مصرمقالات ورأى

الدكتور أيمن نور يكتب : القرن الإفريقي بين أطماع إثيوبيا وحق العرب في الدفاع عن أمنهم القومي

في زمن تتشابك فيه المصالح وتتصادم فيه الإرادات،
تظل قضية المياه والصراعات الإقليمية في القرن الإفريقي علامة فارقة في تاريخ المنطقة.

هذا التاريخ الذي تحكمه أطماع متجذرة وأزمات متفاقمة، جعل من الصراع على المياه والنفوذ معركة مصيرية لكل من مصر والصومال.

ومع تصاعد التوترات في المنطقة، يبرز الدور المصري كحجر زاوية في الدفاع عن الأمن القومي العربي وحماية الشعب الصومالي من الأطماع الإثيوبية المتزايدة.


فهل يمكن أن يكون التدخل المصري في الصومال خطوة نحو استعادة الاستقرار، أم أن المنطقة مقدمة على مواجهة لا تعرف لها نهاية؟

منذ عقود طويلة، ظل الصراع المصري الإثيوبي حول مياه النيل بمثابة الجرح الذي لم يلتئم أبدًا.

سد النهضة، الذي أصبح رمزًا لأزمة المياه بين البلدين، لم يكن سوى تجسيد لتوترات أعمق، حيث تسعى إثيوبيا لتحقيق مصالحها على حساب حقوق مصر التاريخية في مياه النيل.


ولطالما كانت مصر حذرة إزاء أي تحركات إثيوبية تهدد أمنها المائي، فالنيل ليس مجرد نهر يمر بأرض الفراعنة، بل هو شريان الحياة الذي لا يمكن لمصر أن تتخلى عنه.


وكان موقف الفراعنة والملك ناصر والسادات ومبارك حاسما في هذا الصدد


كن، لم يتوقف الطموح الإثيوبي عند حدود المياه فقط، بل امتد ليشمل أطماعًا سياسية في المنطقة بأسرها.


فمذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال في يناير 2024 كانت بمثابة إعلان عن نوايا إثيوبيا للتوسع وبسط نفوذها على حساب دولة عربية أخرى،

هي الصومال. في خطوة أثارت غضبًا عارمًا في الأوساط الصومالية، وجعلت من إثيوبيا خصمًا مشتركًا لكل من مصر والصومال.

الصومال، الذي لطالما عانى من ويلات الحرب والانقسامات الداخلية، وجد نفسه مجددًا في مرمى الأطماع الإقليمية. فتحركات الامارات وإثيوبيا في أرض الصومال،

ومحاولاتها المستمرة للتدخل في الشؤون الصومالية، لم تكن سوى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى الهيمنة على القرن الإفريقي والوصول إلى البحر الأحمر بأي ثمن.

في هذا السياق، لم تقف مصر عاجزه فسارعت مصر إلى توقيع بروتوكول تعاون عسكري مع الصومال في أغسطس 2024، في خطوة لم تكن تهدف فقط تهدف إلى حماية الشعب الصومالي، بل أيضًا إلى الحفاظ على أمن مصر القومي وأمن المنطقة العربية بأسرها.
المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الإفريقية (أوصوم) جاءت في هذا الإطار، لتؤكد أن مصر لن تتوانى هذه المرة عن الدفاع عن حقوقها وحماية مصالحها.

لقد شكلت مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع أرض الصومال، دون أدنى اعتبار للسيادة الصومالية أو للقوانين الدولية، الفتيل الذي أشعل نيران الصراع في المنطقة. فالصومال، الذي لم يعترف المجتمع الدولي بأرض الصومال كدولة مستقلة، اعتبر هذه الخطوة تعديًا سافرًا على سيادته،
وسرعان ما بدأ في حشد الدعم الإقليمي والدولي لمواجهة هذا التحدي الجديد.

في ظل هذه التوترات المتصاعدة، جاء الدور المصري كعامل هام في المنطقة.
فتوقيع بروتوكول التعاون العسكري مع الصومال لم يكن مجرد إجراء دفاعي، بل كان تأكيدًا على حق مصر المشروع في حماية أمنها القومي والدفاع عن الشعب الصومالي ضد أي تهديدات خارجية.


مشاركة مصر في قوات “أوصوم” تحت مظلة الاتحاد الإفريقي جاءت لتؤكد أن التدخل المصري يتم في إطار قانوني وشرعي واضح، يهدف إلى الحفاظ على استقرار المنطقة وضمان حقوق الشعوب في العيش بسلام.

من جانبها، لم تتردد إثيوبيا في التعبير عن رفضها القاطع لهذه التحركات المصرية.
فبيان وزارة الخارجية الإثيوبية الصادر في 28 أغسطس 2024، حمل في طياته تهديدات واضحة، محذرًا من أن أي تدخل مصري في الصومال يعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإثيوبي.
ومع استمرار إرسال مصر لمعدات عسكرية وخبراء إلى مقديشو، يزداد التصعيد وتتعقد الأمور، مما يجعل المنطقة ربما تكون على شفا مواجهة مفتوحة.

إن ما يحدث اليوم في القرن الإفريقي هو أكثر من مجرد نزاع إقليمي؛ إنه معركة حقيقية على مستقبل المنطقة وأمنها. مصر،تجد نفسها اليوم في مواجهة مباشرة مع أطماع إثيوبيا المتزايدة.

وفي هذه المواجهة، لا تدافع مصر فقط عن حقوقها، بل تدافع عن حق كل دولة عربية في الحفاظ على سيادتها وأمنها.
إن التدخل المصري في الصومال هو خطوة ضرورية لحماية أمن المنطقة واستعادة الاستقرار، في زمن أصبحت فيه المصالح الوطنية والعربية على المحك.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى