مصر

تحت غطاء الشفافية .. فضائح فساد تُخفيها جريدة الوفد

في زمن يتزايد فيه الاهتمام بالشفافية ومحاسبة الفاسدين، تُثار العديد من التساؤلات حول أدوار المؤسسات الإعلامية في كشف الحقائق أو تغطيتها.

جريدة الوفد، التي كانت تعتبر منبرًا للحرية ونافذة للمواطنين للتعبير عن آرائهم، وجدت نفسها في مرمى الاتهامات بالتستر على فضائح فساد داخلية تثير غضب الرأي العام، وتضع مصداقيتها على المحك.

فهل هي مؤسسة ملتزمة بمبادئ الصحافة النزيهة، أم أنها تخفي وراء ستار الشفافية قصص فساد؟

تصدعات في الساحة الإعلامية المصرية

عادت الأحاديث حول الفساد الإداري في جريدة “الوفد” إلى الواجهة، بعد رفض المجلس الأعلى للإعلام المصري اعتماد الزميل سامي أبوالعز رئيسًا لتحرير الصحيفة. يجسد هذا الحدث أبعادًا أكثر تعقيدًا تتعلق بإدارة الجريدة والملفات الشائكة التي تحوم حولها.

حيث انتشرت الشائعات داخل أروقة الجريدة بشأن عجز الإدارة عن تقديم ما يثبت علاقة العمل بين “الوفد” و”بوابة الوفد الإلكترونية“، والذي يُعد أحد المتطلبات الأساسية للموافقة على تعيينه.

وبالإضافة إلى ذلك، بلغت الحالة ذروتها مع وصول الزميل سامي أبوالعز إلى سن المعاش “60 عامًا”، وهو ما يجعل استمرار توليه المنصب محلاً للإشكالية.

رفض اعتماد رئيس تحرير جديد .. بداية الأزمة

مع تصاعد القضايا، تُسلط الأضواء على القيادة الحالية لجريدة الوفد، حيث تعثرت الإدارة في إرسال مستندات اعتماد الزملاء أمجد مصطفى وعاطف خليل إلى المجلس الأعلى للإعلام.

وجدير بالذكر أن الزميل أمجد مصطفى يتولى مسؤولية رئاسة التحرير للإصدار الورقي، في حين يُسير الزميل عاطف خليل رئاسة التحرير للبوابة الإلكترونية. ويتساءل كثيرون عن أسباب التقاعس في تسليم الأوراق الرسمية رغم وجود الكوادر العامة على الأرض.

ويطالب المجلس الأعلى للإعلام بسرعة إرسال أوراق تثبت صحة توليهما لهذه المناصب، وهو ما رفضت إدارة الجريدة القيام به.

وهذا الرفض أثار العديد من التساؤلات حول نوايا الإدارة، وإن كان هذا القرار يُخفي خلفه صراعات داخلية أو محاولات لإخفاء تجاوزات مالية أو إدارية.

وبينما يبقى مصير الزملاء معلقًا، تبقى حكام الإدارة غامضة، ويُطرح تساؤل كبير حول قدرة “الوفد” على النهوض بمجابهة التحديات الإدارية والسياسية المعقدة.

الصراع الداخلي ومحاولات الفصل التعسفي

تسربت معلومات من داخل جريدة الوفد حول محاولات لفصل بعض الصحفيين البارزين مثل ياسر إبراهيم، رئيس قسم الحوادث، وأشرف شبانة، المحرر في القسم نفسه.

حيث تُعد محاولة فصل الزميل ياسر إبراهيم رئيس قسم الحوادث والزميل أشرف شبانة المحرر في ذات القسم، نقطة تحول جوهرية في معركة الفساد المستشري.

فقد وُجه إليهما اتهام بأن الزميل أشرف نشر تحقيقًا صحفيًا عن “ساقطة” لأغراض شخصية، وهي تهمة أثارت استياءً كبيرًا في الوسط الصحفي، لا سيما أن التحقيق كان يهدف إلى كشف بعض الظواهر الاجتماعية التي تُعاني منها مصر.

ويُعتبر الفصل بمثل هذه الطريقة تعسفيًا ويُثير تساؤلات حول آلية الإدارة وتأثير الضغوط السياسية.

ويُفهم من الشهادات أن هناك نهجًا يتبعه بعض الأفراد بغرض إقصاء الأصوات المناهضة أو المُستقلة، ما يُعكس أزمة في التواصل والشفافية بين العاملين والإدارة.

وإجراءات الفصل هذه لم تكن الأولى من نوعها، بل تكررت عدة مرات منذ تولي الدكتور وجدي زين الدين منصب رئيس التحرير السابق.

ما زاد من الشكوك حول أن هذه الإجراءات قد تكون جزءًا من محاولة لإسكات الأصوات الحرة داخل الجريدة، وحماية بعض المصالح التي قد تتضرر من كشف الحقيقة.

موقف نقابة الصحفيين والجهات المسؤولة

في محاولة لحل هذه الأزمة، استدعت نقابة الصحفيين المصرية كلًا من أمجد مصطفى وعاطف خليل للتحقيق في هذه الاتهامات، ولكنهما رفضا المثول أمام النقابة.

وهذا الرفض فتح الباب أمام تكهنات متعددة حول دوافعهما، وهل هما متورطان بالفعل في مخالفات مالية أو إدارية داخل الجريدة، أم أن الأمر لا يتعدى كونه محاولة لحماية زملائهم من تعسف الإدارة؟

النقابة من جانبها أكدت أنها لن تتهاون في متابعة القضية حتى تتضح الحقيقة. ومع ذلك، فإن بعض النقاد يرون أن موقف النقابة ليس بالقوة الكافية، ويطالبون بإجراء تحقيقات أعمق تشارك فيها جهات رقابية مستقلة لضمان عدم تضارب المصالح.

رأي الموظفين والمواطنين والمختصين بالشأن الصحفي

تتباين الآراء بين موظفي “الوفد” ومتابعيها في الشأن الصحفي والإعلامي. ويقول أحد الموظفين الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم “الوضع هنا مُعقد، يسمعون لكل ما يُقال، لكن لا يُؤخذ بالتأكيد برأي الموظف. كل شيء جيد رسميا، لكن الأمور تُدار في الظلام.”

وأعرب القراء المهتمون بجريدة الوفد عن قلقهم من الأوضاع الراهنة، حيث تُشكل جريدة “الوفد” خطًا إعلاميًا أصيلاً استطاع أن يُؤثر في الوعي العام.

ويقول محمد مصطفي أحد القراء “من المهم أن تبقى الوفد مستقلة وصادقة، لكن هذا الأمر مُهدد في ظل الفساد المتفشي.”

رفض العديد من العاملين في جريدة الوفد والمواطنين المتابعين للشأن الصحفي والسياسي المصري هذه القرارات والإجراءات، معتبرين أنها تأتي ضمن إطار محاولة التغطية على فساد داخل المؤسسة.

يقول “أ. ع.”، موظف في الجريدة: “الوضع أصبح لا يُطاق. هناك محاولات واضحة للتلاعب بالحقائق، وتسريح الكفاءات لصالح من لا يمتلكون الخبرة أو النزاهة”.

فيما قالت سعاد محمود، مواطنة مصرية: “كنت أعتبر الوفد جريدتي المفضلة، ولكن بعد هذه الفوضى، فقدت الثقة في كل ما تُنشره”.

أما الدكتور نادر الغريب، مختص في الإعلام والثقافة، فيرى أن ما يحدث في جريدة الوفد ليس حالة فردية، بل يعكس أزمة أوسع في المشهد الإعلامي المصري.

“الشفافية غائبة تمامًا، والمؤسسات الإعلامية أصبحت ساحات للصراعات الداخلية بدلًا من أن تكون منابر للحقيقة والمهنية”، يقول د. الغريب.

وجهات نظر المختصين

أبدى المختصون في مجال الإعلام والثقافة ملاحظات مُلفتة عن الوضع. فعبر الدكتور علامة حامد، أستاذ الإعلام، عن قلقه من التدهور في مهنية وشفافية الإعلام المصري بشكل عام.

وقال: “يجب أن يدرك الجميع أنهم يقفون في مواجهة تحديات جديدة إذا لم يُصالحوا الأشخاص الذين تم تهميشهم. ستكون هناك تبعات كبيرة لذلك.”

تداعيات الفساد وعدم الشفافية

تُبرز الظروف التي يمر بها “الوفد” تحديات الفساد، حيث تظهر في سياق يعكس فقدان الثقة في المؤسسات الإعلامية. الرسائل الصحفية والإعلامية لم تعد فقط تتعلق بالأخبار، بل أصبحت محكومة بمصالح شخصية وضغوطات خارجية في الكثير من الأحيان.

الفضائح التي لا تظهر على السطح

تساؤلات عدة تُطرح حول سبب هذا التوتر والقرارات التعسفية داخل جريدة الوفد. تشير بعض التقارير إلى أن هناك فضائح مالية وإدارية تُحاول الإدارة الحالية للجريدة التستر عليها.

فوفقًا لمصدر داخلي، هناك اتهامات بتلاعب في الميزانية، واستغلال الموارد لصالح أفراد معينين داخل المؤسسة.

أحد الصحفيين الذي فضل عدم الكشف عن هويته، قال: “هناك تجاوزات خطيرة تحدث. الأموال تُهدر والمناصب تُمنح بناءً على الولاءات الشخصية وليس الكفاءة. وكل من يحاول كشف هذه التجاوزات يُفصل أو يُهدد”.

وهذه التصريحات تشير إلى أن الأمور قد تكون أعقد مما تبدو على السطح، وأن الأزمة قد تتجاوز مجرد خلافات إدارية.

مستقبل جريدة الوفد ومصير الصحفيين

في ظل هذه الأزمة، يُطرح السؤال حول مستقبل جريدة الوفد كمؤسسة إعلامية عريقة. هل تستطيع تجاوز هذه التحديات واستعادة مصداقيتها؟ أم أنها ستشهد المزيد من التدهور والانشقاقات الداخلية؟ أيضًا، ما هو مصير الصحفيين الذين وجدوا أنفسهم ضحية لهذه الصراعات؟

يرى بعض المراقبين أن الحل الوحيد هو تدخل جهات مستقلة وفتح تحقيق شفاف حول كل ما يحدث داخل المؤسسة.

وفي المقابل، يعتقد آخرون أن جريدة الوفد قد لا تستطيع الصمود طويلًا أمام هذه العواصف، خاصةً إذا استمرت الإدارة في سياساتها الحالية.

تطلعات مستقبلية

قد يُعتبر ما يجري داخل جريدة “الوفد” من أبرز الأمثلة على الأزمات التي تُعاني منها بعض المؤسسات الإعلامية في مصر،

حيث يتجه الأمر ليس فقط إلى تحسين مستوى الشفافية، بل إلى قدرة الجريدة على التفاعُل مع قضايا شعبية وثقافية قريبة من القلوب.

إذا لم تُعالج الأوضاع، ستظل تلك الفضائح بمثابة عبء يثقل كاهل الصحافة ويزيد من تعقيد المشهد الإعلامي في البلاد.

وبانتظار تحقيق إصلاحات من أجل الشفافية والمهنية، يبقى مستقبل “الوفد” معلقًا، ويتطلع المواطنون والموظفون إلى بوادر أمل تتيح لهم العودة إلى صفحات تاريخية أكثر إشراقًا.

بين الشفافية والفساد

تُعتبر جريدة الوفد رمزًا تاريخيًا للصحافة المصرية، ولكن الأزمات الحالية تُهدد بإسقاط هذا الرمز في مستنقع الفساد والانتكاس.

فهل تستطيع الإدارة الحالية فتح صفحة جديدة قائمة على الشفافية والمحاسبة؟ أم أن المؤسسة ستواصل طريقها نحو الانهيار؟ الأيام القادمة ستكشف لنا الإجابة، ولكن ما هو واضح الآن هو أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر دون تدخلات جذرية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى