يأتي مقالي اليوم ردًا على مذكرات أستاذي وصديقي الحبيب الدكتور أيمن نور، الذي دعاني إلى التأمل في تجربة الغربة التي عاشها لمدة أربعة آلاف يوم.
إن هذه السنوات لا تحمل فقط عبء الفراق عن الوطن، بل تمتد لتشمل أعماق الذاكرة وترسم اللوحات النفسية التي قد تتجاوز الألم، محاطة بأنغام الأمل للعودة.
دعوته للعودة إلى مصر ليست مجرد الإسهاب في فكرة الاغتراب؛ بل هي دعوة للانخراط في دورة سياسية جديدة قد تنعش الحياة السياسية وتغذي الحراك الحقيقي الذي نحتاجه.
حيث يبدأ الدكتور أيمن حديثه عن تجربته في الغربة بوصف ذاكرته كتركيب بانورامي مليء بالتفاصيل الشخصية والعائلية.
وإن مكاتيب السجن، ورائحة الكتب، ومصحف والدته، جميعها تجسيد لذكرياته التي تلاحقه كظلال في حياته.
وإن استرجاعه لتلك اللحظات يكشف عن عمق تأثير البيئة المحيطة على الهوية والشعور بالانتماء.
وهذه الذاكرة تشبه فسيفساء معقدة تربط بين الحظات والأماكن، وتبين كيف يمكن للتجارب الشخصية أن تعكس واقعًا أكبر، واقع وطن منقسم بين آمال بنائه وكوابيس الفقد.
وفي تلك اللحظة الحرجة، حيث تلقى مكالمة هاتفية حاسمة قبل مغادرته إلى الخارج، تتضح لنا مشاعر الخوف والقلق، فضلًا عن ضغط الخيار المؤلم إما القبول أو الرحيل.
وهذا التحول يمثل الصراع الداخلي الذي يواجهه العديد من المصريين في أوقات التوتر، حيث يُجبرون على اتخاذ قرارات قد تكون مصيرية وتغير مجرى حياتهم.
وإن الخيار الذي اضطر إليه الدكتور أيمن هو خطة مدروسة لقوة الاستبداد التي تكتنفهم؛ فهذا يدعونا جميعًا للتفكر في خياراتنا الخاصة وما إذا كنا مستعدين للتضحية من أجل مبادئنا ومعتقداتنا.
فإن دعوتي للدكتور أيمن العودة إلى مصر تحمل في طياتها مشاعر الفخر والتفاؤل.
كل تجربة لم تذهب أدراج الرياح، بل تُثري تجربته التي تمتد بتعقيداتها إلى واقع الحياة السياسية في مصر.
فمن المؤكد أن عودته ستكون إضافة حقيقية، ليس فقط بصوته، ولكن بخبرته التي ستساهم في إشعال فتيل الحراك السياسي الذي نحتاجه بشدة.
يحتاج الوطن اليوم إلى شخصيات تمتلك رؤى استثنائية وقدرة على التأثير الإيجابي على مجرى الأحداث السياسية والاجتماعية.
وإن ما ذكره الدكتور أيمن حول أهمية الصوت الحر في المجتمع هو نقطة البداية لكل التحولات التي ننتظرها. وإن الكلمة الحرة تمثل النور الذي يمكن أن يرشدنا في عتمة الاستبداد.
ومع ذلك، ومن خلال تجربته في الغربة في لبنان وتركيا، يجب أن نشير إلى أن الغربة ليست فقط فراغًا جسديًا، بل هي أيضًا غربة عن الثقافة والانتماء.
فبينما يعتز المصريون بهويتهم الوطنية، يصعب عليهم أن ينفصلوا عن جلادتهم حول الأحداث السياسية.
يأخذ الدكتور أيمن قراءته الحالية من تجربة الفقر والضياع الناجمة عن الديكتاتوريات، وهي تجربة يستشعرها كل من عاشوا تحت وطأة الاستبداد. لم تعد قضايا الحرية مسألة فردية، بل تعكس الواقع الجماعي لأمة تسعى للحرية.
حيث يؤكد الدكتور أيمن على حق كل مصري في العودة إلى وطنه. إن هذه العبارة ليست مجرد دعوة عاطفية، بل هي دعوة لإصلاحات سياسية واجتماعية عميقة.
ويجب أن نستعد لتخطي حدودنا الفردية ونعيد بناء الوطن الذي نؤمن به. تخيل وطنًا لكل أبنائه، حيث تكون هناك فرصة لكل شخص ليكون جزءًا من مشهد إيجابي.
وتتغير القوانين، وتتبدل الأنظمة، لكن يبقى الوطن، كمفهوم متجذر، هو الوطن الذي نحتاجه جميعًا.
وإن تلك الدعوات للاحتشاد السياسي لا تعني مواجهة السلطة فحسب، بل تعني إنشاء نظام منفتح يسمع أصوات الناس.
وإن حراكهم في الشوارع هو مجرد جزء من صورة أكبر تسعى نحو إنقاذ مصر من الغرق في مخالب الاستبداد.
وإن عودة الدكتور أيمن نور تشكل فرصة لتفعيل الحوار والمشاركة وإعادة بناء الثقة بين السلطة والشعب.
وعودته لم ولن تقتصر على التأثير الشخصي، ولكنه ينبغي أن يكون بداية لحقبة جديدة من البناء والتغيير.
ويجب علينا كأبناء هذا الوطن أن نستمر في تطوير أفكارنا ومطالبنا. إننا بحاجة لرؤى جديدة تقوم على النضال من أجل حرية الرأي والمشاركة الشعبية.
فليكن صوتنا واحدًا، آملين في غدٍ مشرق يقدم لمصر فرصة جديدة للنمو والتطور. ولنُظهر للعالم أن لدينا الحق في أن نكون جزءًا من القصة، وأن نضع بصمتنا في تاريخ وطننا الذي نؤمن به.