غياب سياسي قاتل .. هل أصبحت الأحزاب تقلد الآخرين
في ظل الظروف السياسية الراهنة التي تعصف بمصر، تشتعل النقاشات بين المواطنين والمختصين حول دور الأحزاب السياسية وتأثيرها الفعلي على المجريات الاقتصادية والاجتماعية.
ويظهر من خلال هذه النقاشات أنها أصبحت مجرد كيانات شكلية، تقليدًا للآخرين، بدلًا من أن تكون مراكز فاعلة تسهم في تطوير المجتمع.
الأحزاب السياسية: إلى أين؟
تأسست العديد من الأحزاب السياسية في مصر، بعد ثورة 2011، بهدف تحقيق التغيير والإصلاح.
وقد توقع الكثير من المواطنين أن تلعب هذه الأحزاب دورًا حيويًا في تعزيز الديمقراطية ورسم ملامح المستقبل.
لكن الواقع يشير إلى أن معظم الأحزاب قد أثبتت عدم قدرتها على تلبية احتياجات الشعب، مما أدي إلى شعور عام بالخيبة والإحباط.
“الأحزاب أصبحت مكررة للأفكار والآراء دون أي جديد. وأين هو دورها في معالجة القضايا التي يواجهها المواطنون؟”، يقول عماد جبر، مواطن مهتم بالشأن السياسي.
وبالفعل، وبعد سنوات من الثورة، لا يزال المواطنون يعانون من تحديات كبرى، بدءًا من البطالة إلى ضعف الخدمات الأساسية.
فالتقليد في الأداء يجعل من هذه الأحزاب مجرد أطراف تتنافس على المقاعد دون أن تسعى لبناء حلول فعالة.
تأثير كورونا: فرصة للتغيير أم فشل
أضرت جائحة كورونا بالعديد من الاقتصادات حول العالم، وكان لها تأثير كبير أيضًا على الواقع السياسي في مصر.
وبالرغم من ذلك، لم يكن للأحزاب دورٌ ملموسٌ في تقديم الدعم والمساعدة للمواطنين خلال هذه الأزمة.
اُنشروا أفكار جديدة، وكونوا في الصف الأول للدفاع عن حقوق الفئات الأكثر تضررًا، لكن لم يكن هناك أي تحرك من قبلهم.
تضيف سلمى عادل، ناشطة سياسية، قائلة: “لقد رأينا في أماكن أخرى كيف يمكن أن تلعب الأحزاب دورًا محوريًا في الأزمات،
لكن هنا في مصر، يبدو أن الجميع منصب على كسب الشعبية بدلاً من تقديم يد العون.”
التقليد والضعف: هل فقدت الأحزاب مصداقيتها؟
تعتبر ظاهرة التقليد إحدى المشكلات الرئيسية التي تساهم في تفشي ضعف الأحزاب السياسية.
وبدلًا من تقديم رؤى وأفكار جديدة تهدف إلى تحسين واقع الحياة، يبدو أن تلك الأحزاب تتبنى استراتيجيات وحلول مستوردة دون تدقيق.
والتحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها مصر تحتاج إلى أحزاب قادرة على التفكير بشكل مستقل وتقديم برامج تناسب خصائص المجتمع المصري.
“الأحزاب تعتمد على تكرار التجارب الفاشلة بدلاً من استنباط أفكار جديدة تلبي احتياجاتهم”، يقول دكتور حسن عوض، أستاذ العلوم السياسية.
ويضيف: “يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية للتغيير والتطوير، لكن يبدو أن البقاء في الوضع الراهن هو الخيار الأكثر سهولة بالنسبة لهم.”
آراء المواطنين: حالة من الإحباط
لم يقتصر الغضب على النخب والمحللين السياسيين؛ بل يتجلى أيضًا في آراء المواطنين العاديين. فقد جاءت العديد من الردود تعبر عن حالة من الإحباط العام.
“من يتوجه إليه المواطن للحصول على الدعم أو المساعدة؟ كل الأحزاب تتجاهل الواقع ولا تقدّم أي حلول حقيقية”، تقول شيرين سمير، ربة منزل.
المواطنون يرون أن الأحزاب بحاجة إلى التوجه نحو الشارع، والاستماع إلى المواطنين، وفهم احتياجاتهم قبل أن تكون هناك أي محاولات لتحسين الهوية السياسية. ويؤكد هؤلاء أن الوقت قد حان لإصلاح حقيقي يتجاوز المناكفات السياسية الحالية.
دروس من الخارج: النماذج الناجحة
قد لا يكون الأمر محسومًا، فهناك نماذج ناجحة حول العالم تُظهر قدرة الأحزاب على التحول والتكيف مع الأوضاع الراهنة.
ومن المثير للاهتمام التطرق للعديد من الأحزاب السياسية التي استطاعت التعبير عن صوت المواطن بصورة حقيقية،
والتي أخذت في الاعتبار احتياجات الفئات الأقل حظًّا. هذه الأحزاب لم تتبع نهج التقليد ولكن سعت لتطوير رؤى جديدة تركز على القضايا الأساسية.
“من المهم أن نستلهم من النماذج الناجحة. لا يجب أن تكون الأحزاب مجرد نسخ متماثلة، بل يجب أن تتبنى قيمًا تجديدية تلبي احتياجات الشعب ولا تقتصر على المصالح الشخصية”، يبرز المحلل السياسي.
مستقبل الأحزاب: ضرورة الإصلاح الجذري
مع تصاعد القلق الناجم عن غياب الدور الفعال للأحزاب، بات من الضروري التفكير في الأساليب التي يمكن من خلالها إعادة بناء الثقة بين الأحزاب والشعب.
وهذا يتطلب تغييرًا جذريًا في كيفية تعامل الأحزاب مع القضايا اليومية، بالإضافة إلى إدخال أفكار جديدة تُحقق الاتصال الفعّال مع الجماهير.
“لا يمكن للأحزاب أن تستمر في إدارة دفة الحياة السياسية بنفس الطريقة التي اعتادوا عليها.
ويجب أن يركزوا على الناس كجزء من تجربتهم وخبرتهم. التواصل هو المفتاح”، يقول أحد الناشطين.
الحاجة إلى صحوة سياسية
إن مستقبل الأحزاب السياسية في مصر يتطلب التحول من التقليد إلى التجديد في الرؤى والأفكار.
والأحزاب ملزمة بالتكيف مع الأزمة الاجتماعية الحالية، والتفاعل مع المجتمع بكل شفافية وموضوعية.
والحق أن الشعور بالإحباط الذي يسود بين المواطنين يمكن تحويله إلى دافعٍ للتغيير، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية.
لا تزال أسئلة كثيرة مطروحة: هل ستستطيع الأحزاب السياسية تجاوز فترة التقليد العمياء وتقديم حلول فاعلة؟ هل ستستجيب لنداءات الجماهير؟
إن الوقت قد حان لإعادة النظر في الدور الذي يمكن أن تقوم به الأحزاب لتكون قوة إيجابية تُعزز الحياة السياسية والمجتمعية في مصر.