حقوق وحريات

قانون الإيجار القديم في مصر: أزمة جديدة أم حل مستدام؟

بينما يشتعل الجدل في الأوساط السياسية والشعبية حول قانون الإيجارات القديم، تصاعدت الدعوات الشعبية لإلغاء القانون الذي وُصف بأنه أحد أركان الظلم الاجتماعي في مصر.

وينظر البعض إلى هذا القانون بوصفه تحميلاً غير عادل على ملاك العقارات، حيث يضمن للمستأجرين استمرارية الإقامة بعقود شبه أبدية وبإيجارات زهيدة جداً، في حين أن القيمة الحقيقية للعقارات شهدت تضاعفاً كبيراً على مدار العقود الماضية.

مقدمة الأزمة: قانون قديم في مواجهة واقع جديد

قانون الإيجارات القديم في مصر يعود إلى منتصف القرن العشرين، حيث أُقر حينها لحماية المستأجرين في ظروف اقتصادية كانت تتطلب تدخل الدولة لضبط سوق العقارات وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.

ومع مرور الزمن، ظل هذا القانون قائماً دون إجراء التعديلات الضرورية التي تواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية. اليوم،

وبعد ما يزيد عن سبعين عاماً، يراه كثيرون عبئاً على الملاك الذين يتعرضون لظلم صارخ بسبب الإيجارات المنخفضة، بينما يتمتع المستأجرون وأسرهم بنفس العقارات بأقل من قيمتها السوقية الحقيقية.

آراء المواطنين: ظلم صارخ أم حماية ضرورية؟

وفي هذا التحقيق الميداني، التقى فريق “أخبار الغد” مع العديد من المواطنين والمختصين لتسليط الضوء على جوانب مختلفة من القضية.

وبالحديث إلى أحمد شوقي، وهو مالك عقار قديم في وسط القاهرة، عبّر عن استيائه البالغ من القانون الحالي قائلاً: “أنا أملك عقارًا في قلب العاصمة، ولكن المستأجرين يدفعون لي أقل من خمسين جنيهًا شهريًا.

لا أستطيع حتى إصلاح المبنى بهذا المبلغ. ورثة المستأجرين لا يزالون يتمتعون بالشقق وكأنها ملكهم، في حين أنني لا أستطيع التصرف في ملكيتي.”

ومن ناحية أخرى، استعرض منى محمود، التي تسكن إحدى الشقق القديمة في حي الزمالك، الجانب الآخر من القصة. وقالت: “نعم، الإيجار منخفض، ولكنني أعيش هنا منذ أربعين عامًا. كيف لي أن أترك منزلي الآن وأذهب إلى مكان آخر حيث الإيجارات أعلى بأضعاف؟”

مطالبات بإلغاء القانون: هل الفساد أكبر من الدولة؟

بينما تتوالى شكاوى الملاك، تتصاعد مطالبات بإلغاء قانون الإيجار القديم باعتباره غير عادل وغير منطقي في الظروف الحالية.

ووفقًا لدراسة أعدها الخبير العقاري حسام عبدالرحمن، فإن “أكثر من 98% من مستأجري الإيجارات القديمة يمتلكون بدائل سكنية، سواء كانت شققًا أخرى، أو أراضي، أو عقارات، وحتى سيارات. لا يوجد مبرر لاستمرار هذا القانون في ظل توافر بدائل واضحة.”

وأضاف عبدالرحمن: “إلغاء هذا القانون ليس فقط مطلبًا شعبيًا، بل ضرورة وطنية لتنظيف البلاد من الفساد والمنتفعين الذين يستغلون صمت الدولة لتحقيق مكاسب غير مستحقة.”

مجلس النواب: دور غائب في التشريع؟

وفي خضم هذه المطالبات، يواجه مجلس النواب المصري اتهامات بالإهمال في التعامل مع القضية. وتساءل محمد علي، أحد الملاك المتضررين من قانون الإيجار القديم: “إذا كان مجلس النواب هو الجهة التشريعية، فلماذا لا يتحرك لحل هذه الأزمة؟

هل من المنطقي أن يظل النواب في انتظار الحكومة لإرسال قانون جديد للمناقشة، بينما يعاني آلاف المواطنين من ظلم هذا القانون؟”

ويتابع: “من الواضح أن هناك من يستفيد من استمرار الوضع على ما هو عليه. إذا لم يتحرك المجلس، فما هو دوره إذاً ؟”.

تداعيات الإيجار القديم: تآكل الثقة في الدولة والقانون

أحد الجوانب الأكثر خطورة في قضية الإيجار القديم هو تآكل الثقة بين المواطنين والدولة. يصف المحامي خالد منصور الوضع بأنه “سرقة مقننة برعاية الدولة”.

ويوضح قائلاً: “عندما يُسمح لورثة المستأجرين بالبقاء في الشقق بنفس الشروط القديمة دون دفع القيمة العادلة، فإن هذا يعد تعديًا على حقوق الملاك. هؤلاء الورثة لا يستطيعون وراثة معاش آبائهم، ولكنهم قادرون على وراثة شقق استأجرها آباؤهم قبل عقود بأقل من قيمتها.”

وبينما يستمر هذا الوضع، يتساءل الكثيرون عن دور الدولة في حماية حقوق الملاك. يقول أيمن مرسي، مالك لعقار في حي مصر الجديدة: “هل الفساد أكبر من الدولة؟ هل الفساد أكبر من الرئيس؟ نحن بحاجة إلى إنهاء هذا الظلم الذي تعرضنا له لسنوات طويلة. يجب أن يتدخل الرئيس والحكومة لوضع حد لهذه الأزمة.”

نجيب ساويرس: دروس من الأرجنتين

في سياق متصل، نشر رجل الأعمال نجيب ساويرس تغريدة عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا) مشيرًا إلى تجربة الأرجنتين التي قامت بإلغاء قوانين تحديد الإيجارات.

ووفقًا لساويرس، فإن هذا الإلغاء أدى إلى “زيادة المعروض من المساكن بنسبة 212%، كما انخفضت فوائد رهن العقارات بنسبة 26%.”

ويرى ساويرس أن هذه التجربة قد تكون مثالًا يحتذى به في مصر إذا ما أقدمت الحكومة على اتخاذ خطوة جريئة لإلغاء قانون الإيجار القديم.

إلى أين تتجه الأزمة؟

من الواضح أن قضية الإيجار القديم ليست فقط مسألة قانونية، بل إنها تمثل أزمة اجتماعية واقتصادية تهدد الاستقرار العقاري في مصر.

وفي ظل غياب التشريعات اللازمة لحل هذه القضية، تبقى الأزمة قائمة. الملاك يشعرون بالظلم والاستغلال، بينما يخشى المستأجرون من فقدان منازلهم في حال إلغاء القانون.

ولكن هل يمكن أن يكون الحل في تحقيق توازن بين حقوق الطرفين؟ هل يمكن أن تصدر الدولة قوانين تتيح تعويضًا عادلًا للمستأجرين مقابل إخلاء العقارات؟ أم أن الأزمة ستظل قائمة حتى يتحرك مجلس النواب والحكومة لإجراء تغييرات جذرية في هذا الشأن؟

نحو حل مستدام

بينما يستمر الجدل حول قانون الإيجار القديم، يبدو أن مصر بحاجة إلى حلول مبتكرة توازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.

وما هو واضح هو أن الوضع الحالي غير مستدام، ويحتاج إلى تدخل سريع وحاسم من الدولة لوضع حد لهذه الأزمة التي طال أمدها.

من المهم أن يأخذ المشرعون في الاعتبار تطورات السوق العقاري والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ إقرار القانون القديم. وفوق كل ذلك، يجب أن يكون الهدف هو تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الجميع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى