أزمات حزب الوفد تتصاعد .. قيادات تتبرع ورواتب معلقة
شهد يوم الخميس الماضي، واحدًا من أكثر الأيام سوادًا على العاملين والموظفين في حزب الوفد .. بعد فترة طويلة من الانتظار والترقب، تنفّس الموظفون الصعداء مع إعلان قيادات الحزب عن تبرعات بمبالغ تُغطي رواتبهم المتأخرة.
لكن الأمل سرعان ما تحوَّل إلى صدمة عندما أصدر رئيس مجلس إدارة صحيفة الوفد الدكتور أيمن محسب تعليمات مفاجئة تقضي بوقف صرف الرواتب، مُثيرًا بذلك زوبعة من الغضب والدهشة بين موظفي الحسابات.
فهذا اليوم الذي يمكن وصفه باليوم الأسود للموظفين والعاملين في الحزب شهد انفجاراً للفساد المالي والإداري، الذي بات يطغى على المشهد داخل الحزب.
فما حدث لم يكن مجرد تعثر عابر، بل تحوّل إلى أزمة حقيقية، حيث ظهر النفوذ المتزايد لرجل الأعمال وعضو مجلس النواب، أيمن محسب، الذي أصبح شخصية محورية في هذه الأزمة.
تأخر الرواتب .. واقع مرير
لطالما كانت مشكلة تأخر صرف الرواتب واحدة من القضايا المثيرة للاستياء داخل الحزب، والتي تزايدت مع مرور الوقت.
حيث يُعاني عدد كبير من الموظفين من ضغوط مالية بسبب تأخر الرواتب، مما أثر على قدرتهم على تغطية احتياجاتهم الأساسية. وهؤلاء الموظفون ليسوا فقط موظفين، بل هم أعمدة أساسية للحزب، وقد قدموا لدعمه طاقاتهم ووقتهم.
تبرعات قيادات الحزب .. بصيص من الأمل
خلال الأيام الثلاثة الماضية، أعلن عدد من قيادات حزب الوفد عن تبرعات بمبالغ تتيح صرف الرواتب المتأخرة للموظفين.
حيث اجتمع الأمل بين العاملين بالتحسن في الأوضاع المالية، مما جعل الأمر يبدو وكأنه بداية لتغيير إيجابي. كتب العديد من الموظفين في الحزب عن ذلك معتبرين أن تلك التبرعات تعكس روح التضامن والتعاون بين قيادات الحزب.
فاجعة وقف الرواتب .. أمل يتحول إلى خيبة
ومع ذلك، تأتي الصدمة عندما أصدر أيمن محسب تعليماته بإيقاف صرف الرواتب. هذا القرار قوبل باستنكار كبير من الموظفين، حيث اعتادوا على أن تُعطى تلك التعليمات من أمين الصندوق وليس من رئيس مجلس الإدارة. يشعر الموظفون بأنهم خُدعوا بعد كل تلك الوعود بالتبرعات، وأصبحوا يواجهون واقعًا مُرًا مرة أخرى.
ويقول أحد الموظفين، الذي طلب عدم ذكر اسمه: “كنا نأمل في تحسين أوضاعنا، لكن هذا القرار الجائر جعلنا نشعر بالتجاهل. كيف يُمكن لأحد غير مسؤول أن يتدخل في شؤوننا المالية!”
التلاعب المالي .. أيمن محسب يوقف صرف الرواتب
بدأت الفضيحة بتوجيه مفاجئ أصدره أيمن محسب، الذي يُدين لحزب الوفد بمبلغ 12 مليون جنيه، إذ طالب موظفي الحسابات بوقف صرف رواتب الموظفين.
جاء هذا القرار بعد أن تمكن عدد من قيادات الحزب من التبرع بمبالغ مالية لتغطية رواتب العاملين المتأخرة. ومع تجهيز كشوف الرواتب، تلقى الموظفون تعليمات من محسب بتجميدها وتحويل الأموال إلى الجريدة التي يديرها.
ما أثار غضب العاملين هو أن أيمن محسب ليس له سلطة رسمية داخل الحزب لتوجيه مثل هذه التعليمات، إذ أن هذه المسؤولية تقع على عاتق أمين الصندوق.
ولكن محسب، بدعم غير مسبوق من رئيس الحزب عبد السند يمامة، بدا وكأنه يمتلك الصلاحيات الكاملة للتحكم في مصير الموظفين ورواتبهم.
عبد السند يمامة .. شريك في الأزمة
عندما حاول موظفو الحسابات الاستفسار عن صلاحيات محسب في إصدار هذا الأمر، جاء الرد من رئيس الحزب عبد السند يمامة، حيث أكد لهم بشكل صادم أن عليهم تنفيذ ما طلبه محسب قائلاً: “نفذوا تعليمات دكتور أيمن”.
وهذا الرد أثار المزيد من الشكوك حول طبيعة العلاقة بين يمامة ومحسب، حيث بدا أن يمامة لا يعترض على أي خطوة يقوم بها محسب، بل يقدم له دعماً غير مشروط.
اللافت هنا هو التحول في دور عبد السند يمامة، الذي أصبح يظهر وكأنه يتلقى أوامره من محسب، في حين أن الفتى المدلل، كما يُطلق عليه، بات هو الرئيس الفعلي للحزب، يدير شؤونه بقبضة حديدية.
أين ياسر حسان ؟ غياب أمين الصندوق الرسمي
أين ياسر حسان، أمين الصندوق المنتخب، من هذه الأحداث؟ سؤال يتكرر بين موظفي الحزب وأعضاء الوفد. فحسان، الذي من المفترض أن يكون المسؤول عن الأمور المالية، بات بلا صلاحيات تذكر، حيث تم إقصاؤه فعلياً من أي دور فعّال داخل الحزب.
وبالرغم من أن الموظفين يتبعونه قانونياً، إلا أن التعليمات تأتي من أيمن محسب الذي يبدو أنه سيطر تماماً على الصندوق وعلى موارد الحزب.
يواجه ياسر حسان ضغوطاً هائلة من أعضاء الوفد للتدخل والدفاع عن حقوق الموظفين، إلا أن صمته الطويل بات يشير إلى أنه عاجز عن مواجهة النفوذ المتزايد لمحسب ويمامة، مما يجعله في موقف ضعيف، ويثير التساؤلات حول مستقبله في الحزب.
الجريدة التي أصبحت ملكية خاصة
أبرز ما يثير الدهشة في هذا الصراع هو تعامل أيمن محسب مع جريدة “الوفد”، التي أسسها فؤاد سراج الدين عام 1984 كمنبر صوت الوفديين.
إلا أن محسب، الذي يدير الجريدة، أظهر رغبة واضحة في تحويلها إلى “ملكية خاصة”، حيث صرّح بأن “الجورنال بتاعي”، ما دفع العديد من الصحفيين والعاملين في الجريدة للتساؤل: كيف أصبحت جريدة الوفد، التي بنيت بأموال وجهود الوفديين، ملكاً لرجل واحد؟
الأسئلة حول العلاقة الغامضة
باتت العلاقة بين أيمن محسب وعبدالسند يمامة تمثل لغزاً حقيقياً يستدعي التدقيق. وكيف لرجل يُدين للحزب بمبلغ 12 مليون جنيه أن يحصل على مثل هذه الصلاحيات الواسعة؟ ولماذا يكتفي عبد السند يمامة بتنفيذ أوامره بلا اعتراض؟
تتصاعد الدعوات داخل الحزب وخارجه لفتح تحقيق شامل من قبل الأجهزة الرقابية لكشف تفاصيل هذه العلاقة الغامضة.
فالشكوك تتزايد حول احتمالية وجود مصالح مشتركة أو صفقات غير معلنة بين الطرفين، وهو ما يجعل هذا الملف واحداً من أكثر القضايا إثارة للجدل في الأوساط السياسية والإعلامية.
الموظفون يدفعون الثمن
في وسط هذا الصراع، يُترك الموظفون والعاملون في الحزب يواجهون مصيرهم المجهول. الرواتب المتأخرة وتجميدها بأوامر محسب تزيد من معاناتهم اليومية.
هؤلاء الموظفون، الذين يعملون بجد واجتهاد لتسيير شؤون الحزب، يجدون أنفسهم في مواجهة نظام إداري مختل، حيث لا يُسمع صوتهم ولا تُحترم حقوقهم.
الدور المطلوب من الأجهزة الرقابية
الآن، تتجه الأنظار نحو الأجهزة الرقابية لكشف حقيقة ما يجري داخل حزب الوفد. لا يمكن تجاهل الأسئلة التي تتعلق بعلاقة محسب بيمامة، ولا يمكن التساهل مع التلاعب المالي الذي يضر بمصالح الحزب وموظفيه. إن الشفافية والمحاسبة هما السبيل الوحيد لاستعادة الثقة داخل الحزب وللحفاظ على تاريخه العريق.
الأزمة تتفاقم .. من يتحمل المسؤولية؟
تمثل هذه الحادثة نموذجًا للارتباك والضياع التنظيمي داخل حزب الوفد. تكشف عن التوجهات غير الواضحة في القيادة وغياب التنسيق بين الأعضاء، مما يؤدي إلى تساؤلات حول كيفية إدارة الميزانية وكيفية اتخاذ القرارات الهامة.
وفي هذا الصدد، يُؤكد أحد المختصين في الشؤون السياسية، “أدهم عمر” أن: “وجود قادة يقومون بالتبرع بمبالغ كبيرة في الوقت الذي يُعاني فيه الحزب من أزمة مالية يجعلنا نتساءل عن جدوى تلك التبرعات. هل هي مجرد استعراض للقوة، أم تعبير عن أزمة حقيقية تتطلب حلولاً جذرية؟”
ردود الأفعال .. النقد والرفض
تفاعلاً مع الأحداث، انتشرت ردود أفعال متباينة على مستويين: المستوى الداخلي في الحزب، والمستوى الخارجي من قبل المهتمين بالشأن السياسي.
حيث انتقد العديد من الموظفين القرار بشدة، مُعتبرين أنه يعكس حالة من الفوضى الإدارية وانفصال القيادة عن هموم العاملين.
كما قام بعض المثقفين والسياسيين بإصدار تصريحات تدين هذا القرار. حيث اعتبرت “د. ن.” أن هذا الأمر يُمثل خيانة للموظفين الذين يعتبرون أساس نجاح أي حزب.
استغاثة الموظفين .. تطلعات بتحسين الأوضاع
تضاعفت مُعاناة الموظفين رغم محاولاتهم المستمرة للتحدث مع قيادات الحزب والبحث عن حلول. تطورت هذه المطالبات إلى استغاثات جماعية من قبل الموظفين، حيث انتشرت في الأيام الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأطلق العاملون في الحزب وسم يناشدون فيه القيادات لطرد الفساد المُستشري، مطالبين بحل سريع لأزمة الرواتب.
أمانة الصندوق .. ضرورة إعادة التقييم
يتطلب الوضع الحالي تدخلًا عاجلًا من قِبَل أمانة الصندوق في الحزب لإعادة النظر في قرار وقف الرواتب وإعادة مراجعة الحالات المالية. من الضروري أن يتم تقويم الوضع الراهن بدقة ورسم خطة واضحة لإدارة الموارد المالية بشكل فعّال.
يؤكد مصدر رفيع المستوي في حزب الوفد علي أنه “يجب أن نكون أكثر شفافية وإجابةً لمطالب موظفينا. إن ترك هذه الأوضاع بدون معالجة سيؤدي بالمخاطر إلى نتائج كارثية.”
الحلول الممكنة .. الطريق نحو الاستقرار
للتغلب على هذه الأزمات، يتوجب على حزب الوفد اتخاذ عدد من الخطوات الحاسمة:
الشفافية في إدارة الأموال: تطبيق نظام واضح للمعاملات المالية ومعرفة كيفية صرف التبرعات وميزانية الرواتب.
تفعيل دور أعضاء الحزب: ضرورة العمل على إشراك جميع الأعضاء في أي قرار مالي يخص الحزب.
تحقيق مطالب الموظفين: إجراء حوار بناء مع الموظفين للإحاطة بمشاكلهم والعمل على حلها بشكل سريع.
إنشاء خطة إنقاذ مالي: تحتاج القيادة لابتكار خطة انقاذ مالي تمكّن الحزب من الخروج من هذه الدورة السيئة وتحسين الوضع المالي.
مستقبل حزب الوفد في الميزان
ما يجري داخل حزب الوفد اليوم هو أكبر من مجرد أزمة مالية عابرة. إنه يمثل اختباراً حقيقياً لمستقبل الحزب وقدرته على الصمود أمام الفساد والتلاعب.
ويجب على قيادات الحزب وأعضائه التحرك بسرعة لحل هذه الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها. الموظفون والعاملون يستحقون أن تُحترم حقوقهم، والجريدة التي أسسها الوفديون يجب أن تظل منبراً حراً يعبر عن صوتهم، لا ملكية خاصة لشخص واحد.
وسيظل السؤال الأهم: متى ستتحرك الأجهزة الرقابية؟ ومتى سيكشف لنا الزمن حقيقة ما يجري داخل كواليس حزب الوفد؟
خطوات نحو مستقبل أفضل
في ظل الأوضاع الراهنة، يبقى مستقبل حزب الوفد تحت تهديد الفوضى الإدارية والفساد. تتطلب الأزمة تضافر الجهود والوعي بضرورة الإصلاح الداخلي. لا خيار أمامهم سوى العمل الجاد والالتزام بالمبادئ الأساسية لتحقيق النجاح.
فقط من خلال الشفافية والإصلاح يمكن لحزب الوفد أن يستعيد مكانته بين الأحزاب السياسية ويحقق آمال مواطنيه،
حيث إن استمرار الفوضى والفساد سيؤدي الى انهيار الثقة وإضعاف الحزب بطرق تؤثر على وجوده في الساحة السياسية. والأمر يتطلب العمل من جميع الأطراف لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن.