اقتصاد

أسباب ودلالات هروب رؤوس الأموال من مصر

هروب رؤوس الأموال المصرية: نظام السيسي يُجبر المستثمرين على البحث عن ملاذات ضريبية

تُلقي السياسات الاقتصادية المُتعثرة لنظام عبد الفتاح السيسي بظلالها على مناخ الاستثمار في مصر، مما يدفع رجال الأعمال والمستثمرين إلى نقل رؤوس أموالهم إلى الخارج بحثًا عن بيئة أكثر استقرارًا.

تسببت الضرائب المُرتفعة، وسيطرة الجيش على قطاعات اقتصادية حيوية، ونقص الخدمات، في تآكل ثقة المستثمرين في السوق المصرية. وأجبرت هذه العوامل شركات مصرية كبرى على بيع أصولها ونقل ملكيتها إلى دول أخرى توفر حماية قانونية أفضل وإعفاءات ضريبية، خاصةً في مناطق “الملاذات الضريبية” أو ما يُعرف بـ “الأوفشور”.

شهدت الأشهر الماضية العديد من حالات هروب رؤوس الأموال، أبرزها نقل شركة “دومتي” لحصة عائلة الدماطي إلى شركة مسجلة في جزر الكايمن، المعروفة بقوانينها الضريبية المُيسرة. كما قامت شركة “النساجون الشرقيون” ببيع 24.61% من أسهمها لشركة بريطانية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أعلن رجل الأعمال سميح ساويرس توقف استثماراته في مصر وتحويلها إلى المملكة العربية السعودية، بسبب أزمة الدولار وسعر الصرف.

يُذكر أن نظام السيسي استهدف بعض رجال الأعمال خلال السنوات الماضية، حيث تم توقيف عدد منهم أبرزهم سيد السويركي، وصفوان ثابت، وصلاح دياب، وأحمد بهجت، وحسن مالك.

قانون الاستثمار الجديد يدفع المستثمر المصري للهروب

كشف الدكتور عبد النبي عبد المطلب، وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق، عن معاناة قطاع الاستثمار المصري من أزمات متعددة في السنوات الأخيرة، عازياً ذلك بشكل رئيسي إلى قانون الاستثمار الجديد الذي صدر عام ٢٠١٥.

وأوضح عبد المطلب في تصريحات صحفية أن القانون الجديد ساهم في توجيه جزء كبير من الاستثمارات، خاصةً من الإمارات، نحو العاصمة الإدارية الجديدة، مما أدى إلى إجبار الشركات على العمل مع حكومة الانقلاب في العاصمة الجديدة للحصول على فرص استثمارية. ونتيجة لذلك، عانت الشركات من تأخر مستحقاتها وتأثر نشاطها سلبًا.

وأضاف عبد المطلب أن القطاعين الصناعي والزراعي واجها “كارثة” بسبب القواعد والقوانين المنظمة للاستثمار التي أصدرها طارق عامر، محافظ البنك المركزي السابق، في فبراير ٢٠٢٢. وأشار إلى أن إلزام المستورد المصري باستبدال مستندات التحصيل بالاعتمادات المستندية للإفراج عن الواردات أدى إلى أزمة كبيرة أثرت على سلاسل الإمداد.

وأكد عبد المطلب أن هذه التحديات أدت إلى توقف بعض المصانع وعمل شركات أخرى بأقل من طاقتها الإنتاجية، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج وإجبار العديد من المنتجين على رفع أسعار منتجاتهم، مستشهداً بقطاع الألبان الذي شهد زيادة متكررة في الأسعار خلال عامي ٢٠٢٣ و ٢٠٢٤.

.تفضيل الاستثمار في الخليج .. القطاع الخاص بمصر يبحث عن ملاذات آمنة لأمواله

أعرب خبراء اقتصاديون عن قلقهم المتزايد إزاء هجرة رؤوس الأموال المصرية إلى الخارج، لا سيما إلى دول الخليج، وذلك في ظل ما يصفونه بـ”عدم استقرار سعر الصرف” و “تغول سيطرة الدولة على الاقتصاد”.

ويشير الخبراء إلى أن تذبذب سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، وعدم قدرة المستثمرين على التنبؤ بسياسات الحكومة الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، يجعل من الصعب عليهم إعداد دراسات جدوى دقيقة، مما يعرقل خططهم الاستثمارية.

“التعويم” يربك حسابات المستثمرين

وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد عبدالمطلب، أن “التعويم المستمر للجنيه المصري يضع المستثمرين أمام معضلة حقيقية، حيث يصعب عليهم تحديد تكاليف الإنتاج بدقة، مما يجعلهم يعزفون عن ضخ استثمارات جديدة”.

وأضاف عبدالمطلب أن “التأخير في اتخاذ قرار التعويم، وما صاحبه من انخفاض حاد في قيمة الجنيه، أثر سلبًا على ثقة المستثمرين، ودفع العديد منهم إلى البحث عن فرص استثمارية أكثر استقرارًا في دول أخرى، خاصة في منطقة الخليج”.

المنافسة غير العادلة تدفع المستثمرين للهروب

ولفت عبدالمطلب إلى أن “توسع الدولة في الأنشطة الاقتصادية، وهيمنة المؤسسات العسكرية على قطاعات واسعة من السوق، يخلق بيئة غير مواتية للقطاع الخاص، ويضعف من قدرته على المنافسة”.

وأوضح أن “المستثمرين يخشون من عدم تكافؤ الفرص، حيث تحظى مشروعات الدولة بامتيازات لا تتوافر للقطاع الخاص، فضلاً عن صعوبة الحصول على الأراضي والتمويل”.

الخليج .. وجهة جاذبة لرؤوس الأموال المصرية

وأشار عبدالمطلب إلى أن “دول الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، أصبحت وجهة مفضلة للمستثمرين المصريين، وذلك بفضل ما تتمتع به من استقرار سياسي واقتصادي، ووضوح الرؤية الاقتصادية، وتوافر البنية التحتية المتطورة”.

وأضاف أن “الإمارات، على سبيل المثال، نجحت في استقطاب استثمارات ضخمة في قطاعات السياحة والعقارات والخدمات اللوجستية، بفضل تبنيها سياسات اقتصادية مرنة، وتقديمها حوافز مغرية للمستثمرين”.

وخلص عبدالمطلب إلى أن “استمرار هجرة رؤوس الأموال المصرية إلى الخارج يمثل تهديدًا حقيقيًا للاقتصاد الوطني، ويستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لاستعادة ثقة المستثمرين، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة”.

هروب رؤوس الأموال: المبادرة المصرية تُحذر من هجرة الشركات المصرية بسبب الضرائب المرتفعة

حذرت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” من تنامي ظاهرة هجرة الشركات المصرية ورؤوس الأموال إلى الخارج، وأرجعت ذلك إلى ارتفاع الضرائب في مصر، مقارنة بوجهات استثمارية أخرى مثل دبي.

وأكد وائل جمال، مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة، في تصريحات صحفية، أن العديد من الشركات المصرية تتجه إلى تأسيس كيانات لها في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، هرباً من الضرائب المرتفعة في مصر. واعتبر أن هذا “نزوح ضريبي” يُفقد الموازنة العامة المصرية إيرادات ضريبية هامة، في وقت تعاني فيه من عجز مُزمن.

وأضاف جمال أن حكومة الانقلاب تُقدم امتيازات للمستثمرين الأجانب تفوق ما تُقدمه لنظرائهم المصريين، بما في ذلك حق تحويل الأرباح إلى الخارج بالعملة الصعبة، وهو ما يدفع المستثمرين المصريين إلى البحث عن بيئة أكثر مرونة لاستثماراتهم.

واستبعد جمال أن يكون خروج رؤوس الأموال مرده المخاوف بشأن أمن الاستثمارات في مصر، بل يرتبط بشكل أساسي بالسعي لتحقيق أعلى قدر من الأرباح وضمان سهولة تحويلها إلى الخارج.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى