تصاعد الغضب في مصر: تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تُشعل انتقادات المواطنين
في مشهد يعكس عمق الأزمة السياسية والقانونية التي تعيشها مصر في الوقت الراهن، تشتعل الساحة بين المواطنين وأعضاء البرلمان، حيث تصاعدت الانتقادات حول تعديلات قانون الإجراءات الجنائية التي تُطرح حاليًا للنقاش في البرلمان.
وهذا القانون المقترح، الذي يُزعم أنه يهدف إلى تحسين النظام العدلي وتوفير حماية أكبر للمجتمع، يواجه رفضًا جماهيريًا واسعًا،
وخصوصًا من قبل أعضاء حزب الوفد، الذين رغم ما يعانونه من انقسامات داخلية، يرفضون هذه التعديلات التي يرون أنها تزيد من سيطرة الأجهزة الأمنية على المواطنين، وتحد من حقوقهم الأساسية.
قانون على حساب الحريات
تحت شعار “الحفاظ على الأمن”، تقدمت الحكومة المصرية بمقترحات تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية.
وبدلًا من أن تعمل تلك التعديلات على تعزيز حقوق المواطنين في مواجهة السلطة التنفيذية، جاء المشروع ليُضعف موقف المواطن المصري أمام الأجهزة الأمنية.
المحامي سامح فهمي، أحد المتخصصين في القانون الجنائي، يقول: “القانون المقترح يعطي الشرطة صلاحيات واسعة لم تكن موجودة من قبل،
ويحولها إلى جهة تنفيذية قضائية، حيث يمكنها الآن تنفيذ أوامر قبض وتفتيش دون الحاجة إلى موافقة القضاء في كثير من الحالات”.
ويضيف: “هذا الأمر يُعد تقليصًا صارخًا لحقوق المواطنين في الدفاع عن أنفسهم ضد أي إجراءات تعسفية قد تُتخذ ضدهم”.
مستنقع الفساد في تفعيل القانون
في حديث مع أحد المواطنين المتضررين، محمد جمال، الموظف الحكومي، يقول: “نحن نعيش في دولة يُفترض أن القانون يحمي المواطن من التجاوزات.
ولكن مع التعديلات الجديدة، سيكون من المستحيل الدفاع عن حقوقنا. كيف لنا أن نثق في أجهزة أمنية طالما ارتبط اسمها بقضايا فساد وانتهاكات؟”
وفي السياق نفسه، يشير أحمد نصر، أستاذ العلوم السياسية، إلى أن هذه التعديلات تأتي في وقتٍ تشهد فيه الحكومة ضعفًا شديدًا في الحصول على تأييد شعبي واسع.
ويقول: “ما تحتاجه الحكومة اليوم هو غطاء شعبي يشرعن هذه التعديلات، ولكن مع هذا الرفض الشعبي الواسع، يبدو أن الأمور ستزداد تعقيدًا”.
ونصر يتوقع أن تنتهي الحكومة إلى محاولة فرض التعديلات باستخدام أدوات سياسية وضغوط إعلامية، لكن في النهاية، سيكون هناك ثمن اجتماعي وسياسي باهظ لذلك.
حزب الوفد: معارضة رغم الأزمات
من داخل المشهد السياسي، حزب الوفد، الذي يعاني منذ سنوات من انقسامات داخلية وصراعات على القيادة، يقف كصوتٍ معارضٍ قويٍ لهذه التعديلات.
ويأتي هذا الموقف بالرغم من الحالة المتردية التي يعيشها الحزب، حيث لم يتم استشارة بعض الشخصيات القانونية البارزة داخل الحزب في هذه التعديلات، ما يعكس تجاهلًا واضحًا لأهمية الدور الاستشاري لهذه الشخصيات.
يقول علي أمين القيادي بحزب الوفد: “لم يتم استشارة أي من القامات القانونية الموجودة داخل الحزب بخصوص هذه التعديلات.
والعضو الوحيد الذي نجح في انتخابات نقابة المحامين، أحمد حسان، لم يتم دعوته حتى للتشاور بشأن القانون.
كيف يمكن لحزب الوفد أن يُعطي موافقته على تعديلات قانونية خطيرة دون أن يستشير قادته القانونيين؟”.
ويضيف: “نحن في حالة أشبه بفيلم سياسي سيئ، حيث يُدار الحزب والبلد من خلف الكواليس، وفي النهاية سيُقال لنا إن حزب الوفد موافق مع بعض التعديلات البسيطة”.
تضليل الشارع المصري؟
لا يقتصر الغضب على رجال القانون والسياسيين فحسب، بل يمتد إلى الشارع المصري الذي يشعر بأنه يتعرض لتضليل ممنهج.
سلوى محمود، مواطنة من القاهرة، تقول: “الحكومة تحاول إقناعنا بأن هذه التعديلات في صالحنا، ولكننا نعلم أنها مجرد وسيلة لتوسيع صلاحيات الشرطة على حساب حقوقنا. إذا لم نتصدى لهذه التعديلات، فإننا نفقد ما تبقى لنا من حقوق”.
من جانبه، يضيف خالد مصطفى، طالب في كلية الحقوق: “نحن ندرس الحقوق في الجامعة، ونعلم جيدًا أن هذه التعديلات ستسلبنا القدرة على التمسك بحقوقنا القانونية.
ما يحدث هو تلاعب بالوعي الجماهيري وتقديم القانون على أنه حماية، بينما هو في الواقع تضييق على حرياتنا”.
النقاشات داخل البرلمان: هل هناك أمل؟
بينما تستمر جلسات النقاش في البرلمان، تظهر ملامح الرفض واضحة. أعضاء حزب الوفد، رغم أزماتهم الداخلية، يسعون إلى إسقاط هذه التعديلات أو على الأقل تقليص حجم تأثيرها السلبي على المواطن.
ويقول عضو في البرلمان “رفض ذكر أسمه”: “التعديلات بهذا الشكل لا يمكن قبولها. إذا أردنا حماية المجتمع، فعلينا أن نحمي حقوق المواطنين أولاً. ولا يمكن للحكومة أن تستمر في توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية على حساب الحقوق الأساسية”.
ويضيف: “الوفد يرفض أن يكون شاهد زور على تعديلات قانونية تسلب المواطن حقوقه. ونحن نعلم جيدًا أن هناك ضغوطًا سياسية لتمرير هذه التعديلات، ولكن مصلحة المواطن يجب أن تكون فوق كل اعتبار”.
ما هي الخطوة التالية؟
مع تصاعد الغضب الشعبي واستمرار النقاش داخل البرلمان، يبقى السؤال: ما هي الخطوة التالية؟ هل ستتراجع الحكومة عن هذه التعديلات تحت الضغط الشعبي؟ أم ستستمر في محاولتها فرض القانون دون اعتبار لحقوق المواطنين؟
الحقيقة أن الأمور لا تبدو سهلة في هذا السياق. يقول المحامي والناشط الحقوقي علاء فاروق: “إذا استمرت الحكومة في تجاهل الأصوات المعارضة، فإننا سنكون أمام مرحلة جديدة من التصعيد الشعبي.
والمواطنون لن يقبلوا بهذه التعديلات، وإذا تم فرضها بالقوة، فإن الاحتجاجات ستزداد. نحن أمام مشهد سياسي وقانوني معقد، حيث يلعب الفساد دورًا كبيرًا في تشكيل المستقبل”.
حكومة بلا غطاء شعبي
في نهاية المطاف، تبدو الحكومة في موقف صعب. فهي تحتاج إلى غطاء شعبي لتمرير هذا القانون، ولكن مع تصاعد الغضب والرفض الشعبي، يبدو أن هذا الغطاء مفقود.
وإن كانت الحكومة تراهن على الوقت وعلى الضغط السياسي، فإن المواطنين يرون أن حقوقهم على المحك، وأن المعركة ليست فقط حول تعديلات قانونية، بل حول مستقبلهم كأفراد في مجتمع تسوده العدالة والمساواة.
التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية ليست مجرد قضية قانونية، بل هي اختبار لقدرة الحكومة على التعامل مع المواطنين بشفافية واحترام لحقوقهم.
وإن تمرير هذه التعديلات قد يكون له عواقب طويلة الأمد، ليس فقط على النظام العدلي في مصر، بل على الثقة التي يضعها المواطنون في الحكومة وأجهزتها الأمنية.