ثقافة وفنون

فساد وإهدار مال عام في مؤتمر إقليم وسط الصعيد “مرجعية التراث الثقافي وإشكالية التجريب”

شهد مؤتمر “مرجعية التراث الثقافي وإشكالية التجريب في إقليم وسط الصعيد” جدلاً واسعًا عقب حديث عدد من الموظفين والمختصين عن قضايا فساد مالي وإداري وإهدار للمال العام.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد“يستعرض الأحداث الأخيرة حول مؤتمر “مرجعية التراث الثقافي وإشكالية التجريب في إقليم وسط الصعيد”،

وأشار مثقفون ومختصون في المجال الثقافي إلي اتهامات فساد وإهدار المال العام .. فقد تركز النقاش حول كيفية إدارة الموارد الثقافية وأهمية وجود آليات رقابة فعالة لضمان الشفافية. مما ألقى بظلال قاتمة على مصداقية هذا الحدث الثقافي.

أصوات المنتقدين .. إهدار المال العام

أبدى مجموعة من الموظفين في وزارة الثقافة استيائهم من الأوضاع الراهنة، مُشيرين إلى أن الأموال المخصصة للمشاريع الثقافية تُهدر دون أي عائد ملموس.

ويقول محمود شوقي، محلل ثقافي وناشط حقوقي: “لدينا مشاريع ثقافية متوقفة تحتاج إلى تمويل، لكن الأموال تُصرف على أنشطة لا تحقق أي نتائج تذكر.”

كما عزا المختصون ذلك إلى غياب الرؤية الواضحة للعمل الثقافي، حيث انتقد الباحثون غياب الشفافية في توزيع الميزانيات والمعايير غير الواضحة التي تحكم صرف الأموال.

وتقول الدكتورة شيرين عادل، أستاذة الثقافة الشعبية: “يجب أن تكون هناك آلية محاسبة واضحة تضمن أن كل قرش يُنفق يُحقق عائدًا إيجابيًا على المجتمع.”

الانعكاسات السلبية على المشهد الثقافي

الفساد المالي المُشار إليه خلال المؤتمر له تأثيرات مباشرة على المشهد الثقافي في الصعيد. فبينما يُظهر التراث الثقافي تاريخ وهوية المنطقة، فإن إهماله بسبب التجارب غير المُجدية يؤدي لفقدان الأمل لدى الشباب.

وقد أظهرت بعض الإحصاءات أن نسبة كبيرة من مشاريع التراث الثقافي لا تُحقق الأهداف المرجوة، مما يُفسر تراجع الاهتمام بالمشروعات الثقافية في إقليم وسط الصعيد.

الدعوات للتغيير .. ضرورة الشفافية والرقابة

دعا العديد من المشاركين في المؤتمر إلى ضرورة إدخال إصلاحات حقيقية لضمان الشفافية والمساءلة. حيث اعتبر الأكاديميون أن الحلول يجب أن تشمل تطوير آليات التقييم المجتمعي للمشروعات الثقافية، وفتح المجال أمام صوت الجمهور في اتخاذ القرارات.

وقالت الدكتورة نجلاء توفيق، مُديرة إحدى الجمعيات الأهلية: “لسنا بحاجة فقط لمؤتمرات تناقش الثقافة، بل نحن بحاجة إلى إجراءات فعلية. إن الوصول إلى مجتمع ثقافي مزدهر يتطلب قناعة بأن كل مشروع يتم تنفيذه يجب أن يكون جزءًا من خطة مُحكمة تشمل جميع الأطراف.”

دعوة للتصفيق .. مسرحية أم مؤتمر ثقافي؟

محمد عبدالغني

أحد أبرز النقاط المثيرة التي أثارها محمد عبدالغني، مدير إدارة التدريب لدى هيئة قصور الثقافة، كان الانتقاد الحاد لجو الاحتفال بالافتتاح.

وذكر عبدالغني أن التصفيق دعا إليه حوالي عشر مرات، مما جعل الحضور يشعرون وكأنهم في برنامج فكاهي مثل “ساعة لقلبك”، وليس في مؤتمر ثقافي يُفترض أن يكون جاداً ومهنياً. يبدو أن التصفيق لم يكن سوى ستاراً لتغطية هشاشة المؤتمر وانعدام التركيز على المضمون.

الفوضى التنظيمية .. اندلاق القهوة والشاي

من الغريب أن أبرز حادثة في اليوم الأول لم تكن علمية أو ثقافية، بل حادثة “اندلاق القهوة أو الشاي” على مائدة كبار الضيوف في الصف الأول. هذه الحادثة أثارت لغطًا وأصواتًا في القاعة،

مشيرين إلى أن المؤتمر شهد انزلاقًا تنظيميًا لا يتناسب مع حجمه المفترض. تجاهل كبار المسؤولين لهذه الحادثة وعدم اعتذار من الجهة المنظمة أضاف عنصرًا آخر من الفوضى إلى الحدث.

تعيين محمود مسلم برئاسة مؤتمر التراث .. صدمة المثقفين

أثار تعيين محمود مسلم رئيسًا لمؤتمر “مرجعية التراث الثقافي وإشكالية التجريب في إقليم وسط الصعيد” استياءً واسعًا بين الأدباء والمثقفين في محافظتي أسيوط وسوهاج.

وعبر الأدباء عن انزعاجهم الشديد، مشيرين إلى أن محمود لا ينتمي لعالم الأدب ولم يكتب أي عمل في مجال الشعر أو القصة.

ويعتبر البعض أن تعيينه يعكس تهميشًا للكفاءات الأدبية الحقيقية في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول معايير اختيار القيادات الثقافية، خاصة في ظل وجود شخصيات أدبية مرموقة تستحق هذا الدور بجدارة.

رئيس المؤتمر .. هل يغلب الطابع الشخصي؟

خلال الافتتاح، تحدث محمود مسلم رئيس المؤتمر بكلمات غريبة، قائلاً في رد على مقدم الحفل الذي وصفه بأنه من أسيوط: “أنا لست من أسيوط، أنا من سوهاج.”

وهذه العبارة كانت غير مهنية ولا تتناسب مع روح المؤتمر، وأثارت تساؤلات حول ما إذا كان هناك انحياز مكاني أو قبلي يؤثر في تعيين الشخصيات القيادية في مثل هذه الأحداث.

غياب الأدباء المحليين: تهميش متعمد أم إهمال فادح؟

أثار غياب الشخصيات الأدبية البارزة من محافظتي أسيوط وسوهاج عن مؤتمر “مرجعية التراث الثقافي وإشكالية التجريب” العديد من التساؤلات حول الإهمال المتعمد.

بالرغم غنى المنطقة بأسماء أدبية مرموقة، تم تجاهلها بالكامل، مما أدى إلى استياء واسع بين المثقفين المحليين.

ويُنظر إلى هذا الغياب على أنه إشارة إلى تهميش الأدباء الحقيقيين لصالح شخصيات لا تمتلك الخبرة أو التأثير الأدبي المطلوب،

ما يعكس انعدام الشفافية في تنظيم المؤتمر ويعزز الشكوك حول وجود فساد إداري في اختيار المشاركين.

وهذا التجاهل الغريب للطاقات المحلية، على الرغم من التدريب المكثف الذي قدمته الإدارة المركزية للتدريب، يثير الشكوك حول نية إدارة المؤتمر في تعزيز الشفافية أو تمكين الإعلاميين المحليين.

أبحاث بعيدة عن العنوان الرئيسي للمؤتمر

الكثير من الحضور لاحظوا أن بعض الأبحاث المقدمة في المؤتمر لم تكن لها علاقة بموضوعاته الأساسية. عبد الغني نفسه تساءل: “أين هو التراث؟ وأين هو التجريب؟”.

وذكر أن العديد من الأبحاث المقدمة لم تتناول أيًا من المحاور الأساسية للمؤتمر، مما يؤكد أن الحدث كان مجرد واجهة ترويجية بحتة، تخدم مصالح شخصية أكثر من كونها تصب في دعم الثقافة والفكر.

وليد حشمت: التساؤلات حول رئيس المؤتمر

وليد حشمت، رئيس نادي الأدب المركزي لفرع ثقافة أسيوط، تساءل بصراحة عن سبب عدم اختيار شخصية من أسيوط لرئاسة المؤتمر.

وقال: “هل لا توجد شخصية من أسيوط تستحق أن تكون رئيساً للمؤتمر؟”، مضيفًا أن هذا التجاهل هو نوع من الإهانة لمكانة المحافظة التي استضافت الحدث. هذا الانتقاد يعزز الرؤية بأن هناك توجهات غير شفافة في عملية اختيار القادة في مثل هذه المؤتمرات.

مشهد الفشل الثقافي: الثقافة تعادي نفسها

صبري ممدوح

المحلل الثقافي صبري ممدوح وصف المشهد الثقافي الحالي بمصر بأنه مشهد مشوّه، أشبه بفرح شعبي وراقصة درجة ثالثة، حيث يترأس النبطشي الحفل بينما يبقى الحضور “سكارى على مقاعدهم”.

تعبير ممدوح عن المشهد الثقافي بهذه الطريقة يعكس مدى التدهور والانحدار الذي يراه في هذا القطاع، ويؤكد أن الفشل التنظيمي للمؤتمر ليس سوى جزء صغير من مشهد أكبر يعاني من تراجع واضح في القيم الثقافية.

هل هناك أهداف خفية لعقد المؤتمر؟

من النقاط المثيرة للجدل، والتي تحدث عنها محمد عبدالغني، هي احتمالية وجود أهداف غير مرئية وراء عقد هذا المؤتمر.

ويرى البعض أن توقيت المؤتمر وطريقة إدارته تشير إلى أن هناك دوافع أخرى غير المعلنة، ربما تتعلق بمصالح شخصية أو ممارسات فساد مالي وإداري تهدف إلى الاستفادة من تمويل هذا النوع من المؤتمرات.

الفساد المالي والإداري: مَن المستفيد؟

إحدى القضايا الرئيسية التي طُرحت في الأوساط الثقافية هي قضية إهدار المال العام والفساد المالي. تنظيم هذا المؤتمر بتكلفة مرتفعة دون تحقيق الأهداف المعلنة يثير تساؤلات حول مصير الأموال التي تم إنفاقها.

وهل ذهبت لتغطية التكاليف الحقيقية أم أن هناك استغلالاً من قبل بعض المسؤولين لتحقيق مكاسب شخصية؟

تهويمات ثقافية: مؤتمرات للواجهة أم للفكر؟

وليد حشمت

يبدو أن بعض المثقفين، مثل محمد عبدالغني ووليد حشمت، يرون أن المؤتمر كان مجرد واجهة دون مضمون حقيقي. تحدث عبدالغني عن كيف تم التلاعب بعنوان المؤتمر لجعله يبدو ذا قيمة، بينما في الحقيقة كان الهدف من ورائه مجرد استعراض شكلي.

وهذا النقد يعزز فكرة أن العديد من المؤتمرات الثقافية في مصر أصبحت مجرد “تهويمات” بلا تأثير فعلي على الفكر أو الأدب.

ما بعد المؤتمر .. مآل الفساد الثقافي

بعد انتهاء المؤتمر، يبقى السؤال: هل ستتغير الأمور في المستقبل؟ وهل سيتم محاسبة المتورطين في الفساد المالي والإداري؟

تشير العديد من المصادر إلى أن المؤتمر كشف عن مشكلات عميقة في إدارة الثقافة بمصر. والفشل في تنظيم حدث بهذه الأهمية يعكس خللاً أعمق في المنظومة، ويحتاج إلى تدخل جذري لإصلاحها.

محاربة الفساد الثقافي

ما بين التصفيق المزعوم والاندلاق التنظيمي وتجاهل الكفاءات المحلية، كان مؤتمر “مرجعية التراث الثقافي وإشكالية التجريب” مثالاً حياً على الفشل الإداري.

وإذا استمرت هذه الأوضاع دون محاسبة، فإن مستقبل الثقافة في مصر قد يتجه نحو مزيد من التهميش والانهيار.

ومحاربة الفساد الثقافي يجب أن تكون الأولوية القصوى، حتى يتمكن المثقفون من استعادة دورهم الحقيقي في تطوير المجتمع.

المستقبل بيد الحماية والمحاسبة

تُشير التفاعلات داخل المؤتمر إلى أن المنظومة الثقافية بحاجة مُلحة لتغيير جذري لضمان حماية التراث. تعزيز الرقابة المالية والإدارية يُعتبر حجر الزاوية في تلك الخطط.

وإن التحول إلى مناخ ثقافي يعكس الهوية الحقيقية للصعيد ويتطلع دائمًا إلى التجديد يحتاج إلى جهود مُنظمة.

وفي ضوء ذلك، يبقى الأمل مُعلقًا على المجتمع المدني والمختصين لرفع الصوت والمطالبة بالشفافية، وأن يكون هناك خطوات ملموسة لضمان عدم تكرار هذه الأخطاء في المستقبل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى