مقالات ورأى

هلال عبدالحميد يكتب: نقابة المعلمين تحت الحراسة .. معركة الحقوق المنسية

في 11 أغسطس 2015، عُقدت جلسة في محكمة عابدين للمطالبة بإنهاء الحراسة على نقابة المهن التعليمية، حيث حضر 98 معلمًا.

وبعد انتهاء الجلسة، اقترحت على الزملاء التوجه إلى قصر الرئاسة في عابدين مستغلين هذا العدد الكبير.

كنت قد أعددت مذكرة نطالب فيها السيد رئيس الجمهورية بلقاء وفد من المعلمين لعرض مطالبنا.

يبدأ زهران كتابه بعد مقدمة استغرقت صفحة واحدة تتناول هذا الحدث الهام، الذي كان من الممكن أن يكون بداية لحل مشكلات المعلمين وتطوير التعليم، واستعادة نقابة المعلمين لأصحابها بدلاً من “العصابة” التي تسيطر عليها بدعم من الأجهزة، والتي تتصرف في مليارات أموال المعلمين وعقاراتهم ومستشفياتهم وفنادقهم وشواطئهم، دون أن تقدم لهم شيئًا سوى 115 جنيهًا كمعاش شهري يُصرف كل ثلاثة أشهر.

اهتمت الرئاسة بالموضوع وكلفت الوزارة بمقابلتهم، حيث كلفت الدكتور طارق شوقي، رئيس المجلس التخصصي للتعليم، قبل أن يصبح وزيرًا.

لكن بعد تعيينه وزيرًا، تم فصل زهران من عمله كمعلم في 5 سبتمبر 2018، وحرض على اعتقاله أثناء توجهه مع يحيى المنشاوي وسمير غريب و23 معلمًا لتقديم بلاغ ضد الوزير بتهمة إهدار المال العام في مشروع التابلت. وقد تم القبض على زهران أمام بوابة محكمة النقض.

عرفت الدكتور محمد زهران خلال ثورة 25 يناير، حيث كنت أحضر مع بعض زملائي، مثل عبد الناصر الزيني وبدوي الصاوي، من معلمي ساحل سليم بأسيوط.

كانت هذه اللجنة النقابية الوحيدة للمعلمين على مستوى الجمهورية التي فازت فيها القوى المدنية بـ 12 مقعدًا من 15، بالإضافة إلى مقعد النقيب بنسبة 81.25% من عدد المقاعد في أول انتخابات للمعلمين بعد الثورة، بينما لم يفز الإخوان إلا بـ 3 مقاعد.

تتناول نقابة المعلمين، القوى المدنية، والإخوان، حيث لا تهم نقابة المعلمين التيارات والأحزاب المدنية، إذ يركزون على النقابات المهنية الأخرى مثل الصحفيين والأطباء والمهندسين.

لكن محمد زهران كان المدني الوحيد الذي نافس تنظيم الإخوان وترشح بمفرده ضد مرشحهم، حيث اكتسح مرشح الإخوان على مقعد نقيب المعلمين في اللجنة النقابية بالمطرية في الانتخابات الأولية للنقابة، التي كانت تضم 319 لجنة نقابية.

في مقدمة كتابه “يوميات معتقل”، الذي كان ينشر مقتطفات منه على حسابه الشخصي على فيسبوك، قدم زهران نفسه في صفحة واحدة منذ دخوله معهد المعلمين وتعيينه معلمًا بالتعليم الابتدائي، مرورًا بتجنيده وحصوله على الثانوية العامة، وصولًا إلى حصوله على الدكتوراه.

في أقل من 100 صفحة (97) لم تُنشر ورقيًا، يروي زهران قصص اعتقاله بأسلوب روائي يحتوي على جميع عناصر الرواية من حكي وحوار وحبكة درامية وشخصيات وزمان ومكان، حيث يأخذنا في جولة بين أقسام الشرطة والنيابات والسجون.

لا يروي زهران معاناته كمعتقل فقط، بل ينقل لنا الانتهاكات التي يتعرض لها المتهمون من أفراد الشرطة في كل المراحل، وكيف يتعرضون للضرب والصفع والركل.

يحكي زهران عن ما كان يحدث في غرفة “المسجل الجنائي” بقسم الأزبكية، حيث يروي قصة ثلاث فتيات متهمات بالسرقة بالإكراه، وكيف رأى أمين الشرطة يوقفهن ويعتدي عليهن.

بين الفصحى والعامية القريبة من الفصحى، يروي زهران قصص المحاضر الملفقة، وقصص التدوير، ويتناول عشرات القصص لمساجين جنائيين وسياسيين.

وفي رواية طريفة، يحكي زهران على لسان عم حسين الحرامي، الذي كان يؤذن للصلاة في المحبس، قصة سرقة المصلين بمسجد الكخيا بشارع رمسيس، واستغرابه من عدم سرقة زهران في المسجد رغم تكرار صلاته فيه.

يستمر زهران في سرد قصصه، موضحًا كيف كانت ظروف الاعتقال داخل غرفة المحبس الصغيرة، حيث حُشر فيها 42 محبوسًا.

سجن برج العرب يرحب بالمعتقلين

عمت أجواء من الحزن والاكتئاب في حجز مديرية أمن الإسكندرية بعد تسريب خبر نقل المعتقلين إلى سجن برج العرب. وقد تفشى وباء كورونا في ذلك الوقت، وتم إجراء مسحة كورونا للمرحلين.

بعد صلاة فجر 27-11-2020، فتح الشاويش عم محسن الباب، وكان زهران هو الوحيد المستيقظ، فقال الشاويش: “يا دكتور، صحيهم وخليهم يجهزوا حاجاتهم علشان هتترحلوا”.

بكى بعض الشباب عندما أدركوا أن فترة حبسهم ستطول، خاصة بعد ما سمعوه عن ظروف الحبس في سجن برج العرب، الذي لم يعد يُطلق عليه سجنًا.

كان الاستقبال في سجن برج العرب، الذي تحول إلى مركز إصلاح وتأهيل، سيئًا للغاية.

طُلب منا خلع جميع ملابسنا عدا الشورت، بحجة فحص أي إصابات أو تشوهات قديمة، وتم تمزيق ملابسي الملونة.

المسير والإيراد والطيارة

استقبلنا أحد الحلاقين الذي حلق لنا شعرنا بشكل قصير، بينما كانت الأمطار تتساقط علينا. عرّفنا زهران بمصطلحات السجون.

فالمسير هو حلقة الوصل بين المعتقلين وإدارة السجن، وهو المسؤول عن تسكين المعتقلين في الزنازين، واستدعائهم لتوقيع الكشف الطبي في العيادة والمستشفى والزيارات وجلسات المحكمة. كان الكومي هو المسير عنبرين، وعندما رآني أرتدي الجلابية، قال أمام المعتقلين: “والله أنت شكل خالي بالضبط”، ثم أدخلني زنزانة تُدعى الإيراد.

الإيراد في السجن هي زنزانة يدخلها جميع المستجدين، سواء كانوا سياسيين أو جنائيين، حيث يمكث فيها المساجين الجدد حتى يتم توزيعهم على العنابر.

أما الطيارة، فهي جزء علوي من الزنزانة مكون من شبكة من الحبال المتينة، تغطي الزنزانة بالكامل، ويتم فرش بطاطين عليها لينام عليها المحبوسون.

يتم الصعود إليها عبر سلم مكون من حبلين وقطع خشبية، وارتفاع الطيارة لا يتجاوز مترًا وعشرين سم، مما يجعل من الصعب الوقوف فيها.

الكشف على المخدرات

في فترة الإيراد، كانوا يخرجون المحبوسين في قضايا جنائية في الصباح الباكر، ويدخلونهم غرفة كبيرة حيث يُطلب منهم خلع بناطيلهم والجلوس على قرافيصهم، ليتمكن المخبرون من فحصهم. كانت الرائحة غير جيدة، وبعد ذلك يدخلون الحمام واحدًا تلو الآخر ليغتسلوا.

الزنزانة 2/14

في الزنزانة 2/14، تعرف زهران على سليم عبدالفتاح، الذي كان مدير مدارس خاصة في الإسكندرية، وعليه العديد من الأحكام. بجواره كان الأستاذ ممدوح مرسي، سكرتير محافظ أسيوط سابقًا.

يصف زهران زحام سجن برج العرب بأنه من الفترات السيئة، حيث كان مخصصًا لكل شخص شبر وقبضة يد واحدة لينام عليها، بينما هو كان لديه شبر وقيضتين.

يواصل زهران وصف كيفية نوم المعتقلين، حيث يضطرون للنوم على جوانبهم طوال الليل، ولا يستطيعون النوم على ظهورهم. كانت الزنزانة تضم ثلاثة صفوف من المعتقلين، مما يجعل الوضع أكثر صعوبة.

الانتقال إلى سجن تحقيق طره

فوجئ زهران بمناداة اسمه، معتقدًا أنه سيتم الإفراج عنه، لكنه اكتشف أنه سيتم ترحيله إلى سجن تحقيق طره.

استقبله وكيل النيابة بترحاب، وعندما طلب زهران شرب الماء، أحضر له عسكري علبة عصير وزجاجة مياه معدنية.

العيد في المعتقل

يصف زهران أيام الأعياد في المعتقل بأنها من أسوأ الأيام، حيث يتم إلغاء التهوية اليومية، ويُغلق على المعتقلين طوال فترة الإجازة.

الحرارة وانقطاع الكهرباء

يسترجع زهران ذكرياته عن انقطاع الكهرباء في الأجواء الحارة، حيث وقعت معركة بين معتقلين بسبب الضغوط النفسية.

مرحبًا بك في سجن المزرعة

يستعرض زهران تجربته في الانتقال من سجن طره إلى سجن المزرعة، حيث بدأ الحديث عن قرار إخلاء سجن تحقيق طره في 15 ديسمبر 2021.

سمعنا أن السجن قد تم بيعه وأننا سنوزع على سجون أخرى، ولم نكن نأمل في الانتقال إلى سجن طره أو سجن الاستقبال القريب، لأن مجموعة سجون طره كانت ستُخلى بالكامل.

سجن المزرعة وإخلاء السبيل

على الرغم من الشائعات حول النقل وعيوب السجون الأخرى، إلا أن زهران وجد سجن المزرعة مختلفًا تمامًا عن السجون التي عاش فيها سابقًا.

كان السجن يحتوي على أسرّة نظيفة وحمامات واسعة ونظيفة مع مياه ساخنة. التقى بمجموعة من رفقاء الزنزانة من برج العرب، وبعد 15 شهرًا من الحبس، جاء الفرج.

نادى الشاويش: “محمد عبد الكريم، إخلاء”، وتم ترحيله إلى قسم المطرية. في مكتب الأمن الوطني بالأميرية، اكتشف أنه تم الإفراج عنه بتدابير احترازية، وكان عليه التوجه يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع لمدة ساعتين، حتى تم إلغاء ذلك بعد أكثر من شهرين.

زهران وحبسه في حزب المحافظين

قبل استقالتي من أمانة التنظيم بحزب المحافظين بعدة أشهر، اتصل بي محمد زهران ليخبرني بأنه يرغب في إقامة حفل بمناسبة عيد المعلم، وقد أرسل خطابًا لخلف الزناتي، القائم بأعمال النقابة، لكنه لم يتلق ردًا.

عرضت استضافة الفعالية على المكتب التنفيذي، فوافقنا وبدأنا الترتيبات، وتكفل الحزب بإعداد شهادات التقدير والدروع.

تسلمت من زهران كشوف المكرمين، وكان قد اختار يوم 10 سبتمبر لأنه يتزامن مع خروج أكثر من نصف مليون معلم في تظاهرة كبرى أمام مجلس الوزراء. يبدو أن اختيار هذا اليوم كان السبب وراء اعتقال زهران.

قبل الاحتفال بثلاثة أيام، اتصل بي زهران ليخبرني أنه مطلوب في الأمن الوطني بالعباسية. نصحته بأن يخبرهم أنه ضيف وصاحب الاحتفالية، أمين تنظيم حزب المحافظين.

في الأمن الوطني، طلبوا منه إلغاء الاحتفال بدعوى أنه يحرض المعلمين، وأجبروه على الاتصال بزوجته في الساعة الثانية صباحًا لمسح جميع الدعوات التي لم يكن هو صاحبها. يقول زهران: “بعد أن مسحت منشورات الحفل، طلبوا مني كتابة منشور لإلغاء الحفل، لكنني طلبت تعديلًا إلى التأجيل بدلاً من الإلغاء، فوافقوا”.

اعتقد زهران أن الأمور قد انتهت وأنه سيعود إلى حياته الطبيعية، لكنه اكتشف أن رئيس المجموعة طلب من الضابط الذي استدعاه أن يخرج من المكتب، وسلمه لضابط آخر ليكتشف أنه سيتم ترحيله إلى النيابة. تم نقله إلى سجن العاشر من رمضان دون أن يعرف قرار النيابة.

يقول زهران: “في سجن العاشر، كنا نتوقع أن نستمر محبوسين حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية”. ويضيف: “أكدت وجهة نظري عندما خرجت للتريض في اليوم التالي، حيث وجدت مجموعة من المحبوسين الجدد، وكانوا مجموعة من المعلمين من المنيا الذين علقوا على بيان أحمد الطنطاوي على فيسبوك، حيث أعلنوا دعمهم له في الانتخابات الرئاسية”.

اليوم العاشر والأخير في سجن العاشر

كانت القوى السياسية المعارضة جميعها تتبنى المطالبة بالإفراج عن زهران. في حزب المحافظين، أجلنا الاحتفالية، لكننا أصدرنا بيانًا بأننا سننظم وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عنه.

كان صوت حسام بهجت، مؤسس المبادرة للحقوق الشخصية، واضحًا في الانسحاب من الحوار الوطني إذا لم يتم الإفراج عن زهران، الذي كان أحد رموزه.

كما أصدر طارق العوضي، المحامي وعضو لجنة العفو الرئاسي، بيانًا شديد اللهجة يندد باعتقال زهران.

يبدو أن ضغوط المعارضة قد أثمرت، وبعد عشرة أيام من اعتقاله، قال زهران بعد أن ناداه المخبر:

“هل سأخرج اليوم؟” فأجابه: “لا أعلم، لكنهم بحاجة إليك بشكل عاجل.” ثم استقبلني أحد الضباط وطرق باب ضابط الأمن الوطني المسؤول عن السجن.

كان الرجل في غاية اللطف، حيث رحب بي وتحدث معي بود، وأبلغني أنه صدر قرار بإخلاء سبيلي، وأنهم في انتظار وصول رئيس المباحث الذي عاد لتوه إلى منزله، وطلبنا منه العودة الآن.

ويتابع زهران: اتصلت بهلال عبدالحميد، أمين تنظيم حزب المحافظين في ذلك الوقت، كما اتصلت بالزميل عز الدين الذي حضر من عين شمس.

جاء هلال ومعه أحد السادة المستشارين، وهو الصديق المستشار عادل النجار، وتوجهوا بي إلى منزلي في المطرية الساعة الثانية صباح يوم الأحد 17 سبتمبر 2023.

الحقيقة أن كتاب الدكتور محمد زهران “يوميات معتقل” ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو رواية حقيقية تعكس مسارات السياسة والعمل العام في مصر، حيث يدفع الكثيرون – وما زالوا – أثمانًا باهظة من أجل تغييرها. نأمل أن تؤدي هذه التضحيات إلى تغيير حقيقي وآمن، وتحقيق العدالة والكرامة، وإلا…

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button