشجع من حيث المبدأ على التقاعد المبكر، ولكن شروطه تجعل من المستحيل تقريبًا على العاملين في الدولة الخروج المبكر والحصول على معاش.
على سبيل المثال، يجب أن يكون سن المتقاعد 50 عامًا على الأقل وأن يحصل على 50% من أجره عند التقاعد، وهي شروط صعبة التحقيق لكثيرين.
والعلاوة السنوية المحدودة: ينص القانون على زيادة سنوية بنسبة 15% فقط لأصحاب المعاشات، وهي نسبة لا تعكس واقع التضخم والارتفاع الحاد في الأسعار، مما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمتقاعدين.
تبعية الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي: رغم النص على استقلالية الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، فإنها تبقى تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي.
وهذا التبعية تثير تساؤلات حول قدرة الهيئة على إدارة أموال المعاشات بشكل مستقل وبعيد عن الضغوط الحكومية. واستثمار أموال التأمينات: ينص القانون على أن مجلس أمناء الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي يجب أن يستثمر 75% من أموال التأمينات في مشاريع محددة، مما يقلل من فرص تنويع الاستثمارات وزيادة العائدات.
تصاعد الضغوط الشعبية
تجمع الآراء المختلفة حول القانون على أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر دون تدخل فوري من الجهات المختصة. أحمد فاروق، ناشط في حقوق العمال، يقول: “القانون الجديد ليس فقط ظلمًا بل هو تحدٍّ للحكومة نفسها.
والمواطنون يفقدون ثقتهم تدريجيًا في النظام بسبب هذا القانون. نحن بحاجة إلى إصلاحات جذرية تضمن العدالة وتعيد للمواطنين حقوقهم.”
يختتم خالد السيد، أحد المتضررين من القانون، قائلاً: “نحن ندعو البرلمان للتدخل الفوري وتعديل هذا القانون.
كيف يمكن لمجلس النواب أن يظل صامتًا في وجه هذه الأزمة التي تمس حياة الملايين؟ نطالب بإجراءات فعلية لا مجرد وعود.”
إصلاح قانون التأمينات: نداء عاجل لحقوق العمال
قانون التأمينات والمعاشات 148 لسنة 2019 أثار ضجة كبيرة في الأوساط الاجتماعية والعمالية في مصر. ومع تزايد الأصوات التي تطالب بإصلاح هذا القانون، يبدو أن الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المسؤولة لتجنب تفاقم الأزمة.
على الحكومة أن تعيد النظر في هذا القانون وتستمع لآراء المواطنين والمختصين لتعديل البنود التي تهدد حقوقهم وتضمن حياة كريمة لهم بعد سنوات طويلة من العمل.