نهر الفساد في جريدة الوفد .. كيف تحولت المحاسبة إلى أداة للتنكيل
ومازال نهر الفساد يجري داخل أروقة جريدة الوفد وبوابتها الإلكترونية، ظهرت فضيحة جديدة تعكس الفساد المالي والإداري المتفشي.
وموقع “أخبار الغد” كشف عن تفاصيل محاولة عزل الصحفيين ياسر إبراهيم، رئيس قسم الحوادث، وأشرف شبانة، رئيس قسم التصوير، استنادًا إلى تهم مشكوك في صحتها تتعلق بنشر قصة إنسانية استغاثت بها إحدى السيدات.
وهذه الأزمة كشفت عن مشهد معقد من التلاعب، وتزوير التواقيع، وإهدار حقوق الصحفيين.
القصة الإنسانية .. بداية الفخ
بدأت الحكاية عندما عرض الزميل أشرف شبانة على ياسر إبراهيم استغاثة قدمتها إحدى السيدات بشأن تعرضها لموقف يتطلب تدخل إعلامي.
وقاد ياسر إبراهيم تحقيقًا استمر لمدة 15 يومًا للتأكد من صحة ادعاءات السيدة، واستطاع توثيقها من خلال محضر شرطة، تقرير طبي، وتسجيلات صوتية ومصورة.
وفي 7 يونيو 2024، نُشرت القصة فى جريدة وبوابة الوفد الإلكترونية، ولم يكن هناك أي مؤشر على أن هذه القصة ستصبح مصدرًا لأزمة تهدد مستقبل الصحفيين.
مواجهة مفاجئة .. تهديد بالملاحقة
بعد نشر القصة، حضرت عائلة صاحبة الاستغاثة إلى مقر الجريدة لتكذيب ما تم نشره، وادعت أن الزميل أشرف شبانة لديه خصومة معهم بسبب علاقة مصاهرة.
وفور علمه بذلك، سارع ياسر إبراهيم إلى إبلاغ رئيس تحرير الجريدة السابق، الدكتور وجدي زين الدين، وطالب بتوضيح الحقيقة.
غير أن الدكتور وجدي تمسك برواية الطرف الآخر وقرر نشر توضيح يبرز وجهة نظر العائلة دون منح الصحفيين حق الدفاع.
اتخاذ القرار .. عزل وتنكيل
في اليوم التالي، فوجئ ياسر إبراهيم وأشرف شبانة بقرار عزلهما من مناصبهما. لم يكن هذا القرار مجرد إجراء إداري عادي؛ فقد تم إيقاف مقالات ياسر إبراهيم الأسبوعية،
كما تمت إحالتهما للتحقيق داخل الجريدة، وأُرسل خطاب إلى نقابة الصحفيين لاستدعاء ممثل عنها لحضور الجلسة.
وتلك الإجراءات أكدت أن هناك نية مبيتة للتنكيل بهما، خاصة بعد أن ثبت أن قصة الاستغاثة تم توثيقها بشكل صحيح.
التحقيق والتلاعب .. تزييف الحقائق
وفي 23 يونيو 2024، تم عقد جلسة التحقيق بحضور محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين، ومحامٍ من النقابة. قدم ياسر إبراهيم كافة المستندات الداعمة لقصته،
وأكد أن نشره تم بناءً على وقائع موثقة قانونيًا، كما نفى علاقته بأي صلة قرابة بين أشرف شبانة وعائلة صاحبة الشكوى.
والتحقيق كشف عن تلاعب واضح في القضية، إلا أن إدارة الجريدة، بقيادة الدكتور وجدي زين الدين، كانت مُصرة على المضي قدمًا في التوصية بفصل الصحفيين.
فضيحة التوقيعات .. تزوير واضح
من الأمور التي زادت من تعقيد الأزمة هو إرسال خطاب إلى نقابة الصحفيين بتوصية بفصل ياسر إبراهيم وأشرف شبانة، والذي تبين فيما بعد أنه خطاب مزور.
جاء في الخطاب أن الدكتور وجدي زين الدين هو من وقع عليه، لكن بعد تحريات النقابة، ثبت أن التوقيع مزيف.
وتم إحالة الأمر إلى الشؤون القانونية في النقابة، وتم إخطار النيابة العامة للتحقيق في هذا التزوير.
ولكن الغريب في الأمر أن إدارة الجريدة واصلت الضغط على الصحفيين رغم انكشاف التلاعب.
غلق الملف .. أو الفصل؟
بعد جلسة التحقيق، تدخل عضو مجلس نقابة الصحفيين، وطالب رئيس تحرير الجريدة السابق الدكتور وجدي زين الدين بإغلاق الملف بشكل نهائي.
وفي البداية، وافق الدكتور وجدي على هذا الاقتراح، وأكد أنه سيتم تسوية الأمر مع رئيس مجلس الإدارة الدكتور أيمن محسب والمستشار القانوني للجريدة.
إلا أن الصدمة جاءت عندما أكد المستشار القانوني للجريدة أن هناك توصية من رئيس مجلس الإدارة بفصل الصحفيين بمجرد انتهاء التحقيق، ما يكشف عن وجود خطة مسبقة للتخلص منهما.
نقابة الصحفيين تتدخل .. رفض التوصية بالفصل
وفي 1 يوليو 2024، تلقى ياسر إبراهيم وأشرف شبانة خطابًا رسميًا من نقابة الصحفيين يفيد برفض توصية الفصل التي أصدرتها الجريدة.
والنقابة طالبت إدارة الوفد بتسوية الأمر خلال 60 يومًا وفقًا للقانون، الذي يحدد العقوبات على الصحفيين بشكل تدريجي، بدءًا من لفت النظر، مرورًا بالخصم من الراتب، وصولًا إلى الإنذار بالفصل.
لكن إدارة الوفد تجاهلت هذه المطالب، وأصرّت على قرار الفصل، مما أثار مزيدًا من الاستياء والغضب بين الصحفيين.
نهاية أم بداية جديدة للصراع؟
تواصل إدارة جريدة الوفد الضغط على الصحفيين، ورغم انكشاف التلاعب والتزوير، إلا أن الجريدة تصر على إتمام إجراءات الفصل.
وتبقى الحقيقة الواضحة هي أن الصحفيين ياسر إبراهيم وأشرف شبانة ضحايا لتلاعب داخلي في مؤسسة إعلامية يفترض بها أن تدافع عن الحق وتناصر الصحفيين، لكن بدلاً من ذلك، أصبحت أداة للتنكيل بهم.
استنتاج .. هل يمكن إصلاح الفساد المتجذر؟
وهذه القضية ليست مجرد نزاع بين صحفيين وإدارة، بل هي انعكاس لمدى الفساد المتجذر في المؤسسات الإعلامية المصرية.
وإذا لم تتدخل الجهات القانونية والنقابية بشكل حاسم، فإن هذا النهر من الفساد سيستمر في التدفق، وسيكون مصير الصحفيين المهنيين التهميش والتنكيل.