ثقافة وفنون

قصر ثقافة طما .. سرقة المال العام والفساد المستشري تحت غطاء الثقافة

في خضم الأزمات المستمرة التي تعاني منها القطاعات الحيوية في مصر، يبرز الفساد الإداري والمالي كأحد أخطر التهديدات التي تواجه البلاد.

ومن المعروف أن الثقافة والفنون هم أساس بناء المجتمعات، لكن ما تكشفه مصادر موثوقة من أعلى هيئة ثقافية في مصر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، يُظهر أن الفساد قد ضلل الطريق إلى التقدم.

وأصبح لدينا مثالاً واضحًا للسرقة الجماعية للمال العام وفوضى في الإدارة، مما يستدعي وقفة حاسمة من جميع المعنيين.

الفساد في الهيئة العامة لقصور الثقافة .. ملابسات وأسباب

في ظل الفساد المستشري في بعض المؤسسات الحكومية، يبرز دور الهيئة العامة لقصور الثقافة كأحد الأماكن التي يفترض أن تكون حصنًا للثقافة والمعرفة.

يكشف موقع “أخبار الغد” النقاب عن سلسلة من الجرائم التي ارتكبت باسم الثقافة، ومن بينها قضية قصر ثقافة طما، الذي يكشف تفاصيله عن فضيحة فساد مالي وإداري، واستخدام النفوذ للاستيلاء على الأراضي المخصصة للأنشطة الثقافية.

مما يطرح تساؤلات حادة: كم قصر ثقافة سيتم بيعه حتى يتحرك المسؤولون؟ وكم من أموال الشعب ستُهدر في مستنقعات الفساد التي يغرق فيها بعض الموظفين، الذين حصلوا على مناصب لا يستحقونها؟

إن هؤلاء الفسدة يجمعون المال الحرام على حساب مقدرات الوطن، مما يُظهر استخفافًا بالمثقفين والمثقفات في المجتمع.

ومع ذلك، تشير التحقيقات الأخيرة إلى أن هذه المؤسسات ليست سوى وسيلة لنهب المال العام والاستيلاء على أملاك الشعب تحت غطاء الثقافة.

طلب إنشاء قصر ثقافة في طما .. أزمة جديدة

وعندما نتحدث عن الإهمال، فإن طلب النائب البرلماني السابق اللواء صلاح شوقي عقيل بإنشاء قصر ثقافة في مدينة طما يُبرز الفجوة الكبيرة بين احتياجات الجمهور والواقع المرير. فمدينة طما بحاجة ملحة إلى فضاء ثقافي، لكن الاستجابة من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة ما زالت مفقودة.

بداية القصة .. الحاجة إلى قصر ثقافة في طما

مدينة طما الواقعة في محافظة سوهاج، كانت منذ سنوات تحتاج إلى قصر ثقافة يخدم الأهالي ويعزز النشاط الثقافي في المنطقة.

بناءً على ذلك، قام النائب البرلماني السابق اللواء صلاح شوقي عقيل بتقديم طلب لوزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم، والذي بدوره خاطب كلًا من وزير التنمية المحلية الأسبق أحمد زكي بدر ومحافظ سوهاج الأسبق أيمن عبد المنعم، للاستجابة لرغبة أهالي طما.

وفي 22 يوليو 2018، تمت الموافقة على تخصيص قطعة أرض مساحتها 800 متر مربع في بندر طما لبناء قصر ثقافة.

وتم تسليم الأرض إلى فرع ثقافة سوهاج، حيث بذل العاملون جهودًا كبيرة للحفاظ على الأرض، وقاموا بإنشاء سور مؤقت لحمايتها، بالإضافة إلى بناء غرفة لاستضافة الأنشطة الثقافية والفنية.

فساد المال العام .. قصة الرشوة والتلاعب بالتخصيص

بينما كانت الأمور تسير على ما يبدو في طريقها الصحيح، ظهرت مؤشرات على محاولات للتلاعب بالقطعة المخصصة.

وتشير التحقيقات إلى أن أحد الأشخاص قد حاول الحصول على جزء من الأرض عن طريق تقديم رشوة قدرها مليون جنيه.

إلا أن هذا العرض قوبل بالرفض القاطع. لكن رفض الرشوة لم يكن نهاية القصة، بل بداية لتحركات جديدة لأطراف أخرى تبحث عن فرص الاستيلاء على الأرض.

علم “الخبثاء” بالرشوة المقدمة، وبدأوا في الالتفاف حول الموقف. كانت خطتهم تهدف إلى تمكين الشخص الذي عرض الرشوة من الاستيلاء على الأرض بأكملها، وليس فقط جزءًا منها.

وفي هذا السياق، قام “محمد نبيل”، رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي آنذاك، برفض كل العروض المشبوهة.

ورغم هذا الرفض، تمكن المتورطون من تحويل الأمور لصالحهم بطرق قانونية ظاهرية، لتجنب أي اتهامات مباشرة.

الخطة الجهنمية .. إلغاء التخصيص

الخطوة التالية في عملية الفساد كانت أكثر دهاءً. تم تمرير قرار في المجلس التنفيذي للمركز والمحافظة، يقضي بإلغاء تخصيص الأرض لعدم التمكن من البناء.

وتم تمرير القرار بسرعة وبصورة روتينية في الاجتماعات، دون أن يفهم الكثير من الحضور أبعاده الحقيقية.

ومع مرور الوقت، وصل القرار إلى رئاسة مجلس الوزراء، الذي أصدر قرارًا رسميًا بإلغاء تخصيص الأرض بتاريخ 4 فبراير 2021.

وهذا القرار، الذي صدر من أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، لم يترك مجالًا لأي شخص للطعن أو التشكيك في إلغاء التخصيص.

وكان الهدف النهائي واضحًا: إزالة العقبات القانونية والاستيلاء على الأرض بطريقة مشروعة ظاهريًا، ولكنها ملوثة بالفساد والتواطؤ.

كيف تم إخفاء الجريمة؟

تم إخفاء الجريمة ببراعة. بعد إلغاء التخصيص، أصبح من المستحيل توجيه أي اتهام مباشر لأشخاص بعينهم، لأن القرار كان صادرًا عن رئاسة مجلس الوزراء.

وهكذا، استطاع المتورطون، من بينهم “هـ. ع.” و”و. ر.”، بالتعاون مع مسؤول كبير في الهيئة العامة لقصور الثقافة يدعى “ض. م.”، تنفيذ خطتهم بإحكام.

وهذا الشخص الأخير، “ض. م.”، كان له دور رئيسي في رسم الخطة والتأكد من تنفيذها بدون أي عراقيل.

وبعد نجاح الخطة، تم مكافأة “هـ. ع.” بوعد بتعيينه مديرًا عامًا لإقليم وسط الصعيد الثقافي، وتم إخفاؤه عن الأنظار في منصب مدير أحد القصور الثقافية المغمورة.

بينما تمت ترقية “ض. م.” إلى منصب أعلى في الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث استمر في ممارسة نفوذه حتي وقتنا هذا.

تداعيات الكارثة .. تدمير الثقافة وإهدار المال العام

تُظهر هذه الحادثة كيف يتم تدمير البنية الثقافية في مصر من خلال التلاعب الإداري والفساد.

بينما يُفترض أن تكون قصور الثقافة مراكز للأنشطة الثقافية والإبداعية، أصبحت بدلاً من ذلك وسيلة للثراء غير المشروع على حساب مقدرات الوطن.

والأطفال والشباب الذين يُفترض أن يستفيدوا من هذه المؤسسات حُرموا من فرصتهم في التعلم والإبداع، لأن بعض الموظفين الفاسدين يسعون إلى جمع الأموال الحرام بأي وسيلة.

نداء إلى وزير الثقافة .. اضرب بيد من حديد

في ظل هذه الكارثة، أصبح من الضروري أن يتدخل وزير الثقافة بشكل عاجل وحاسم.

نحن وجه المثقفين وعلي رأسهم مواطني مركز ومدينة طما نداءً قويًا إلى الوزير الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة اضرب بيد من حديد على هؤلاء الفاسدين، واقضِ على هذه الشبكات التي تستغل منصبها لإهدار المال العام.

نحتاج إلى تطهير الهيئة العامة لقصور الثقافة من الفساد، وإعادة بناء ثقة الشعب في مؤسسات الدولة.

لا يكفي أن نكتفي بالكشف عن هذه الجرائم. يجب أن يكون هناك إجراءات حاسمة لمحاسبة المتورطين وتقديمهم للعدالة. نحن نقف خلفك في هذه المعركة، وندعو جميع الشرفاء في الحكومة والمجتمع للوقوف إلى جانبك.

معًا لإنقاذ الثقافة

إن الفساد الذي استشرى في قصر ثقافة طما وغيره من القصور هو علامة على أن هناك أزمة أكبر تواجه الثقافة في مصر.

وإذا لم نتخذ إجراءات عاجلة وحاسمة لمواجهة هذا الفساد، فإن مستقبل الأجيال القادمة في خطر.

يجب أن نعمل معًا لإنقاذ ما تبقى من مؤسساتنا الثقافية، وضمان أن تكون هذه المؤسسات منارات للمعرفة والإبداع، وليس أدوات لجمع المال الحرام.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى