تصعيد بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة.. فما هى خيارات مصر؟
اشتد التصعيد الكلامي بين مصر وإثيوبيا على خلفية الوجود العسكري المصري في الصومال مؤخرا، ما دفع إثيوبيا بإغلاق بوابات سد النهضة، بعد ساعات من وصول قوات عسكرية مصرية إلى الصومال، وإصدار الخارجية الإثيوبية بياناً أعربت فيه عن قلقها من القرار المصري، وقالت إن نداءات إثيوبيا ودول أخرى لم تؤخذ على محمل الجد وعبّرت عن قلقها من دخول المنطقة مصيرا مجهولا، ما يعني وقف تدفق مياه نهر النيل إلى دولتي المصب مصر والسودان.
لم تتأخر مصر في الرد حيث أعلنت رفضها القاطع لما وصفته وزارة الخارجية”بالسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015 “.
ووجه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خطاباً إلى مجلس الأمن الدولي، أوضح خلاله أن انتهاء مسار المفاوضات بشأن سد النهضة، والتي ظلت نحو 13 عاماً دون التوصل لاتفاق، جاء بسبب ما وصفه الجانب المصري بغياب الإرادة السياسية لدي إثيوبيا، وسعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي، مشيرا إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد حول استمرار الملء والتشييد بالسد غير مقبولة من الجانب المصري.
ومع إعلان الجانب الإثيوبي مرارا عن مشاريع جديدة على فرع النيل الأزرق تتضمن بناء سدود مساعدة لسد النهضة الكبير، تُثَارُ العديد من التساؤلات حول خيارات مصر المستقبلية للتغلب على مشاكل نقص حصة مياه النيل، المصدر الرئيسي للمياه العذبة في البلاد.
حق الدفاع عن الأمن المائي
وفي خضم الأزمة اجتمع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي باللجنة العليا لمياه النيل، وأكدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة، كما تناولت اللجنة سبل تعزيز التعاون في حوض النيل على ضوء اقتناع مصر بضرورة تضافر الجهود لاستقطاب التمويل لتنفيذ المشروعات التنموية بدول حوض النيل الشقيقة وفقاً للممارسات التعاونية المتفق عليها دولياً، بما من شأنه تكريس الرخاء والازدهار للجميع، وتجنب الانجراف لآفاق التوتر وتقاسم الفقر التي يمكن أن تنتج عن السياسات الإثيوبية غير التعاونية.
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، وصف إرسال خطاب إلى مجلس الأمن بالخطوة المعتادة عقب كل تخزين لإثبات اعتراض مصر على القرارات الإثيوبية دوليا، لافتا إلى أن إرسال الخطاب تأخر، حيث إن التخزين الخامس بدأ منذ أكثر من شهر ونصف فى 17 يوليو/ تموز الماضي، ومعه تشغيل توربينتين أيضا.
وأضاف شراقي عبر الصفحة الرسمية له على فيسبوك، أن “الإغلاق أدى إلى استمرار عملية التخزين الخامس، حيث بلغ منسوب بحيرة السد يوم السبت الماضي، حوالي 537 مترا فوق سطح البحر، بإجمالي تخزين وصل إلى نحو 57 مليار متر مكعب”، مشددا على أنه حال استمر إغلاق البوابات، فمن المتوقع أن يكتمل التخزين الخامس عند مستوى أقل قليلاً من مستوى الممر الأوسط 640 مترا لتجنب تدفق مياه الفيضان فوقه.
ونوّه إلى أن سد النهضة يزداد خطورة يوما بعد يوم على السودان ومصر نتيجة حجم التخزين الكبير، حوالي 57 مليار متر مكعب. وسوف يصل قريبا إلى 64 مليار متر مكعب من المياه”. وأشار إلى أن في 24 أغسطس/ آب الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي عن تشغيل توربينتين جديدتين وفتح بعض بوابات المفيض العلوية، ما سمح بتدفق يومي يقدر بحوالي 250 مليون متر مكعب من المياه، ومع ذلك، تم إغلاق هذه البوابات بعد أربعة أيام فقط، في 28 أغسطس/ آب الماضي، لأسباب قد تكون فنية أو سياسية، خاصة بعد وصول قوات عسكرية مصرية إلى الصومال”.
وتوقع شراقي أن يتم فتح بعض بوابات المفيض العلوية مرة أخرى خلال الأسبوع المقبل أو بحد أقصى 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، حيث تسعى إثيوبيا لإكمال إنشاء جسر فوق الممر الأوسط.
القوة الخشنة
شهد يوم الأربعاء الماضي، بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشيو، ، وقال السفير الصومالي لدى القاهرة علي عبدي أواري في بيان، إنه يثمّن بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو.
وبيّن أن هذه الخطوة تمثل “تمهيدا لمشاركة مصر في قوات حفظ السلام، التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية الحالية (أتميس) بحلول يناير/ كانون الثاني المقبل.
ووصف السفير الصومالي هذه الخطوة بأنها هامة، واعتبرها أولى الخطوات العملية لتنفيذ مخرجات القمة المصرية الصومالية التي عقدت في القاهرة في 14 أغسطس/ آب الجاري بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود، وشهدت توقيع اتفاق دفاعي مشترك بين البلدين. وأكد أواري أن “مصر بذلك ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي، بعد انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي الحالية”.
ويرى مراقبون أنه يجب على مصر خلال المرحلة القادمة أن تبدى نوعاً من “الخشونة” في التعامل مع الجانب الإثيوبي بشأن سد النهضة، كما أن التعامل بطريقة الدبلوماسية الناعمة نتيجة عدم وصول ضرر سد النهضة مباشرة للمواطنين خلال سنوات الملء الأولى، لا يجب أن يكون نهجًا دائمًا لمصر، التي يجب أن تلوح بأي أوراق ضغط متاحة لديها لإجبار الجانب الإثيوبي على عدم الاستمرار في حجز المياه خلف سد النهضة وبناء المزيد من السدود الأخرى”.
انهيار محتمل وتكلفة عالية
وسبق أن حذرت مصر والسودان من مخاطر جيولوجية قد تؤدي إلى مشكلات في بنية سد النهضة، وطالبت دولتا مصب نهر النيل بضرورة مشاركة إثيوبيا في وضع إجراءات تشغيل وملء السد. ويرى بعض الخبراء – أغلبهم مصريون وعرب – أن السد مُقَام على فالق أرضي، وهناك احتمالات لانهيار التربة وحدوث زلازل، بسبب ضغط المياه على القشرة الأرضية.
ويقول الخبير المائي عباس شراقي إن انهيار السد يمثل خطرا إقليميا داهما، يهدد الأمن والسلم الدوليين وهما من أبرز اختصاصات مجلس الأمن والمنظمة الأممية. ويرى خبير السدود المصري أن الخطر الأكبر على السودان ومن بعدها مصر في حالة انهيار السد لأي سبب كان، من خلال قنبلة مائية محملة بمليارات الأمتار المكعبة من المياه، تهدد حياة نحو 20 مليون سوداني يعيشون على ضفاف النيل الأزرق، بينما تقبع إثيوبيا في أمان تام لبعد العاصمة أديس أبابا بمسافة تزيد على ألف كيلومتر عن موقع بناء السد.
كما أوضح عباس شراقي أن الحكومة المصرية قامت خلال السنوات القليلة الماضية بحفر آلاف الآبار الإرتوازية لتوفير مياه الري في بعض المناطق الصحراوية، والبئر الواحد يتكلف من مليون إلى 5 ملايين جنيه (102 ألف دولار) بحسب طبيعة التربة ووفرة المياه الجوفية.
وأضاف الخبير المصري على صفحته بالفيس بوك إن الحكومة المصرية تواصل كذلك العمل على استكمال مشروع تبطين الترع، واحلال منظومة الري الحديث في الدلتا والوادي الجديد. ويعطي شراقي مثالا لمحطات المعالجة مثل محطة بحر البقر أو غرب الإسكندرية تتكلف الواحدة منها أكثر من 50 مليار جنيه، فضلا عن تكلفة التشغيل والصيانة الدورية.
ويُقْدِر خبير المياه المصري تكلفة تعويض كل مليار متر مكعب من المياه تحجزه إثيوبيا بنحو 10 مليارات جنيه مصري، تتحملها خزينة الدولة المصرية، بسبب الكُلفة العالية لمشاريع تحلية وإعادة تدوير المياه، وتعديل التركيب المحصولي وغيرها، فضلا عن سياسات التقشف المائي.