12 عامًا من القطيعة.. زيارة السيسي لتركيا تفتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية التركية
في حدث استثنائي يفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية التركية، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى تركيا، وهي الأولى من نوعها منذ 12 عامًا. تأتي هذه الزيارة في توقيت حساس جدًا، وسط تحولات إقليمية ودولية كبرى، مما يثير تساؤلات حول دلالاتها وأبعادها على المستوى الثنائي والإقليمي.
البعد الاقتصادي: عصب العلاقات بين البلدين
الجانب الاقتصادي كان في مقدمة جدول أعمال الزيارة، حيث يُعتبر العمود الفقري للعلاقات بين مصر وتركيا. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 10 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم قريبًا مع توقيع حوالي 20 اتفاقية جديدة خلال الزيارة. من بين هذه الاتفاقيات، مشاريع استراتيجية تشمل إقامة مصنع للطائرات المسيّرة التركية وورش لبناء السفن في مصر، ما يمثل تعزيزًا كبيرًا للصناعات الدفاعية المصرية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل كبيرة ونقل التكنولوجيا المتقدمة إلى السوق المصري.
التعاون الإقليمي: رؤية مشتركة تجاه الصومال وأفريقيا
لا يقتصر التعاون المصري التركي على الجوانب الاقتصادية فقط، بل يمتد ليشمل ملفات إقليمية مهمة، مثل دعم وحدة واستقرار الأراضي الصومالية. تمتلك كل من مصر وتركيا رؤية مشتركة تجاه الصومال، وهذا التعاون يعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع للتعاون في أفريقيا. عضوية مصر في تجمع الكوميسا تتيح للبلدين فرصًا لتعزيز التجارة مع دول القارة الأفريقية. ترى تركيا في مصر بوابة رئيسية للوصول إلى السوق الأفريقي، بينما تستفيد مصر من هذا التعاون لتعزيز دورها القيادي في القارة.
القضية الفلسطينية: تقارب في المواقف ورؤية مشتركة
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يوجد تقارب كبير في المواقف بين مصر وتركيا. التعاون بين البلدين في هذا الملف قد يسهم في تشكيل قوة إقليمية مؤثرة لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في غزة والضفة الغربية. يمكن أن يؤدي هذا التعاون إلى تعزيز الموقف العربي والإسلامي في دعم القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي.
ترسيم الحدود البحرية: ملف استراتيجي لتعزيز أمن الطاقة
واحدة من أهم القضايا التي تنتظر التفاهم بين القاهرة وأنقرة هي قضية ترسيم الحدود البحرية. هذا الملف لا يقتصر على الجانب التقني فقط، بل له أهمية استراتيجية كبيرة تتعلق بأمن الطاقة في كلا البلدين. إذا تم الاتفاق على ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية، فإن ذلك سيفتح الباب أمام تعاون تركي مصري في استكشاف واستخراج الثروات الطبيعية في البحر المتوسط، ما سيؤدي إلى تأمين احتياجات الطاقة للبلدين بشكل أفضل في ظل التحديات الراهنة.
تطورات سياسية: نضج في السياسة الخارجية ورغبة في تنويع التحالفات
لقاء الرئيسين السيسي وأردوغان يأتي في إطار تعامل البلدين مع أزمات إقليمية معقدة، ويؤكد على نضج السياسة الخارجية لكل منهما. تسعى كل من مصر وتركيا إلى تنويع علاقاتهما الخارجية وتجنب الوقوع تحت تأثير كتلة دولية واحدة. في الوقت ذاته، يبحثان عن تعزيز التعاون في قضايا إقليمية حساسة مثل فلسطين، القرن الأفريقي، ليبيا، وسوريا. التطورات الأخيرة على مختلف المسارات ساهمت في رفع مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين إلى حد دراسة تشكيل مجالس استراتيجية مشتركة لتنسيق سياساتهما المستقبلية.
تمثل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا بداية مسار من التعاون بين البلدين، تؤكد أن هذا التعاون ليس فقط في مصلحة مصر وتركيا، ولكنه سيساهم أيضًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي. تشير هذه الزيارة إلى رغبة حقيقية من الجانبين في تجاوز خلافات الماضي والعمل معًا لتحقيق مصالح مشتركة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.