الأحزاب المصرية .. نداءات الغياب في معترك السياسة
في خضم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها مصر، تتزايد الأصوات المنادية بضرورة إعادة تقييم دور الأحزاب السياسية، التي باتت تُعتبر غائبة بشكل ملحوظ عن الساحة السياسية.
ولا يقتصر الغضب على المواطنين فحسب، بل يمتد ليشمل المختصين والمهتمين بالشأن السياسي، وفي هذا السياق يطرح موقع “أخبار الغد” تساؤلات ملحة حول فعالية هذه الأحزاب في إيصال صوت المواطن واهتمامها بقضاياهم اليومية.
غياب الحركة السياسية
بدأ الأمر يتضح في السنوات الأخيرة، حيث تقلص دور الأحزاب السياسية إلى حد بعيد. فعلى الرغم من وجود العديد من الأحزاب، إلا أن تأثيرها على صنع القرار في البلاد بات شبه معدوم.
وتعكس الشهادات المختلفة لمواطنين مثل عمرو حسن، موظف حكومي، الإحباط من غياب الأحزاب: “لقد كنا نأمل أن تعبر الأحزاب عن مشاكلنا، لكنها اليوم مجرد أسماء بلا فاعلية.”
تُظهر هذه الكلمات وضعًا مجتمعيًا يفتقر إلى الثقة والإيمان بقدرة الأحزاب على تحسين حياة المواطنين.
وتحذر التحليلات من أن هذا الاتجاه قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الشباب والسياسة، مما يجعلهم يشعرون بعدم الانتماء.
أصوات مختصين تُنبه
يتفق العديد من المختصين على أن غياب الأحزاب عن الحياة السياسية يعود إلى العديد من الأسباب، بدءًا من ضعف التمويل وصولًا إلى غياب برامج واقعية تخدم مصالح المواطنين.
ويقول الدكتور سامي عبدالله، أستاذ العلوم السياسية، “إذا كان الأحزاب تريد أن تستعيد دورها، فعليها أن تكون أكثر قربًا من احتياجات الشعب، وتطرح حلولًا عملية للقضايا التي تهمهم.”
أصبح من الضروري أن تتجه الأحزاب نحو التأصيل الديمقراطي والتفاعل مع القواعد الشعبية، وهو ما يحتاج إلى جهد جماعي وتحول حقيقي في طريقة العمل الحزبي.
أغلبية المواطنين تفضل الغياب
تبدت حالة من الفوضى السياسية، حيث يسود شعور بعدم الانتماء ففي استطلاع رأي أخير، أظهر 70% من المشاركين عدم رضاهم عن أداء الأحزاب السياسية.
“لا أرى فائدة من الانتماء لأي حزب سياسي. هم يتحدثون عن مشاكلنا ولكنهم لا يهتمون بحلها,” تقول نجلاء، طالبة جامعية.
من الواضح أن هذا الغضب بسبب عدم قدرة الأحزاب على تلبية توقعات المواطن، مما يجعلهم يشعرون بأنهم غائبون عن المشهد. ومع فقدان الثقة، يتجه الكثيرون إلى اعتناق قيم الفردية بعيدًا عن الجماعات.
الحوار الوطني .. فرصة للعودة؟
مع الدعوات إلى الحوار الوطني، يبدو أن الأحزاب قد حصلت على فرصة ثمينة لتقديم أنفسهم كممثلين حقيقيين للشارع، ولكن الشكوك ما زالت قائمة حول مدى جدية هذه المساعي.
“من الجيد أن يكون هناك حوار، لكن الأهم هو أن تكون هناك نتائج فعلية تُترجم على أرض الواقع,” يضيف الدكتور محمد سعيد، خبير في الشأن السياسي.
جميع الأعين تتطلع إلى كيف ستتعامل الأحزاب مع القضايا المطروحة وكيف ستُناقش مطالب المواطنين، ومدى استعدادها لتحمل المسؤولية عن تنفيذ تلك المطالب.
مشاكل القانون واللوائح
تظهر مشكلة أخرى تعيق عمل الأحزاب وهي القوانين واللوائح التي قد تعيق عملية التحرك بفعالية.
وتعاني عدة أحزاب من التحديات القانونية والإدارية التي تدخل في سياق معوقات الحركة السياسية. وتُظهر التقارير أن النظام الانتخابي نفسه قد يكون بحاجة إلى تطوير لتسهيل التنافس العادل.
يدعو الناشطون الشباب إلى إعادة النظر في هذه القوانين من أجل تعزيز المشاركة السياسية وفتح المجال أمام الأحزاب الجديدة والقديمة لتحقيق التوازن في الساحة.
الأمل في جيل جديد للقيادة
على الرغم من الظروف الحالية، تظل هناك علامة إيجابية تتمثل في ظهور جيل جديد من القادة الشباب الذين يتطلعون إلى تغيير المشهد السياسي.
وتبرز أسماء مثل سارة عبدالرحمن، ناشطة سياسية، التي تؤمن بضرورة تجديد العمل الحزبي: “عندما نتحدث عن السياسة، يجب أن نكون ناطقين باسم الأمل، وليس باسم الإحباط.”
تؤكد هذه المواقف أن الشباب يعتبرون الأمل الحقيقي في تغيير الأوضاع الراهنة، ويؤمنون بأن العمل الجماعي يملك القدرة على تحقيق تأثير فعلي.
الحاجة إلى برامج فعالة
تطالب الأحزاب بتبني برامج سياسية حقيقية تتفاعل مع قضايا الأسرة والمواطن المصري البسيط. يتحدث الكثيرون عن ضرورة أن تضع الأحزاب في اعتباراتهم قضايا مثل التعليم، والرعاية الصحية،
وظروف العمل. “لكي نرى تغييرًا حقيقيًا، يجب على الأحزاب أن تكون لديها رؤية واضحة تخدم المواطنين بجميع فئاتهم,” تقول هالة محمد، ربة منزل.
إذا أرادت الأحزاب أن تحظى بتأييد المواطن، فعليها أن تكون قريبة منه، تعرف مشاكله، وتعمل على تقديم حلول عملية.
الطريق نحو التغيير
تشير جميع الدلائل إلى أن الأحزاب السياسية في مصر بحاجة إلى إصلاحات جذرية لتستعيد دورها الفاعل في المشهد السياسي.
ويجب أن تتجه هذه الأحزاب نحو تعزيز أواصر الاتصال مع جماهيرها، واعتماد برامج واقعية تحقق طموحات وأحلام الشعب المصري.
يبقى الأمل معلقاً على جيل جديد من القادة الذين يسعون حقًا للبناء وتحقيق التغيير. فهل ستستجيب الأحزاب لهذه الدعوات وتعمل على إحياء دورها في حياة المواطن المصري؟
الإجابة لن تأتي سريعًا، لكن بالتأكيد الطريق إلى التغيير سيبدأ بخطوات جادة نحو إعادة الثقة بين الأحزاب والشارع.