محور فيلادلفيا..غُصّة في حَلق نتنياهو ومصر حجر العثرة أمام ابتلاعه
وصفه بأنه شريان حياة حركة حماس وأنبوب أكسجين تتنفس من خلاله، هكذا استعرض رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو أسباب تمسكه بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة، في ظل توتر سياسي يتنامى يوما بعد يوم بين مصر وإسرائيل على خلفية هذا التعنت الذي يراه البعض مجرد حجة يُبرر بها نتنياهو فشله في تحقيق أهدافه العسكرية في غزة، ما ألقى الضوء تجاه الضفة الأخرى في مصر وانتظار كيفية تعاملها مع الصلافة الإسرائيلية ومن وراءها الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن نتنياهو يعلم أن استمرار الاحتلال في محور فيلادلفيا سيقابل برفض من مصر وحركة حماس لذلك يصر على البقاء به خلال المرحلة الأولى من الاتفاق؛ من أجل تعقيد الأمر ومواصلة تدمير غزة وقطع آمال الوصول إلى اتفاق أولى على الأقل، من أجل تخفيف معاناة أهل غزة ووقف إطلاق النار.
كما يرى البعض أن نتنياهو يعقد آمالا كبيرة على الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم التى قد تقصى كاميلا هاريس المحسوبة على إدارة بايدن التي لم تتجاوب مع مطالبه كما يريد، وتأتي بترامب الذي قد تتناغم مواقفه المتطرفة مع تعنت نتنياهو وتأييد مسألة البقاء بمحور فيلادلفيا كحجة لعدم الوصول إلى اتفاق مثلما حقق رغبة نتنياهو أثناء فترة رئاسته للولايات المتحدة واعتمد القدس عاصمة لإسرائيل في خطوة فاجأت الجميع.
مقترح جسر الهوة
تقدمت الإدارة الأمريكية مقترحا تحت عنوان “جسر الهوة” لتجاوز الخلاف بين إسرائيل وحماس والمضي نحو صفقة وقف إطلاق للنار، والذي ينص على توقف القتال لمدة ستة أسابيع في المرحلة الأولى وانسحاب الاحتلال من المناطق ذات الكثافة السكانية فقط في قطاع غزة، وهنا ألمحت اسرائيل استعدادها لخفض قواتها من محور فيلادلفيا نظرا لقربه من مدينة رفح، لكنها لم تعرب عن رغبة لسحب كامل قواتها منه وهو ما رفضته مصر وحماس بالكلية.
وبالتزامن مع تلك المقترحات واللغط الدائر من جانب الاحتلال وربيبته أمريكا عبّرت مصر علنا عن معارضتها لوجود قوات إسرائيلية في المحور كجزء من المرحلة الأولى للصفقة مشيرة إلى أنها أمّنت المحور بطريقة مناسبة، لكن في المقابل لم ترفض مصر بقاء بعض القوات الإسرائيلية في المرحلة الأولى، إن كانت هناك ضمانات من الولايات المتحدة بأنها ستغادر المحور في النهاية بغض النظر عن نتائج المرحلة الثانية.
كما طلبت القاهرة من الولايات المتحدة ضمانات مكتوبة بأن إسرائيل ستتوقف عن خوض الحرب إلى أجل غير مسمى ولن تعود أبدا إلى الممر أو معبر رفح على طول الحدود، حتى لو انهارت المرحلة الثانية من المفاوضات.
وتؤيد حركة حماس الموقف المصري وخروج الاحتلال من المحور خلال المرحلة الاولى لخوفها من أن المرحلة الثانية قد لا تحدث. ويقول مسؤولون أمريكيون إنهم غير متأكدين إن كان زعيم حماس، يحيى السنوار يريد وقفا للنار، مع أن قادة الحركة الميدانيين سيرحبون بفترة راحة من القتال.
محور فيلادلفيا وكامب ديفيد
يقع محور فيلادلفيا، الذي يسمى أيضاً “محور صلاح الدين”، على امتداد الحدود بين قطاع غزة ومصر، ويبلغ طوله 14 كم وعرضه 100م، ويخضع لاتفاقية السلام بين مصر و”إسرائيل” التي تعده “منطقة عازلة”.
وجاءت تلك الاتفاقية بعدما خاضت كل من مصر و”إسرائيل” حروباً عدة، كان آخرها عام 1973، قبل أن يوقعا اتفاقية سلام في 26 مارس 1979، بعد عام من توقيع معاهدة كامب ديفيد في 1978، بوساطة أمريكية.
وشهد محور فيلادلفيا على مَرّ السنوات الماضية، عديداً من النزاعات والصراعات والتحركات الأمنية، خاصةً في ما يتعلق بمحاولات إيقاف عمليات التهريب ونقل البضائع والأسلحة.
ووفقاً للاتفاقية، فإن المنطقة الحدودية التي تقع على الأراضي الفلسطينية، والتي أطلق عليها (د)، تخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية التي حددت بحسب الاتفاقية بكتائب مشاة، تصل إلى 180 مركبة مدرعة من الأنواع كافة، وطاقم مكون من 4 آلاف عنصر، إضافة إلى منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية.
ومنعت الاتفاقية وجود أي قوات مسلحة مصرية على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي أطلق عليها (ج)، وسمحت فقط للشرطة المدنية المصرية بأداء مهام الشرطة الاعتيادية بأسلحة خفيفة.
وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على المنطقة إلى حين انسحاب “إسرائيل” من قطاع غزة منتصف أغسطس 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
ونصت خطة “فك الارتباط” على “احتفاظ إسرائيل بوجود عسكري لها على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا)” في المرحلة الأولى؛ وذلك لتوفير الحماية الأمنية، التي قد تتطلب توسيع المنطقة التي تتم فيها النشاطات العسكرية، وجعلت الاتفاقية إخلاء المنطقة مشروطاً بالواقع الأمني والتعاون المصري في التوصل إلى اتفاق موثوق.
في سبتمبر 2005، تم توقيع “اتفاق فيلادلفيا” بين “إسرائيل” ومصر، الذي تعتبره الأولى ملحقاً أمنياً لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها.
ويتضمن اتفاق فيلادلفيا نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدر تلك القوات بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، ومهمتهم تتمحور فقط في مكافحة ما يسمى “الإرهاب” والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.
ومطلع مايو الماضي، ولأول مرة منذ العام 2005، توغلت آليات عسكرية إسرائيلية في الجانب الشرقي من “محور فيلادلفيا”، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، قبل أن تستكمل لاحقاً السيطرة الكاملة عليه.
وتحمل سيطرة “إسرائيل” على هذا المحور دلالات عدة تتعلق بتوازن القوى في المنطقة والتأثيرات المباشرة على الأمن القومي لكل من مصر وقطاع غزة.
وبعد إعلان إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا وتهديد نتنياهو بالبقاء فيه، تساءل البعض عما إذا كانت تلك الخطوة تخرق بنود اتفاقية السلام، وإذا ما كانت مصر قادرة على الإقدام على تعليقها.؟