الأحزاب السياسية .. غياب الرموز في وقت الشدة
في زمن الأزمات والتحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع المصري، يبرز سؤال مُلح: أين الأحزاب السياسية من هموم الشارع المصري؟
تعكس آراء المواطنين والمختصين قلقًا متزايدًا من غياب الوجوه السياسية البارزة، مما يجعل الشارع يتساءل عن دور الأحزاب وما إذا كانت قادرة على تلبية احتياجات الناس في أوقات الشدة.
أصوات المواطنين: نماذج للإحباط
أجري موقع “أخبار الغد” استبيان عام في عدة محافظات، حيث عبّر معظم المشاركين عن شعورهم بالخذلان.
تقول هالة كريم، ربة المنزل من القاهرة: “لقد صوّتنا للأحزاب معتقدين أنها ستعمل لمصلحتنا، لكن الآن أشعر أن أصواتنا ضاعت في زحام الأحاديث السياسية”.
كما أضافت: “لا أرى أيّ من قيادات الأحزاب تتحدث عما يهمنا. وكأنهم لا يعيشون في نفس البلد بشروطنا”.
وعبر أحمد، موظف حكومي، عن قلقه بالتوازي مع تجارب أصدقائه، حيث قال: “الأزمات الاقتصادية تتفاقم، ووظائفنا في خطر،
ولكننا لا نرى حزبًا واحدًا يتحدث عنا أو يطرح حلولًا بديلة”. تُظهر هذه الشهادات استياءً عامًا يُعبر عن حالة من عدم الثقة في الأحزاب والتي لم تتمكن من الارتقاء إلى تطلعات المواطنين.
تحليل المختصين: غياب الرؤية والسياسات
في حين يُظهر الواقع خروج الأحزاب عن نطاق الاهتمام بالمواطنين، فإن الخبراء والمحللين يعتبرون أن غياب الرؤى السياسية الواضحة يُعد عاملًا مُعاكسًا لتطلعات الجماهير.
ويقول الدكتور رضا الصباح، أستاذ العلوم السياسية: “الأحزاب تحتاج لأن تعيد تأهيل نفسها، وأن تكون قادرة على تقديم رؤية شاملة للقضايا التي تهم الناس، مثل التعليم والصحة والاقتصاد”.
يؤكد الدكتور الصباح أن المشهد السياسي يُعاني من سيطرة الفكر الأيديولوجي الضيق، الذي يُعيق القدرة على التقاط اهتمامات الشارع. “الأحزاب التقليدية بحاجة إلى تجديد القيادات والأفكار،
ويجب أن تستثمر في الكوادر الشبابية بدلاً من الاعتماد على الرموز التاريخية التي لم تعد تعبّر عن تطلعات الجيل الجديد”.
غياب الرموز: أزمة هوية أم غياب فعل؟
يعتبر العديد من النقاد أن غياب الرموز القيادية الفاعلة يرتبط بأزمة الهوية السياسية.
ويعبر الفنان والناشط السياسي، كريم كمال، عن ندمه الشديد على عدم تواجد رموز يُحتمل أن تلهم الشبان. “غابت الرموز القيادية التي يمكن أن تدعو إلى العمل السياسي الفعال، وأصبحنا محصورين في نخبة لا تستطيع التواصل مع جيل الشباب”.
يشير كمال إلى أن الأحزاب التي تفتقر للدينامكية قد تواجه خطر الانقراض، حيث تواجه إعادة بشكل أكبر للربط بين الماضي
والحاضر للعودة إلى ساحة النشاط السياسي. “الأسماء المعروفة لم تعد كافية للجذب. نحن بحاجة إلى قادة حقيقيين يلتزمون بقضايا الشعب”.
خطوة للخلف: الاستجابة للمشاكل الاجتماعية
مع تزايد الأزمات الاجتماعية، يُنظر إلى الأحزاب السياسية كجهات مكلفة بالاستجابة لهذه التحديات.
ولكن ماذا عن استجابة الأحزاب للأزمات الراهنة مثل الفقر وتدني التعليم والصحة؟ يعتقد الكثيرون أنه لم يكن هناك موقف واضح من الأحزاب تجاه هذه القضايا الكبيرة.
المواطن عماد الصادق، خريج جامعي عاطل عن العمل، يتحدث بمرارة قائلاً: “نحن بحاجة إلى أحزاب تكون بجانبنا في أوقات الشدة. لكن بدلاً من ذلك، نرى انشغالهم بمشاكلهم الداخلية”.
يعكس تصريح عماد واقعًا مؤلمًا يمثل صدى للمشاعر العامة في الشارع، إذ تدور التساؤلات حول مبررات غياب الأحزاب في مواجهة الضغوطات اليومية.
المجتمع المدني: هل يكون هو البديل؟
في ظل غياب الأحزاب السياسية، ظهر دور منظمات المجتمع المدني في الساحة. تعتبر هذه المنظمات بمثابة بديل يواجه القضايا الاجتماعية بشكل مباشر.
وقد استقطبت عددًا كبيرًا من المواطنين الذين يسعون للحصول على الخدمات أو المعونة التي لم تتوفر من قبل الأحزاب.
الناشطة الاجتماعية لمياء هاني، تؤكد أن المجتمع المدني بات مهمًا في التحرك الفعلي لحل القضايا المعقدة.
“بينما تعاني الأحزاب من غياب الفاعلية، تعمل منظمات المجتمع على توفير الشراكات الفعالة والحلول البديلة”.
ولكن، ماذا عن دور الأحزاب في التنسيق مع هذه المنظمات؟ يُشير العديد إلى أن الشراكة الفعالة بين المنظمات والأحزاب قد تخلق تأثيرًا أكبر وتعيد بناء الثقة بين المواطنين.
السبيل للأمام: إعادة الحيوية للأحزاب
لإعادة الحياة السياسية في مصر، يبدو من الضروري أن تتبنى الأحزاب استراتيجيات جديدة. تحتاج إلى التواصل المباشر مع أصحاب المصلحة
وأن تتبنى طريقة تنظيمية أكثر فعالية. وينبغى العمل على تأهيل الكوادر الشبابية وتحفيز الناشطين على المشاركة بنشاط على جميع الأصعدة.
ويقدم يوسف عبداللطيف، المحلل السياسي المعروف، رؤيته حول مستقبل الأحزاب: “على الأحزاب أن تعود إلى القاعدة الشعبية،
وأن تعمل على فهم احتياجات الناس بدلاً من الانغماس في الصراعات السياسية”. ويحذر من التزايد السلبي للانتباه العام في حال استمرت الأحزاب في غيابها.
العمل الشعبي كدعامة
تبتعد الأحزاب السياسية عن جذور العمل الشعبي، مما يؤدي إلى الفجوة المتزايدة بين القوى السياسية والمواطنين. وقت الأزمات هو الوقت الملائم لإعادة تفعيل الحوار بين الناس والقيادة السياسية.
إن وجود الرؤية والقيادة تصبح أمرًا ضروريًا لإعادة تنشيط الحياة السياسية واستعادة الثقة.
لنعيد للأحزاب توجيهها نحو تأكيد دورها كممثل حقيقي لصوت الشعب، ليُصبح كل حزب صوتًا يُدافع عن قضايا المواطن ويضع المصلحة العامة في صدارة أولوياته.
فهل تكون هذه هي بداية العودة؟ إن القرار يبقى بيد الأحزاب التي تحتاج إلى استعادة ثقة المواطنين وتحمل المسؤولية في أوقات الشدة.