مصر

الرقابة الغائبة في دمياط .. الفساد يعصف بالموارد العامة

بينما تسير محافظة دمياط على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، تجتاحها موجات من الفساد والإهمال التي تهدد مسيرة تنميتها وتستنزف مواردها العامة.

وفي قلب هذه القضايا، تتناقل الأحاديث والنقاشات في المجتمع، حيث يستشعر المواطنون والمختصون نوعًا من الغضب والإحباط من غياب الرقابة الفعالة.

يبقى السؤال المحوري: هل آن الأوان أن يتحرك المسؤولون ويتحملون عواقب الفساد؟

أصوات المواطن: معاناة يومية

في جولة ميدانية بين شوارع دمياط، ينتشر الإحباط في أوجه المواطنين. تقول شيماء، ربة منزل في أوائل الثلاثينات: “تذهب أموالنا إلى أماكن لا نعرفها، بينما نعاني من نقص في الخدمات الصحية والتعليمية. أين تذهب ميزانية المحافظة؟ لماذا لا يكون هناك اهتمام بمشاكلنا اليومية؟”.

يعبر العديد من المواطنين عن قلقهم من نفاذ الثقة في الجهاز الإداري الذي يجب أن يمثّل مصالحهم. أحمد بداري، شاب عاطل عن العمل، يُشير إلى أنه “بالرغم من وجود وعود بتحسين الخدمات، إلا أننا نجد أنفسنا غارقين في نفس المشاكل”: “نحن نغة المصلحة العامة، لكننا نُفاجَأ كل يوم بأن الفساد هو من يسيطر”.

خفايا الفساد: ملفات محجوبة عن الأنظار

تتحدث التقارير الواردة من دمياط عن ملفات فساد عدة تتعلق بإدارات حكومية مختلفة. حين يتم الحديث مع المختصين، يعبرون عن قلقهم البالغ من مدى تأثير هذا الفساد على جودة الحياة.

ويقول الدكتور عادل الشافعي، أستاذ العلوم السياسية، “الفساد في دمياط منتشر بشكل يدعو للقلق. هناك مشروعات وهمية تستنزف أموال الدولة”.

من خلال التحقيقات الصحفية، يُسجل أن ميزانيات مشاريع مثل إعادة تأهيل الشوارع والمرافق العامة لم تُنفذ كما هو مُفترض،

مما يثير تساؤلات حول آليات الرقابة التي تجعل الفاسدين يعتدون على الأموال بدون رادع.

إفلاس الرقابة: من المسؤول عن الفساد؟

تُثير الزيادة الملحوظة في الفساد تساؤلات حول دور الجهات الرقابية. يقول مختصون إن غياب الرقابة الحقيقية يُؤدي إلى تداعيات خطيرة ترتبط بمسؤوليات الحكومة ودورها في حماية المال العام.

يقول المحامي محمد القاسم، “يجب أن تكون هناك آليات واضحة للرقابة والمحاسبة. يأتي الفاسدون في المقام الأول، وأحيانًا نقع ضحايا للانحلال القيمي الذي يعصف بالمجتمع”.

في الوقت نفسه، يتساءل المواطنون عن عدم وجود أية ردود فعّالة تجاه الشكاوى التي يتقدّمون بها، مما يُعزز من شعورهم بالإحباط.

الجهود الحكومية: وعود بلا فعل

بالرغم من وجود بوادر لتحسين الوضع، إلا أن الحكومة تحتاج إلى المزيد من الإرادة الفعلية لضمان محاسبة الفاسدين وتحقيق شفافية أكبر.

يُؤكد الدكتور حسن محسن، خبير في الإدارة العامة، “إذا واصلت الحكومة تجاهل هذه الملفات، فإن الإحباط سيصبح معضلة أكبر”.

يُشير الخبراء إلى أن المجتمعات التي تتجاهل ملفات الفساد تضع نفسها في وضع حرج، حيث يصبح الفساد ثقافة متجذرة تتجذر في جميع مناحي الحياة اليومية.

تأثير الفساد على موارد المحافظة

لا يُعد الفساد مجرد قضية أخلاقية، بل هو قضية تظهر في نقص الموارد والخدمات التي يحتاجها المواطنون. كلما انتشرت ثقافة الفساد، تراجعت جودة الخدمات المقدمة.

يُظهر تقرير حديث تراجعَ كبيراً في جودة المدارس والمستشفيات في دمياط، مما يُسهم في تفاقم الأوضاع الاجتماعية.

تقول هالة سعد، معلمة في مدرسة حكومية، “نحن نعمل في ظروف صعبة للغاية. تفتقر المدارس إلى المعدات اللازمة، وأصبحت الصفوف مزدحمة. نحن بحاجة إلى إصلاح شامل”.

تتفق الجهود المدنية مع الآراء العامة في ضرورة التصدي لهذه الممارسات، حيث يظهر أن الفساد يمكن أن يستنزف فرص النمو بشكل دائم.

الشباب: الأمل في التغيير

خرج الكثير من الشباب كمُبادرين في منظمات المجتمع المدني، للمشاركة في محاربة الفساد وتحقيق الشفافية.

وتُعتبر هذه المنظمات منصات مهمة لضمان استعراض قضايا المجتمع وتثقيف المواطنين حول حقوقهم.

قام الشباب بإطلاق حملة لتسليط الضوء على قضايا الفساد، مثل “الرقابة على المال العام” و”حق المواطن في معرفة”.

ويقول أيمن حامد، أحد القادة الشبان: “نريد أن نكون جزءًا من الحل، ونريد إشراك الجميع في هذا الحوار”.

التعاون المجتمعي كوسيلة للتغيير

يتشاركون الناشطون مع المواطنين في ضرورة العمل الجماعي للتصدي للفساد. على عكس الفكرة المُخادعة التي تروجها بعض الأطراف، يجب أن يكون المواطن جزءًا من العملية وكاشفًا للفساد.

يقول المهندس سامي عفيفي: “يجب أن نفهم أننا كأفراد، لدينا القوة لإحداث تغيير حقيقي. كل واحد منا يمكن أن يشكل صوتًا يعبر عن الحق”.

الإعلام كأداة لتسليط الضوء

يلعب الإعلام دورًا مُؤثرًا في الضغط من أجل تحقيق التغيير. تقارير حول حالات الفساد تُظهر حاجة ملحة لتوسيع نطاق التغطية الصحفية للمسائل المتعلقة بالشأن المحلي.

أكثر من ذلك، يطلب الناشطون من وسائل الإعلام أن تأخذ موقفًا حازمًا تجاه المسؤولين الذين يُهدرون المال العام، وأن تُعزز صوت المجتمع بخيارات واضحة ونشر الحقائق.

إشراك المواطنين في القرارات العامة

إن تعزيز مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات يُعتبر خطوة إيجابية للحفاظ على الشفافية والمحاسبة. وإن تشكيل لجان شعبية يستطيع أن يُجبر السلطات على اتخاذ خطوات إيجابية.

يتمنى أحمد، أحد أبناء المحافظة، أن يتم تكوين منتديات حوارية لفتح النقاش حول القضايا المريبة، مشيرًا إلى أنه “يجب أن يكون لدينا صوت مسموع حتى نُحقق فعالية”.

آليات المستقبل: ضرورة الإصلاح الشامل

يتطلب الفساد المستشري في دمياط رؤية واضحة وخطط شاملة لعمل إصلاحات جذرية. مواجهة الفساد لا تعني فقط محاسبة المُفسدين، بل تتطلب أيضًا بناء ثقافة جديدة تُعزز من نزاهة العمل وروح الشفافية.

يؤكد الخبراء على أهمية وجود نظام متابعة فعّالة يُحقق الرؤية الجديدة، بالإضافة إلى توفير بيئة تشجع على أساسيات المحاسبة والمساءلة.

من الفساد إلى الإصلاح

فإن الفساد المستشري في دمياط يُعتبر أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع. يتطلب تغيير الواقع إرادة حقيقية من كافة الأطراف، بدءًا من الحكومة والمواطنين، وصولًا إلى مؤسسات المجتمع المدني.

عبر تعزيز الوعي وتوسيع حدود الحوار، يمكن أن تصبح دمياط نموذجًا لتوحد المجتمع وكسر حاجز الفساد. إنّ محاربة الفساد ليست مسؤولية أشخاص أو أطراف معينة، بل هي مهمة جماعية تعكس قيم العدالة والمساواة.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستكون هناك إرادة حقيقية من المسؤولين للتغيير؟ وهل سيستمر المواطنون في المطالبة بحقوقهم؟

إن الإجابة تتوقف على تفاعل الجميع، لأن الشارع بحاجة إلى التحرك لكسر دائرة الفساد وتحقيق التنمية الفعلية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى