أحزاب

المشهد السياسي المصري .. أحزاب في غياهب النسيان

في ظل التطورات المتسارعة على الساحة السياسية المصرية، تجد الأحزاب السياسية نفسها في موقف صعب، مما يعكس غيابًا واضحًا عن المشهد العام وحالة من الإحباط الشديد بين المواطنين.

وإن تساؤلات شتى تطرح نفسها: لماذا يبدو أن الأحزاب السياسية في مصر لا تزال تعيش في غياهب النسيان، رغم مرور أكثر من عقد على الثورة؟

غياب فعاليّة الأحزاب

تتسابق الأحزاب السياسية على الساحة، ولكن غالبًا ما تكتفي بترديد الشعارات والوعود دون استراتيجية واضحة. كما يبدو أن كانت هناك دروس مستفادة، فإن غالبية الأحزاب لم تعر التحديات الحقيقية التي تواجه الشعب المصري أي اهتمام.

“الأحزاب في مصر تعيش حالة من الانفصام عن الواقع، فالكثير منها لا يعي تفاصيل قضايا المواطنين اليومية، وتحاول دوما تطبيق حلول نمطية لا تعكس الواقع المعاش”، كما قال أيمن رفعت، عضو سابق في حزب سياسي.

الأخطاء المتكررة وعدم التعلم من التجارب السابقة

لا يمكن تجاهل أن الأخطاء السياسية واردة، لكنها تختلف من حزب لآخر بحسب كيفية تعاطي كل حزب معها.

يصف المحلل السياسي الدكتور حاتم عادل المشهد بقوله: “بعض الأحزاب تعجز عن التعلم من الأخطاء السابقة.

وكأن التاريخ لا يعيد نفسه مع هؤلاء. الأخطاء السياسية لا تُفيد فقط بمعرفة السقوط ولكن يجب أن تكون نقطة انطلاق نحو الإصلاح.”

تجتمع غالبية الأحزاب على ارتكاب نفس الأخطاء المتمثلة في عدم التواصل الفعّال مع الناخبين وعدم تقديم حلول واقعية للأزمات.

وهذا الأمر يؤدي إلى تزايد أعداد الشكاوى من قِبل المواطنين، الذين باتوا يشعرون بخيبة أمل تجاه الأحزاب السياسية.

إحباط متزايد في الشارع المصري

“إن الأمر لا يتعلق بالسياسة، بل يتعلق بأسلوب حياتنا” يقول محمد عبدالله، أحد المواطنين من القاهرة.

ويتساءل محمد عن الفائدة من الأحزاب إذا كانت تتجاهل القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على حياتهم اليومية. “نحتاج إلى أحزاب تتحرك في الشارع وتستمع لنا. لم نرَ أي تفهم لمشاكلنا.”

هذه الشكوى تعكس مشاعر الإحباط المتفشية بين قطاعات واسعة من الشعب. فالكثيرون يرون أن الأحزاب تتخذ سياسات تتجاهل احتياجات مجتمعاتهم، وينتهي بهم الحال إلى اليأس من الفاعلية السياسية.

الأحزاب ومفهوم المواطنة

المشكلة تكمن في فهم مفهوم المواطنة لدى بعض الأحزاب. “بعض الأحزاب ترى أن دورها يقتصر على الانتخابات فقط،

بينما يفترض بها أن تكون جسرًا بين المواطن والدولة، وأن تعكس صوته في قضايا مؤثرة”، تضيف سلمى زكريا، ناشطة سياسية. يبدو أن الابتعاد عن المشاركة الشعبية، هو السبب الجذري في تواري الأحزاب عن الأضواء.

تسعى بعض الأحزاب إلى تقديم نفسها كبديل للقوى السياسية القديمة، متعهدة بتحقيق التغيير، ولكن سرعان ما ينكشف غبار النجاح، ومعه تظهر المشكلات التي كانت مؤجلة.

“خطوات التحول الديمقراطي تحتاج إلى وقت، لكنها رهينة الإرادة السياسية للأحزاب”، يقول الدكتور نبيل العشري، أستاذ العلوم السياسية.

فشل الكثير من الأحزاب في تحقيق الأهداف

إن الفشل في تحقيق الأهداف والتطلعات التي وُضعت لحماية حقوق المواطنين يعكس عدم جدية الأحزاب في تحقيق التغيير المنشود.

بدأت الأحزاب السياسية تبتعد عن ما أسسها الشعب من أجله، فهمت الكثير من الأحزاب أن تأمين مقاعد في البرلمان هو كل ما تحتاجه، مع ترك القضايا المعيشية والحقوقية في الخلفية.

الصراع يشتد بين الأحزاب الناشئة والقديمة، ويحاول الكثيرون استعادة ثقة الجمهور من خلال الوعود، لكن الفارق بين المعمول به والوعود المقدمة يبدو شاسعًا.

“نرى دائمًا خطابًا جميلًا، لكن في النهاية نجد أنفسنا محاصرين بنفس المشاكل”، كما تقول هالة سمير.

أين الحلول؟

تتساءل الكثير من آراء المواطنين والخبراء: إلى أي مدى يمكن للأحزاب السياسية أن تتعلم من الأخطاء والخيبات السابقة؟

هل ستظل تتبع نفس النمط غير المجدي، أم ستستجيب لصوت الشعب؟ الأمر يتطلب إرادة فعالة ورؤية عميقة لمستقبل مصر السياسي.

إن فتح المجال للحوار مع الجمهور يعد أمرًا ضروريًّا. يجب على الأحزاب السياسية أن تعيد تقييم استراتيجياتها وأن تتفاعل بشكل إيجابي مع القضايا التي تهم المواطنين.

دعوة لإعادة النظر في الاستراتيجيات

يجب على الأحزاب أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المجتمعات.

يجب أن تسعى نحو تحقيق واجباتها تجاه المواطنين بطرق جديدة، تتجاوز الأطر التقليدية للعمل السياسي. إن تقليد النماذج الفاشلة لن يُفضي إلا إلى المزيد من الإخفاقات.

من المهم أن يتم تشكيل لجان حوار بين الأحزاب الجماهيرية والمواطنين، حيث يتم وضع خطوط واضحة لوضع الاحتياجات المجتمعية قيد الاعتبار واستشارة المواطنين بشأن القضايا السياسية والاقتصادية.

بوادر أمل: ضرورة التغيير الجذري

بغض النظر عن الحالة الحالية، لا تزال هناك فرصة لبناء علاقات أكثر فعالية بين الأحزاب والمواطنين.

بعض الأحزاب بدأت تدرك أهمية التواصل والمشاركة المجتمعية، وتعمل على تطوير برامج تتفاعل مع المجتمع بفاعلية.

إذَا، يجب أن يُنظر إلى هذه اللحظة على أنها دعوة للربط بين قوى المجتمع والأحزاب، لكي نعزز من فعالية الأحزاب ونحقق التعاون المثمر.

فالمشاركة والنقاش الفعال مع الجمهور سيعملان على تحقيق الأهداف المنشودة.

إعادة روح السياسة إلى الشارع

يجدر بالأحزاب السياسية أن تدرك أن لها دورًا هامًا في توحيد المجتمع وتحقيق الاستقرار. العزوف عن المشاركة السياسية سيؤدي إلى مزيد من الفجوات وفقدان الثقة في العملية السياسية ككل.

إن الأساس الحقيقي للنجاح يعود إلى إدراك أهمية بناء علاقات ثقة مع المواطنين، وهذا سيتطلب جهدًا كبيرًا ورؤية واضحة للأمام.

ختامًا، على الأحزاب السياسية أن تكون في خدمة الشعب، وليس العكس. فبدون ذلك، فإن غياهب النسيان ستكون المصير المحتوم لكل من يفشل في التنفيذ والتغيير.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى