لا شك أن حرب الإبادة الجارية في غزة، أبانت الكثير عن طبيعة الصراع في المنطقة، وكشفت زيف المجتمع الدولي الذي يرفع دومًا شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، دونما أن يُقدم الدليل على ذلك! وهذا للأسف من قُبح الحضارة الغربية، التي تحاول أن تخدع الشعوب بالشعارات الزائفة، ولكن إذا تعلق الأمر بحقوق العرب والمسلمين، فالأمر مختلف، وتُصبح المصالح والمنافع مقدمة على كل شيء.
فبالرغم من كل هذه الدماء التي تراق، والإبادة للحجر والشجر، والاعتقالات المستمرة، والتدمير الشامل لكل مظاهر الحياة في غزة إلا أننا لا نجد إلا الكلام الذي لا يؤثر في مجرم الحرب نتنياهو، الذي استباح كل شيء، ولم يعبأ بأي شيء من أنظمة عربية، أو مجتمع دولي.
أقول إن الأحداث في غزة أظهرت بوضوح التناقضات في المواقف الدولية والعربية تجاه القضية الفلسطينية، وأبانت بشكل واضح الازدواجية الغربية في تطبيق حقوق الإنسان، إلى جانب المواقف العربية التي تعتبر مخزية من قبل العديد من المراقبين، وساهمت في تعميق الإحساس بالظلم، وعدم الإنصاف للشعب الفلسطيني المحتل.
هذه الأحداث تذكرنا بأن القضية الفلسطينية لا تزال واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في العالم، لأن الغرب في الحقيقة، وعلى رأسه الولايات الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني بكل الوسائل، لا يرغب بشكل أو بآخر في حل هذه القضية العادلة. وهناك أدلة كثيرة على ذلك، منها على سبيل المثال:
الانتهاكات المتكررة ضد المدنيين في غزة، والتي تتضمن قصف المنازل، وتدمير البنية التحتية، وتشريد الآلاف، وقصف المستشفيات، وقتل النساء والأطفال؛ إلا أن ردود الفعل الغربية دائمًا تكون داعمة لإسرائيل بشكل غير مشروط، وتُقدم إسرائيل على أنها تدافع عن نفسها ضد «الإرهاب»، بينما يتم تجاهل المعاناة للفلسطينيين، أو تبريرها بأنها نتيجة «أعمال عدائية» تقوم بها الفصائل الفلسطينية.
الأمر الآخر أن الدول الغربية غالبًا ما تدعو إلى التهدئة والمفاوضات، ولكن دون فرض ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، أو محاسبتها على أفعالها، بل تقوم بإمدادها بالأسلحة التي تستخدمها في الإبادة الجماعية. هذا التباين في التعامل مع القضية الفلسطينية يُسلط الضوء على التناقض بين ما يدّعيه الغرب من قيم، وبين ممارساته على أرض الواقع.
من جهة أخرى، المواقف العربية الرسمية من الأحداث في غزة لا تزال محط نقد واسع من الشعوب، لأنها اكتفت ببيانات الشجب، والاستنكار الرمزية، دون أن تتخذ إجراءات ملموسة لدعم الفلسطينيين، وأصبح التطبيع مع إسرائيل الذي قامت به بعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، تم تفسيره من قبل كثيرين على أنه خيانة للقضية الفلسطينية. هذا التطبيع جاء في وقت كانت فيه غزة تعاني من حصار طويل، وعمليات عسكرية مدمرة، مما جعل هذه الدول تبدو وكأنها تفضل العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين.
أقول ما لم تتحقق العدالة للشعب الفلسطيني، ويتم إيقاف هذه الإبادة، والتدمير المتعمد للبشر والحجر، ستنفجر المنطقة برمتها، وتدخل في أتون فوضى تقضي على الأخضر واليابس، فحينما يرى بسطاء الناس هذه الازدواجية، وهذا الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ربما يندفع البعض إلى فعل ما لا يُحمد عقباه، ناهيكم عن التأثير السلبي على الاقتصاد المحلي والعالمي.
ولا يمكن أن تنسى الشعوب في المنطقة العربية أن الدول الغربية تورطت في العديد من النزاعات والحروب التي أثرت سلبًا على مناطق مختلفة من العالم، وكان منها: الحروب في العراق وأفغانستان، التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وأثرت بشكل كبير على السكان المدنيين، وتسببت في خسائر بشرية ومادية هائلة.
المصدر – الشرق القطرية