مقالات ورأى

عبده فايد يكتب: حياة الماعز بين الهند والسعودية.. من أين أبدأ؟

شاهدت فيلم The Goat Life..ولا أدري هل أتحدث عن السعودية أم عن الهند أولًا..من أين نبدأ؟..من وأد الفتيات؟..أم من حرق العرائس؟..لا..نبدأ من أصل القصة..

ويجب أن يكون قلبك قويًا بما يكفي لإكمال القراءة..لأن ما أنت موشك على قراءته..هو عالم من الرعب الخام..عن الهند التي لا تعرفها..

كان هناك قصة حب لطيفة في الهند سنة 2015..سيدة من ولاية أوتار باراديش رفضت الزوج الذي أُجبرت علي الارتباط به قسرًا..بدلًا من ذلك أحبّت شابًا اسمه رافي وهربت معه..لكن الحلو ميكملش..إذ قامت محكمة محلية بإصدار حكم مروّع..ما هو؟..

حكمت علي أختي الشاب رافي، واسمهما مانكاشاي 23 سنة وباجباتي 15 سنة، بالإغتصاب ثم طلاء وجهيمها بالأسود ثم تعليقهما عراة لمدة 10 أيام علي جذع شجرة..نعم العقوبة من المحكمة هي الاغتصاب كما قرأت..لكن لماذا؟..

هل قصة الحب تستحق ذلك الأمر..القصة لم تكن في الحب نفسه..بل في هوية المتحابين..كلاهما هندوس..لكن الهندوسية لا تساوي أبدًا بين الناس..

الديانة الهندوسية تمتاز بنظام طبقي يُدعي فارنا..يميز بين نوعين من البشر طبقًا للون بشرتهم..الآريون من ذوي البشرة الفاتحة..والدرافيديون من ذوي البشرة الداكنة..

وداخل هذا النظام..تقسيم آخر إضافي؟..ما هو؟..الأديان السماوية أتت لتوحيد البشر وإذابة الفوارق، إلا الديانة الوضعية الهندوسية أتت للتفريق بين الناس حتى وإن كانوا هندوسًا..ولذا قسمت البشر لطبقات..

الأولي المكونة من العلماء تُسمي البراهمين..والثانية المكونة من النخب العسكرية تُدعي ‘‘كشاتريا‘‘..الحرفيين في الطبقة الثالثة المسماة ‘‘فايشيا‘‘..أما ‘‘شودرا‘‘ فهي الطبقة الرابعة ومخصصة للفواعلية المكلفين حصرًا بالمهام الشاقة..لكن هناك بشر آخرون..هندوس أيضًا..تحتقرهم الديانة الهندوسية نفسها، وتطلق عليها اسم ‘‘الداليت‘‘..أو ‘الحقراء‘‘..أو ‘‘الأنجاس‘‘..وهم بحسب العقيدة الهندوسية مسكونون بروح شريرة..لذا لا تُعهد إليهم إلا الأعمال القذرة..الدستور يعترف بحقوقهم ويلغي تصنيفهم كمنبوذين أو ‘‘داليت‘‘ أو ‘‘هاريجان‘‘.. لكن شعبيًا لا يُسمح للطبقة ‘‘الحقيرة‘‘ بمخالطة الطبقات الأعلي، حتى في زيارة ذات دور العبادة مثالُا..ما بالك لو تعلق الامر بزواج؟

مشكلة رافي أنه كان ‘‘داليت‘‘ بينما حبيبته من طبقة أعلي ما استوجب التنكيل بأختيه انتقامًا منه وإرضاء للآلهة..وقتها نشرت منظمة العفو الدولية عريضة تضامن وقعها 16 ألف شخص وتبنتها التايم الأميركية..لكن رغم ذلك تعرضت أخوات رافي للتنكيل..تخيّل ما الذي يفعله الهندي (الهندوسي) بأخيه الهندي ( الهندوسي)؟..

لكن هل يقف التمييز الذي يمارسه الهنود على بعضهم بعضًا عند ذلك الحد؟..لا..تناولنا في السابق التمييز بين الهندوس أنفسهم..لكن لسخرية القدر..كل الهندوس يقومون بالتمييز ضد أتباع الديانات الأخرى وبالأخص المسلمين.

رجل مسلم اسمه ‘‘محمد عبد الخير‘‘ من قرية تُدعى‘‘ بوربوري‘‘ يتذكر ما دار جيدًا..عاد إلي قريته صباحًا..وجد الأهالي يهربون..أطفاله مختبئون..

حمل أحدهم علي ظهره والثاني بين يديه..هرب بهما إلي ضفة نهر كوبولي..ثم توقّف ليشرب الماء..فجأة انهمرت زخات الرصاص وأسقطن اثنين أو ثلاث كانوا برفقته عند النهر..لكنه سارع بالهرب..ظنّ أنه تجا..ُم على حين غرّة..أتي من خلفه هندوسي..عاجله بضربة منجل..لم تصب الرجل المسلم..أصابت من؟. ابنه الذي كان مربوطًا علي ظهره..شُقت رأسه نصفين..المسلم لا يتوقف عن الفرار..هرب إلي النهر..ينظر خلفه ولا يجد ابنه الثاني..أدار رأسه فوجد الهندوس يحاوطونه ويقطعون رأسه.

نجا عبد الخير..لكنه فقد ولديه وابنته وزوجته ووالديه و32 شخصًا من عائلته..قصته شاهدتها في وثائقي What the Fields Remember الذي يحكي تفاصيل تلك المجزرة..

مجزرة نيللي 1983 التي أودت بحياة 2000 مسلم في 7 ساعات..الصراع الطائفي سيضرب الهند بقسوة بعد عام..قتل الهندوس المسلمين بتلك البساطة…لا لشيء إلا لأنهم رفضوا العمل بالسخرة في مزارع الشاي..ربما تعتقد أن مأساة المسلمين في ولاية آسام انتهت عند ذلك الحد..لا..

بعد 35 عام وتحديدًا عام 2018..سوف تقوم حكومة ناريندرا مودي بسحب الجنسية من أربعة ملايين مسلم في ولاية آسام ومنعهم من التصويت في أي انتخابات مقبلة..تخيّل أن تقوم دولة ديمقراطية بسحب الجنسبة من ملايين البشر وتحويلهم إلا لا شيء في لحظة؟.

.هذا ما فعله الهندوس..وفي المنتصف..بين مجزرة نيللي وبين سحب الجنسية..عشرات المجازر في حق المسلمين مثل مجزرة جوجارات عام 2002..لكن لا أحد يُبالي..يا صديقي..منفذ مجزرة جواجارات عام 2002..أصبح رئيس لوزرء الهند عام 2014 ومستمر إلى اللحظة..السيد ناريندرا مودي.

إذن في الهند..تمييز بين الهندوس وبعضهم، وتمييز من الهندوس ضد المسلمين..هل تتوقف الهند عن إثارة دهشتك؟..لا..التمييز القادم من الرجال ضد النساء..لكنه ليس تمييزًا عاديًا..بل فيلم رعب مكتمل الأركان..سوف أحكي لك قصة الرعب كاملة..

صباح عادي..مزارع يتجه إلي عمله في السابعة..وفجأة يستوقفه بعض الأطفال ويصيحون فيه قائلين..‘‘أخي: هناك شخص دفن طفل هنا‘‘..ينبش المزارع الأرض،

ويجد طفلة مدفونة..لحسن الحظ كانت علي قيد الحياة..بدأت الشرطة في البحث عن الأهل لإبلاغهم..لكنها صُدمت بهوية الفاعل..من كان هو؟.

.أبوها..الوالد دفن الطفلة حية ويفتخر بذلك أمام الشرطة..بل ويبرّر قائلًا..‘‘لدي 7 بنات..ماذا أفعل بهن؟‘‘..ثم يسأله الشرطي ‘‘هل تريد استعادة طفلتك؟‘‘.فيجيب الأب. ‘‘لا، أعطوها لشخص آخر‘‘..في الأخير أخذت أسرة محرومة من الإنجاب الطفلة..وأسموها..بولاكشمي.

كان حظ بولادكشمي جيدًا..لأن عشرات ألوف الفتيات في الهند يتم وأدهم شهريًا دون أثر..عام 2007 قامت الشرطة بتفتيش إحدي المناطق المملوكة لعيادة أشعة فوق صوتية..لماذا؟..هل تتهرّب العيادة من الضرائب مثلًا؟..لا..بل استأجرت منطقة مجاورة وفيها دفنت مئات الفتيات اللواتي قتلن بعد ولادتهن فورًا..مدّ رجال الشرطة حبالًا إلي بئر ضحل مجاور للعيادة، ثم التقطوا عشرات الأجنة المدفونة، وكذلك جثث فتيات قُتلن فورًا عند الولادة..لن أنسي ما حييت تلك المشاهد التي رأيتها في وثائقي BBC تحت عنوان India’s Missing Girls..كان الأمر حقًا أشبه بمقبرة جماعية لقرابة 40 فتاة.

هل تتخيّل؟..خلال آخر 30 سنة تم التخلص من 12 مليون جنين أنثي، بحسب دراسة البروفيسور بارافات جاها من مركز الصحة العامة في تورنتو..تُعرف هذه الممارسة في الهند باسم ‘‘ Gender Selection‘‘..عندما تعلم الأم بحملها، تذهب لإجراء اختبار تحديد الجنس،

وإن كانت المولودة فتاة..فإنها في الأغلب سوف تُقتل بإحدى طريقتين..الأولى هي إجهاضها..أما إذا فات أوان الإجهاض..تقوم الأسرة بالانتظار حتي ولادة الطفلة ثم تفعل أحد أمرين..إما خنقها بوسادة أو دفنها حية..كم طفلة تُقتل في الهند، إما بالإجهاض أو القتل بعد الولادة؟..مانيكا غاندي وزيرة المرأة والطفل سابقًا تُجيب برقم صاعق..2000 يوميًا.

لماذا تُقتل الفتيات علي هذا النحو في الهند؟..المهر..أسرة الفتاة هي التي تدفع المهر للعريس..وكلما كانت الأسرة فقيرة، كلما عجزت عن تزويج البنت..تصبح الإبنة عبء..تأكل وتشرب وربما تتعلم..لمَ كل هذا إذن؟..قتلها وهي جنين أو رضيعة أسهل من دفع مهرها..هناك أسر فقيرة تتمكن من دفع المهور..تبيع مواشيها وربما كوخها لتدبير ألوف الروبيات..لكن الزواج ليس أبدًا حبل النجاة..لأن أسرة الزوج لن تتوقف عن طلب المال..هناك قصة قرأتها في التليجراف قبل سنوات..عن فتاة دفع أهلها مهرها..حماتها كانت دومًا تُعايرها بلون بشرتها الداكن..لم تتوقف الأمور هنا..الحماة ذهبت لوالد الزوجة وطلبت تعويض عن بشرة ابنته..ليس تعويض وإنما ابتزاز.

لكن الأب باع واستدان لدفع ما يُعادل 2500 سترليني حفاظًا على زواج ابنته..لكن الحماة كانت ترغب في زوجة أكثر بياضًا لابنها، وبالطبع مهر جديد..ماذا فعلت؟ استدعت زوجة ابنها..أغلقت الباب..وأشعلت فيها النيران حتي الموت..

في نفس فيلم ال BBC إن لم تخني الذاكرة..شاهدت قصة عروسة اسمها ‘‘ريشاما جانيش‘‘، حماتها كانت تكرهها وترغب في زوجة أخرى بيضاء لابنها..فما كان منها إلا أن أحرقتها حيّة..وإلى الآن لا أنسى ذلك المشهد وأنا أشاهد العروسة ريشاما والحروق تُغطي جسدها ولا تنقطع عن البكاء،

بينما تمسك بورقة تُلون عليها بعض الرسومات..هذه الظاهرة تُسمي في الهند ‘‘حرق العرائس/ Bride burning‘‘..كم زوجة تُحرق حتي الموت سنويًا؟ الأرقام الرسمية تقف عند 9000، وتقديرات المنظمات غير الحكومية تذهب لأربعة أضعاف ذلك الرقم.

ماذا تتوقع أن يحدث عندما تُقتل الفتيات عند الولادة؟ بالطبع خلل ديموجرافي فادح..قدّرته نيودلهي رسميًا في إطار عملية المسح الإقتصادي الفائت للسكان في يناير 2018 بنحو 63 مليون فتاة..نعم 63 مليون فتاة اختفت من السجلات..

وهناك ولايات مُعينة انخفضت فيها نسبة الإناث عن الذكور بصورة جلية.. في هاريانا وصلت مثلًا ل 928 أنثي مقابل كل ألف ذكر، والأمر أسوأ في البنجال الغربية ب 700 فتاة فقط..هل سُيعدل المجتمع مساره؟..لا مزيد من المهور التي تؤدي لفتل الأجنة والرضيعات وحرق الزوجات؟..لا..المرأة ستدفع الثمن مجددًا..والثمن هذه المرة هو ‘‘العبودية‘..لكنها عبودية لا تود الهند الحديث عنها في الأفلام..عبودية الخليج تبدو أكثر إغراءً..

ما زلت أذكر قصتها..اسمها ماكليشا..والداها تُوفيا وهي في عمر الثالثة..عمتها التي كان يُفترض بها رعايتها..قامت ببيعها..والخاطف باعها للزواج..زوجها الأول تُوفي بعد 3 سنوات..بيعت ماكليشا ثانيةً..تلك المرة لزوج لم يكن يتوقف عن ضربها..ماكليشا جائعة؟

حسنًا يأخذها للحقل ويُطمعها كثيرًا من روث البهائم..ماكليشا ستُصاب لاحقًا بأمراض عقلية من الرعب الذي عايشته، حتي تكاد تعجز عن البوح وترتيب الكلام..شاهدت ماكليشا في وثائقي الجزيرة الإنجليزية الذي حقق 1,7 مليون مشاهدة..تحت عنوان India’s Slave Brides..

ومثلها ألوف الحالات من الفتيات اللواتي يتم بيعهن كعبيد لسد نقص الإناث في ولايات أخرى يتم فيها وأد البنات أو حرقهن وهن عرائس..

بل أحيانًا يتم تزويج التفاة المخطوفة لذكور أسرة كاملة..تخيل أن تتعرض فتاة للخطف، ثم تصبح عبدة لخمس أو ست شباب إخوة..وأصبح لتلك الظاهرة اسمًا جديدًا في الهند، وهو ‘‘دروباديس‘‘ نسبة إلي الشخصية التي تحمل ذاك الإسم في فيلم ‘‘مهابهارتا‘‘ والتي كانت متزوجة من الأخوة بانادرا الخمسة.

هذه مجرد نماذج فقط من الهند الحقيقية..الهند التي لا نشاهدها في وسائل الإعلام..الهند الديمقراطية التي تسحب الجنسية من المسلمين، الهند التي يحتقر فيها الهندوس هندوسًا لأنهم فقراء، والهند التي ليست كأفلام السينما حيث ترقص الفتيات وتمرحن،

بل هي جهنم النساء، حيث تصدرت الهند وفقًا لدراسة مجلة لانسيت البريطانية عام 2019 قائمة انتحار النساء في العالم..هذه عينات بسيطة من الهند..المجتمع المبني على الكراهية والاحتقار..والتمييز والسحق..ثم تنتج الهند فيلم سينما عن هندي تعرض للعبودية في السعودية.

.وهي الهند نفسها التي تؤئد فيها البنات ويتم بيعهن كعبيد على مرأى ومسمع من الحكومة..انتقد أوضاع العمالة الهندية في الخليج كما تريد..لكن يا أخي..انتقد ما لديك أولًا.

وأتمنى من الهند – صديقة إسرائيل الحميمة وداعمها الأول في آسيا – أن تنتج فيلمًا عن كل هذا الرعب القاطن بداخلها..وأن تصلح أوضاع أهلها أولًا..لأن من يُهان في منزل أبيه، لن يجد الرحمة أبدًا من غيره.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى