محافظات

تعديات على الأراضي في الإسكندرية .. فساد بلا حدود

في محافظة الإسكندرية، تُعتبر مظاهر الفساد والتعدي على الأراضي إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل، حيث يندلع النقاش بشكل عام حول كيفية استغلال الأراضي العامة والخاصة وتحويلها لمصالح شخصية دون رقيب.

وتُعد هذه الظاهرة بمثابة جرح نازف يؤثر على المجتمع والإنتاج الزراعي والاقتصادي، مما يستدعي تسليط الضوء على هذه القضية من جميع جوانبها.

الفوضى المحيطة: من يُعاقب ومن يُعفى؟

تبدأ الحكاية عندما تتحول الأراضي الزراعية الخصبة إلى مشروعات عقارية أو منشآت غير قانونية على يد مجموعة من الفاسدين الذين يستغلون غياب الرقابة أو تسهيلات بعض الموظفين.

ويقول سامي أبوالحسن، مزارع من الإسكندرية: “الأرض التي تعمل عليها جدي، تُعتبر ملكية خاصة. لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأت أطراف أخرى تتعدى عليها، والسلطات لا تُحرك ساكنًا.”

هذا تعبير عن شعور عميق بالظلم والاستياء من الأساليب غير المعلنة التي تُمارس في تعديات الأراضي. تشير الشهادات إلى وجود أشخاص، سواء كانوا مقاولي بناء أو موظفين حكوميين، يقومون بحماية هذه التعديات، مما يُعزز خطر الفساد في المجتمع.

تأثير الفساد على المجتمع

تتأثر حركة التنمية الزراعية في الإسكندرية بشكل مُباشر بسبب هذه التعديات. يُشير تقرير صادر عن وزارة الزراعة إلى أن 20% من الأراضي القابلة للزراعة فقدت بسبب بناء المنشآت التي لا تعود بالنفع على المجتمع.

ويُعبر أحمد شحاته، فلاح، عن قلقه: “نحن نحتاج الأرض للزراعة. كيف لنا أن نُواكب تزايد السكان والاحتياجات إن كانت الأراضي تُنهب بهذه الطريقة؟”

تتضمن التداعيات أيضًا فقدان الموارد الطبيعية وعدم وجود مناطق آمنة للمواطنين، مما يخلق شعورًا بالقلق وعدم الأمان. يُعد الفساد في إدارات التراخيص من المشاكل الكبرى التي تعيق التصدي لهذه الظاهرة.

صوت المختصين: رؤية أعمق للأزمة

تتعدد الآراء بين الخبراء والمختصين حول أسباب تفشي هذه الظاهرة. يقول الدكتور سامي، أستاذ الاقتصاد: “الفساد في مجال الأراضي يرتبط بشكل وثيق بنقص السياسة العامة التي تمنع التعديات. لدينا إطار قانوني، لكن تفعيله يعتمد على الإرادة السياسية.”

هذه التصريحات تؤكد أن وضع السياسات واللوائح ليس كافيًا لمواجهة الفساد ما لم يتم تعزيز الرقابة والمحاسبة.

ويتفق كثير من المثقفين على ضرورة إنشاء قاعدة بيانات موحدة تُسجل جميع الأراضي، مع تحديث الوضع بشكل دوري لضمان عدم التعدي عليها.

الفضائح المدعومة بالوثائق

تم تسريب عدد من الوثائق الرسمية التي توضح وجود تجاوزات في منح التراخيص، قرب بعض الأشخاص من السلطات المحلية.

ويُظهر ذلك أن هناك صلات وثيقة بين المباني المُقامة بشكل غير قانوني وبعض الموظفين الذين يفترض أنهم معنيون بحماية الأراضي.

تحكي قصة سيدة من الإسكندرية، ريتها تُعبر عن موقف مماثل: “لقد حديثت مع أكثر من مسؤول حول التعدي على أرضي، لكنهم دائمًا يُحيلونني إلى شخص آخر. لا أحد يهتم حقًا.”

هذه الفضيحة تُعزز الصورة السلبية للفساد مُشيرًة إلى حاجة ماسة لإجراء تحقيقات مستقلة وجادة.

الحراك الشعبي: أصوات يتردد صداها

على الجانب الآخر، يتجه المواطنون إلى الاعتماد على المبادرات المجتمعية للتصدي لهذه الظاهرة. في الآونة الأخيرة، بدأت مجموعات من المواطنين في تنظيم وقفات احتجاجية لرفض التعديات، حيث يتوجهون إلى المكاتب الحكومية للمطالبة بالتحقيق ومحاسبة المتورطين.

تقول سارة عبدالجبار، ناشطة في مجال حقوق الأرض: “نحن لا نسمح بأن يُسرق حقنا. سنظل نرفع صوتنا حتى يستمع لنا المسؤولون. من المهم أن نتحرك الآن لتحقيق العدالة.”

يتخذ المواطنون أيضًا من وسائل التواصل الاجتماعي منصة للتصدي للفساد، حيث يتم نشر مقاطع الفيديو والصور التي تُظهر التعديات، مما يُعزز من الوعي العام حول القضية.

الأقلام المستنيرة: تأثير الإعلام

لا يتواجد المواطنون بمفردهم في مواجهة التعديات التي تزداد. الصحافة المحلية والإعلام يلعبان دورًا بارزًا عبر التحقيق في هذه القضايا وفضح الفساد. يتم نشر تقارير تتناول مشكلات الأرض، مما يزيد من الوعي العام ويضغط على السلطات للعمل.

يقول حسام جادالرب، ناشط حقوقي: “نحن نحاول توثيق جميع الحالات لنشرها. الشرط الأساسي للمسؤولين أن يتحملوا مسؤلياتهم هو إظهارهم على العلن.”

الوقت للتحرك: دعوة للحكومة

تدعو جماعات حقوق الإنسان إلى تدخل الحكومة سريعا لتوحيد الجهود والتعامل بحزم مع الفساد. بمعالجة إضافية، ذكر المفوض العام لحقوق الإنسان محليات، أن هناك حاجة ملحة لتفعيل القوانين المتعلقة بحماية الأراضي وإجراء تحقيقات جادة في كل حالة تم التعدي فيها.

يرى المحللون أن الخطوات الحقيقية تبدأ بإعداد نظام واضح يُوثق الأراضي والتصاريح. يجب أن يتم تطبيق العقوبات على الأفراد الذين يقومون بالتعديات.

تحديات المستقبل: هل يمكن تحقيق التغيير؟

في ضوء الوضع الراهن، هناك أمل في إمكانية تحقيق التغيير، لكن الأمر يتطلب خطوات جادة وتعاونًا شديدًا بين المؤسسات الحكومية والمجتمعية. يجب إشراك المواطنين في عملية التنمية وخلق وعي حول حقوقهم.

يؤكد العديد من المؤيدين لهذا التوجه على أهمية التعليم والتثقيف كمشاريع مُبتكرة لتغيير واقع الفساد. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تأسيس آلية لرصد الأعمال الخاطئة ومعاقبة الجناة المعنيين.

إحياء الأمل للعدالة

بينما تتفاقم قضايا الفساد والتعديات على الأراضي في الإسكندرية، تبقى الأصوات المرتفعة والدعوات للعدالة مُستمرة. المواطنون يطالبون بضرورة الاستجابة لمخاوفهم واحتياجاتهم، وأملهم الوحيد في التغيير يعتمد على التحرك الفعّال.

تظل الإسكندرية تتطلع إلى مستقبل عندما يُحترم القانون، وعندما تتناقص معاناة المواطنين. القضايا تعد حية والمؤشر يستمر في التصعيد، لكن مع الاصطفاف نحو الهدف المشترك، يمكن تحقيق تغيير حقيقي وملموس. إن العمل الجماعي والمثابرة هي مفاتيح تحقيق العدالة لجميع سكان الإسكندرية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى