بعد انتهاء الصالون السياسي الذي نظمته الجبهة الديمقراطية المصرية بالأسكندرية بعنوان ( مشروع قانون الإجراءات الجنائية أم الأمنية؟! )
مساء السبت 7 سبتمبر توجهت بصحبة السياسي الشاب الواعد إسلام بهي الدين للموقف الجديد ليركب هو ميكروباص كفر الشيخ وأركب ميكروباص الهرم وقام السائق بدفع الكارتة لشركة وطنية للطرق وعند بوابة الاسكندرية دفع السائق رسم العبور من البوابة لنفس الشركة .
نزلت من ميكروباص الأسكندرية عند سلم المحور وصعدت إلى المحور لأركب ميكروباص لميدان جهينة وقُبيل مدخل الشيخ زايد كان الطريق واقفًا والسيارات تزحف حتى وصلنا لكمين شرطة يوقف كل السيارات ويطلب من السائقين الرخص ومن بعض الشباب البطاقات .
طلب معاون الشرطة من السائق أن يركن على جنب فركن وطلب المعاون من شابين النزول وأخذ يفتشهما واحدًا وراء الآخر بطريقة مذلة ومهينة يسحبهما من الحزام ويديرهما شمالًا ويمينًا ويخرج السجائر من العلبة
ويشمها ويعد الفلوس القليلة بجيبهما كان ذلك عن يميني وعن شمالي تقف أعداد كبيرة من السيارات التي ركنت على جنب – يقوم فرد شرطة بتفتيش كل سيارة ركزت مع أحدهم – يلبس لباسًا مدنيًا – ويفتش شابين آخرين بعد أن نزلا من سيارتهم الملاكي
وبعد أن انتهى من التفتيش بنفس الطريقة المذلة المهينة أضاء كشاف هاتفه وأخذ يقلِّب السيارة من الداخل : التابلوه والكراسي والشنطة كنت أراقب ذلك إلى أن جاء السائق يحمل ايصالًا دفعه قائلًا : والله ما عندي أي مخالفة حسبي الله ونعم الوكيل .
تكرر نفس الموقف فجر الأربعاء 9 أغسطس وكنت عائدا من الاسكندرية بعد ندوة عن ( قوانين الأنتخابات ) وبنفس المكان نزلت من الميكروباص عند الكمين بعدما اوقفوه
وركبت ميكروباص آخر فقال السائق أنه دفع غرامة من غير أي مخالفة وقال الشاب الذي يجاوره دفعت 100 جنيه مفيش معايا غيرها
وأضاف متحسرًا: قالي أمين الشرطة يا تدفع يا نسحب الرخصة فقلت: أنا مش سواق ومفيش معايا رخصة أنا راكب وأضاف: كشفوا عن بطاقتي على الكمبيوتر وملقيوش عليا حاجة لكن الأمين قالي تدفع 100 جنيه ولا تركب البوكس فدفعت !!!
كنت أراقب ذلك متحسراً ومتوجسًا وأقول :
! قانون أيه ؟
ودستور أيه ؟!
ونيبلة أيه ؟!
وأحزاب أيه ؟! وانتتخابات أيه ؟!
ممكن حد يقول : وليه الشباب سكتوا على طريقة التفتيش الغير قانونية دي ؟! أو ليه أصحاب العربيات الملاكي لم يسألوا معاون الشرطة أو أمين الشرطة اللي بيفتشهم ويفتش عربياتهم عن إذن النيابة فهم لم يكونوا في حالة تلبس أو أنا لماذا لم اتدخل للمطالبة بتطبيق القانون ؟! ووقف انتهاك حقوق الناس ؟!
والحقيقة : الشباب عارفين إجابة سؤالهم وأنا أكتب هذا المقال و98% مما لدي من أقوال لا استطيع الإدلاء به هنا وفي معظم الأحوال لما بكون رايح لمشوار فيه شوية سياسة باخد علاجي معي احتياطيًا ( زي الحبس الاحتياطي كده ).
فهذه الوقائع البسيطة تنظمها تمامًا مواد قانون الاجراءات الجنائية القائم ولكنها لا تطبق لماذا ؟! لأنه لا توجد إرادة سياسية لتطبيقها
ولم يحن الوقت بعد لمحاسبة ( الظابط أحمد ) عندما ينتهك القانون أو حتى الحياة ولازالت بلدنا تطبق مقولة ( اللي ملوش خير في حاتم ملوش خير في مصر ) في فيلم المخرج العبقري يوسف شاهين.
وللأسف فالغالبية العظمى ممن يُحبسون احتياطيًا لفترات قصيرة أو طويلة لا تنطبق عليهم شروط الحبس الاحتياطي التي تشترطها مواد القانون الحالي ولو طبقت هذه الشروط ما احتجنا لتعديلات على مواد الحبس الحبس الاحتياطي
وعلى الرغم من أن المادة (134) من قانون الاجراءات الجنائية الحالي تتناقض مع المادة (54) من الدستور والتي تقرر فقرتها الاولى: ( الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تُمس
وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق …) إلا أن لا شروط الحبس الاحتياطي الواردة في هذا الدستور تُطبق ولا الشروط المخالفة لها بالمادة (134) من قانون الاجراءات الجنائية الحالي تطبق وتحول الحبس الاحتياطي لعقوبة مسلطة لا رادع لها
المادة 39 وأوامر الضبط والإحضار على الرغم من أهمية النصوص إلا أنها لم تكن يومًا هي الفيصل في مصر ولكن الإرادة السياسية لتطبيق هذه النصوص هي الحاكمة دومًا وعدم وجود مؤسسات قوية تسهر على تطبيق الدستور والقانون فلا نصوص دستورية أو قانونية ستُحترم
فالمادة (25) من مشروع قانون الاجراءات الجنائية -المعروض على مجلس النواب هذه المادة منحت حق الضبطية القضائية لكل أفراد الشرطة بداية من معاون الشرطة الحاصل على الشهادة الإعدادية
ويتدرب بعدها 18 شهرًا ليصبح معاون أمن ثالث فمعاون الأمن الذي فتش المواطنين بهذه الطريقة المذلة وبدون سند من القانون لديه الضبطية القضائية وبحكم المادة (39) سيكون من حق مساعد الأمن أصدار أوامر ضبط وإحضار المتهم إن كان غائبًا ( المادة لم تحدد رتبة أدنى لمن يجوز له إصدار أمر الضبط والإحضار !! )
مأمور الضبط والتحقيق والاستجواب وبينما اجازت المادة 63 لعضو النيابة من درجة مساعد نيابة على ألاقل فلا يجوز لمعاون النيابة أن ينتدب أحد مأموري الضيط
ويجب أن يكون مساعد نيابة على ألأقل ( .. أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم)
والغريب أن المادة وضعت حدًا أدني لعضو النيابة وجعلته مساعد نيابة على الأقل لكنها لم تضع حدًا أدنى لرتبة مأمور الضبط القضائي المنتدب للتتحقيق !الا إذا كانت المادة تحتسب معاون الأمن بنفس درجة مساعد النيابة فلمَ تفصِّل !!
والغريب أيضًا في هذه المادة كمعظم المواد بمشروع القانون تمنح استثناءات تفرغ كل الحقوق من مضمونها .. أنها أعطت حق التحقيق للمنتدب من مأموري الضبط القضائي ما عدا الاستجواب ولكنها منحته حق الاستجواب قي عجز المادة نفسها ( في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلًا بالعمل المندوب له في كشف الحقيقة )
وطبعًا الخشية من فوات الأوان ستكون موجودة دائمًا وستتحول كل صلاحيات أعضاء النيابة في التحقيق والاستجواب وسماع الشهود وحتى تحليفهم لمأموري الضبط القضائي التي لم يضع المشروع حدًا أدنى لمن يُنتدب منهم أو من ستكون له سلطة التحقيق والاستجواب !
وسيكون متاحًا لمساعد الشرطة الذي يقف على باب القسم أو المركز ليقول لنقيب نقاية المحامين أو حتى لرئيس محكمة النقض وهو داخل ( على فين يا باشمندس ) هو نفسه من يجيز المشروع لمساعد النيابة أن ينتدبه لإجراء التحقيق وفي حالة خشية فوات الوقت يجيز له المشروع حق الاستجواب
وهو نفسه من بين الذين لم تحدد مادة الندب حدًا أدنى لرتبتهم من يسمح له بحكم المادة (31) من المشروع ( يجوز لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات سماع أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها وسؤال المتهم عن ذلك ولهم أن يستعينوا بالأطباء وغيرهم من أهل الخبرة ويطلبوا رأيهم شفهيًا أو بالكتابة . ولا يجوز لهم تحليف الشهود أو الخبراء اليمين إلا إذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة بيمبين ) .
وقد يقول قائل: وهل يُعقل ان ينتندب عضو النيابة بدرجة مساعد نيابة على الأقل – معاون أمن أو أمين شرطة لإجراء تحقيق؟!
وللأسف فمادة الندب مطلقة والمادة التي تمنح صفة مأمور الضبط القضائي واسعة للغاية حتى أنها افقدت صفة مأمور الضبط القضائي معناها.
وسيحول مشروع الاجراءات الجنائية والذي سيصبح قانونًا بعد إقراره من مجلس النواب وتصديق رئيس الجمهوربة ونشره بالجريدة الرسمية .. سيحول مصر لدولة حاتم رسميًا بالقانون بعد ان يحكمنا عرفيًا!!