مقالات ورأى

المعتصم الكيلاني يكتب : مصر ومجلس الأمن: محاولة لحل نزاع سد النهضة عبر الساحة الدولية

المعتصم الكيلاني، المختص في القانون الجنائي الدولي

تشهد قضية سد النهضة الإثيوبي تصعيدًا دبلوماسيًا جديدًا بعد إرسال مصر خطابًا رسميًا إلى مجلس الأمن الدولي، في خطوة تسعى من خلالها إلى تدويل النزاع المستمر مع إثيوبيا حول مشروع السد. هذه الخطوة تحمل عدة رسائل سياسية ودبلوماسية، وتشير إلى رغبة مصر في اللجوء إلى المنظمات الدولية لوقف ما تعتبره تجاوزات إثيوبية في إدارة نهر النيل، الذي يعد شريان الحياة الرئيسي للبلاد.

أهداف مصر من اللجوء لمجلس الأمن

إرسال مصر خطابًا إلى مجلس الأمن يعكس عدة أهداف واضحة. أولًا، تسعى مصر إلى إدخال المجتمع الدولي في الأزمة، حيث ترى أن تدخل مجلس الأمن يمكن أن يعزز موقفها التفاوضي ويزيد الضغط على إثيوبيا للالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمياه العابرة للحدود، خاصة اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 والبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في 2021. هذه الاتفاقيات تُعتبر من وجهة نظر مصر وثائق هامة تم انتهاكها من قبل إثيوبيا من خلال المضي قدمًا في تعبئة السد وتشغيله بشكل أحادي.

تأثير الخطاب على مسار النزاع

إرسال خطاب إلى مجلس الأمن ليس مجرد خطوة إعلامية، بل يمثل محاولة لتوثيق الانتهاكات الإثيوبية على مستوى دولي، مما قد يساعد مصر في تعزيز موقفها في المفاوضات القادمة. يُنظر أيضًا إلى هذه الخطوة كتحذير للمجتمع الدولي من التبعات المحتملة لاستمرار السياسات الأحادية التي تنتهجها إثيوبيا في إدارة مياه النيل. إذ قد يؤدي هذا الوضع إلى زيادة التوترات الإقليمية، ما قد يشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين.

من خلال إشراك مجلس الأمن، تأمل مصر أيضًا في الحصول على دعم دولي أوسع، خاصة من الدول الأعضاء الدائمة في المجلس التي تمتلك تأثيرًا كبيرًا على القرارات الدولية. مثل هذا الدعم يمكن أن يكون مفتاحًا لتحقيق تقدم ملموس في هذا النزاع، سواء من خلال إصدار قرارات ملزمة أو دعم مبادرات وساطة دولية جديدة.

كيف يتصرف مجلس الأمن؟

عندما يتلقى مجلس الأمن الدولي خطابًا من دولة عضو حول نزاع دولي مثل سد النهضة، هناك عدة طرق يمكن أن يتصرف من خلالها. أحد السيناريوهات المحتملة هو عقد جلسة مفتوحة أو مغلقة لمناقشة القضية. في الجلسات المفتوحة، يتم إشراك جميع الأطراف العلنية في النقاش، بينما في الجلسات المغلقة تكون المداولات سرية بهدف تقليل الضغوط السياسية.

في حال توصل أعضاء مجلس الأمن إلى توافق، يمكنهم إصدار بيان رئاسي غير ملزم يدعو الأطراف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. كما يمكن لمجلس الأمن أن يصدر قرارًا ملزمًا، وهو خيار أقل احتمالًا نظرًا لتعقيد القضية وعدم وجود إجماع بين الدول الأعضاء على تدخل المجلس بصفة رسمية. وقد يلجأ المجلس أيضًا إلى تشجيع المفاوضات أو دعم وساطة جديدة، سواء من قبل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي.

ماذا عن إثيوبيا؟

من جانبها، تتمسك إثيوبيا بموقفها الثابت، إذ تواصل التشديد على أن مشروع سد النهضة هو قضية سيادية ترتبط بحقها في استخدام مواردها الطبيعية لتنمية اقتصادها. تعتمد إثيوبيا بشكل كبير على اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015، الذي ترى أنه يوفر لها الشرعية في مواصلة تعبئة السد دون الحاجة إلى الموافقة المسبقة من دول المصب.

ورغم ذلك، قد تواجه إثيوبيا ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي في حال اتخذ مجلس الأمن خطوات لدعم مصر والسودان. في هذه الحالة، قد تلجأ إثيوبيا إلى محاولة كسب الدعم من الاتحاد الأفريقي أو السعي إلى تحكيم دولي، بهدف كسب الوقت وتقليل الضغط الدبلوماسي.

التحديات القانونية والتفاوضية

غياب نص صريح في “إعلان المبادئ” لعام 2015 حول اللجوء إلى مجلس الأمن في حال الخلاف يعقد المسألة. هذا الاتفاق يضع إطارًا للتفاوض بين الدول الثلاث (مصر، السودان، وإثيوبيا)، لكنه لا يشمل أي بند يسمح بإحالة النزاع مباشرةً إلى المنظمات الدولية. وبالتالي، فإن تدويل النزاع عبر مجلس الأمن قد يُفسر على أنه تجاوز للإطار المتفق عليه في الاتفاقية، مما يزيد من تعقيد الأمور ويؤدي إلى تباين في المواقف الدولية حول مشروعية هذه الخطوة.

من ناحية أخرى، قد تعتمد مصر على استخدام هذا التدويل كوسيلة ضغط دبلوماسي، بينما تواصل العمل مع حلفائها الدوليين والإقليميين لحشد التأييد لموقفها. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة مصر على دفع مجلس الأمن نحو اتخاذ إجراءات ملزمة في غياب نص واضح في الاتفاقية يدعم تدخلًا من هذا النوع.

الخطوات المقبلة: السيناريوهات المحتملة

بالنظر إلى التحركات الأخيرة، فإن أحد السيناريوهات المرجحة هو أن يستمر مجلس الأمن في مراقبة التطورات دون إصدار قرارات ملزمة، مع احتمال إصدار بيان رئاسي يدعو إلى التهدئة والعودة إلى المفاوضات. إذا لم يتم التوصل إلى توافق داخل المجلس، قد تستمر القضية في مسارها الدبلوماسي عبر الاتحاد الأفريقي أو وساطة جديدة تحت رعاية الأمم المتحدة.

على المدى الطويل، سيعتمد الحل على مدى استعداد الأطراف للتفاوض وعلى طبيعة الضغوط الدولية والإقليمية. قد تشهد المنطقة تصعيدًا إذا استمر الجمود الدبلوماسي، لكن يبقى الأمل في التوصل إلى حل تفاوضي يجنب الجميع مزيدًا من التوترات.

في النهاية، يبدو أن النزاع حول سد النهضة سيظل مفتوحًا على عدة احتمالات، تتراوح بين التصعيد الدبلوماسي واستمرار المفاوضات دون تحقيق تقدم ملموس. تبقى الكرة في ملعب الدول المعنية والمجتمع الدولي لاتخاذ الخطوات اللازمة لتجنب أي تصعيد قد يؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى